بارك الله فيكم أخي الحبيب ومشرفنا القدير ( ابن حزم الظاهري ) ، أخفي عليكم ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لتتبعن سنن الذين من قبلكم ، شبرا بشبر، أو ذراعا بذراع ، حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه 0 قالوا : اليهود والنصارى ؟ قال : فمن ؟ ) ( صحيح الجامع 5063 ) 0
اعلم أخي الحبيب إن الشخصية الإسلامية متميزة بأفكارها ومعتقدها ، راسخة في معالمها وتطلعاتها ، تنير طريق الآخرين بما تحمله من مبادئ وقيم وأخلاق لا تحتويها أي شريعة أو منهج آخر ، تنمي القدرات وتصقل المواهب ، وتنشئ جيلا فذا بسلوكه وتصرفه وأخلاقه 0
والعجب أن كثيرا من المسلمين في عصرنا الحاضر ، انسلخوا عن كل تلك المبادئ والقيم والأخلاق ، إلى تقليد الغرب الكافر بأفكاره ومعتقداته وأخلاقياته ، مع ما توفره لهم المبـادئ الإسلامية من رقي وعلو ورفعة نفس ، فانساقوا في أتون الضياع والتخبط ، ينطبق عليهم الحديث آنف الذكر 0
إن المسلم يتمتع بشخصية وسمت مستقل ، يتم بناء ذلك على ضوء التشريعات الإلهيه من الكتاب والسنة ، ومنهج السلف الصالح ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعبر عن هذه الشخصية ، فيشبه المؤمن بالنخلة تارة وبالنحلة تارة أخرى كما ثبت من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها ، وإنها مثل المسلم فحدثوني ما هي ؟ ثم قال : هي النخلة ) ( متفق عليه ) ، وقد ثبت من حديث ابن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمن مثل النخلة ، ما أخذت منها من شيء نفعك ) ( السلسلة الصحيحة 2285 ) ، وثبت أيضا من حديث أبي رزين -رضي الله عنه- أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مثل المؤمن مثل النحلة ، لا تأكل إلا طيبا ، ولا تضع إلا طيبا ) ( السلسلة الصحيحة 354 ) 0
قال المناوي : ( إذا أُطلق المؤمن غالبا أنه يعني به المؤمن الذي تكاملت فيه خصال الخير باطنا وأخلاق الإسلام ظاهرا ، فشبه المؤمن بذبابة العسل لقلة مؤنتها وكثرة نفعها ، وقال علي : كونوا في الدنيا كالنحلة كل الطير يستضعفها وما علموا ما ببطنها من النفع والشفاء 0 ومعنى إن أكلت الخ : أي أنها لا تأكل بمرادها وما يلذ لها بل تأكل بأمر مسخرها في قوله ( كلي من كل الثمرات ) حلوها ومرها لا تتعداه إلى غيره من غير تخليط فلذلك طاب وصفها لذة وحلاوة وشفاءً ، فكذا المؤمن لا يأكل إلا طيبا وهو الذي حلي بإذن ربه لا بهوى نفسه ، فلذلك لا يصدر من باطنه وظاهره إلا طيب الأفعال وذكي الأخلاق وصالح الأعمال ، فلا يطمع في صلاح الأعمال إلا بعد طيب الغذاء ، وبقدر صفاء حله تنمو أعماله وتذكو ) ( فيض القدير - 5 / 514 ) 0
إن المسلم قوي بتصرفاته وأفعاله ، ويستمد هذه القوة من الشريعة وأحكامها ، فثمار أخلاقه طيبة نافعة ، راسخ الجذور ، لا يتموج ولا يتميع من خلال المؤثرات ، يؤثر في الآخرين ، ويصحح مفاهيمهم ويصقلها لكي تواكب الشرع والمنهج 0
وما نراه اليوم يدل على التميع في الشخصية والسلوك ، فكثير من المسلمين يجارون الغرب وحضارته بكافة الطرق والمقاييس والمعايير ، ظنا واعتقادا بالرقي الحضاري وما علموا أنها تدمير للاعتقاد ، وتشويه للأخلاق الإسلامية التي يجب أن يتحلوا بها ، وأن يستنيروا بهداها وينطووا تحت لوائها 0
إن المجتمعات الغربية تعاني ما تعانيه اليوم من مشاكل اجتماعية واقتصادية وفكرية - نتيجة للتخبط والضياع والبعد عن المنهج الحق ، ولا بد أن يأتي اليوم الذي تدفع تلك المجتمعات ثمن هذه الأخلاقيات ويصيبها عقاب من الله بما تستحق 0
لقد اعتقد الواهنون من ضعفاء الإيمان أن تقدم المجتمعات الغربية نتيجة لتلك المظاهر البعيـدة والمخالفـة للفطرة السويـة السليمة ، وانبهروا بالشكليـات والقشور دون النظر في لب الأمور ، فانتكست فطرتهـم ، وتميعت أخلاقهم ، وانحرفت نظرتهم عن الحق وأهله 0
وما زال كثير من المسلمين اليوم يجهلون أن الإسلام مستهدف من كافة الحضارات والثقافات الغربية في اعتقاده وفكره ومنهجه ، علما بأن الثقافة الغربية حافظت على ما لديها من أصول وثقافة وحضارة دون النظر والاقتباس والتقليد للغير ، إلا فيما رأوه نافعا ومفيدا لهم في بعض الجوانب والمجالات الثقافية والعلميـة فأخذوا بعضاً ممـا عند المسلمين وغيرهم ، ومع إدراكنا بأن كثيرا مما لديهم وما يملكون من قيم ومبادئ وأخلاقيات متعلقة بالجوانب الإنسانية هو ظلال وزيف وبعد عن الحق ، ومع ذلك تراهم يدافعون عن ذلك ويبذلون كل ما يملكون في سبيله 0
والمسلمون هم أصحاب الحق - مع جهلهم ذلك - وتراهم يلهثون وراء الحضارة الغربية وسرابها ، مع إدراكهم التام لما وصلت إليه من تشتت ودمار وضياع أخلاقي 0
إن مجريات الأحداث وما وصل إليه المسلمون اليوم تؤكد تآمر الغرب وتربصه بالإسلام وأهله ، فلا بد أن نعي وأن ندرك ذلك ، وأن نعلم أن طريق الخلاص لا يكون بالتمني والأحلام ، إنما بالاجتهاد والعمل والمثابرة ، وفق الكتاب والسنة ، كما أخبر الحق تبارك وتعالى في محكم كتابه : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِى مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( سورة الأنعام - الآية 153 ) 0
زادكم الله من فضله ومنه وكرمه ، مع تمنياتي لكم بالصحة والسلامة والعافية :
أخوكم المحب / أبو البراء أسامة بن ياسين المعاني 0