الوقفة الرابعة عشر :
يقول الدكتور الصغيّر – وفقه الله لكل خير - : " وقد كثرت الأمراض النفسية مؤخراً وانتشرت طرق علاجية كثيرة معظمها لا يقوم على أساس طبي علمي فضلاً عن مستند شرعي ، وكثيراً ما يقع بسببها أضرار صحية ومالية ، بل ودينية وأخلاقية تلحق بالمريض وغيره " ( توعية المرضى بأمور التداوي والرقى – ص 107 ) 0
1)- أما ما ذكره الدكتور الصغيّر – وفقه الله لكل خير – من انتشار الأمراض والاضطرابات النفسية بشكل ملفت للنظر فهذا هو الواقع المشاهد والمحسوس، وذلك نتيجة عدة عوامل منها الدينية وذلك بسبب البعد عن منهج الكتاب والسنة، وعوامل نفسية ذكرها الدكتور على النحو التالي :
أ - العوامل المهيئة للمرض النفسي :
1)- الوراثة 0
2)- ضغوط اجتماعية نفسية في مرحلتي الطفولة والمراهقة 0
3)- وجود سمات وصفات شخصية غير سوية ، إما في التفكير أو المشاعر والعواطف ، أو في التعامل مع الآخرين 0
ب- العوامل المظهرة للمرض النفسي :
1)- عوامل اجتماعية نفسية كمشكلات المنافسة والحسد بين الأقران ، والخلافات الزوجية ، وخلافات الآباء مع الأبناء ، والأبناء فيما بينهم ، والمشكلات المتعلقة بالتأقلم مع الوظيفة وزملاء العمل 0
2) عوامل بدنية حيوية:كالمرض المزمن أو المفاجئ الخطير ( كالسرطان، وإصابات الدماغ ) ونحو ذلك 0
3)- آثار جانبية لبعض الأدوية : فبعض أنواع حبوب منع الحمل تؤدي إلى الاكتئاب إذا استعملت لفترة طويلة ، وكذلك بعض أدوية الضغط 0
ج - العوامل المفاقمة للمرض النفسي :
هي التي تؤثر سلباً في الحالة – بعد ظهورها – فتزيدها سوءً إما في شدتها أو طول مدتها أو تعقيدها بأي شكل كان 0
وهذه العوامل المفاقمة كثيرة غير منحصرة وقد تكون اجتماعية أو نفسية أو جسدية أو هي معاً 0
د - العوامل المبقية للمرض النفسي :
هي التي تؤدي إلى بقاء العلة النفسية واستمرارها ، وتحول دون تحسّنها ومن أمثلتها : تفكك الأسرة ، والظروف المادية العصيبة ( فقر ، ديون ) ، ووجود تخلف عقلي ، أو اضطراب في الشخصية ، أو علة جسدية ، وعاهة : كالعور ، والصمم 0 ( توعية المرضى بأمور التداوي والرقى – ص 53 ، 55 ) 0
وبعد هذا العرض المتعلق بأسباب الاضطرابات النفسية من قبل الدكتور الصغيّر والذي جاء بناءاً على الدراسة والبحث العلمي ، وإن دل على شيء فإنما يدل على تبصر في أصل القضية وتمعن في طبيعة الاضطرابات النفسية ، إلا أنه قد أغفل مسألة مهمة تتعلق بالجانب الروحي وأثره الواضح البين في بعض حالات الإضطراب الجنسي ، وقد تم مناقشة ذلك مناقشة علمية في الوقفة السابقة ( البند الرابع ) 0
2)- أما ما ذكره الدكتور الصغيّر – وفقه الله لكل خير – حيث قال : " وانتشرت طرق علاجية كثيرة معظمها لا يقوم على أساس طبي علمي فضلاً عن مستند شرعي ، وكثيراً ما يقع بسببها أضرار صحية ومالية ، بل ودينية وأخلاقية تلحق بالمريض وغيره " 0
أ - الذي يقرأ كلام الدكتور الصغيّر – وفقه الله لكل خير – بتمعن يجد أنه يشير إلى طرق العلاج المتبعة من قبل المعالجين ، وهنا لا بد أن نفرق بين أمرين أساسيين ، الأول ما يتعلق بكافة الأمراض والاضطرابات النفسية وهذه تُعالج عند الإخوة من أهل الاختصاص في الطب النفسي ، وهم أعلم بكنه وطبيعة وعلاج تلك الأمراض ، والثاني ما يتعلق بكافة الأمراض الروحية من صرع وسحر وعين وحسد وهذه تُعالج عند الإخوة من أهل الاختصاص في الرقية الشرعية ، ولا يجوز الخلط بين النوعيين السابقين ، ولا بد من الاعتقاد الجازم بأن الأمراض الروحية قد تؤدي إلى اضطرابات نفسية وهنا تكمن أهمية التخصص والحذاقة في كافة المجالات المتنوعة سواء كانت نفسية أو روحية ، مع توفر نظرة الاحترام والتقدير من قبل الطبيب النفسي للمعالج صاحب العلم الشرعي والخبرة والدراية ، وفي المقابل احترام المعالج للطبيب النفسي صاحب الورع والتقى والدين ، وصاحب التخصص والخبرة والممارسة في هذا المجال ، دون تدخل أي منهما في عمل الطرف الآخر أو التقليل من شانه أو رميه بالهمز واللمز أو تسفيه رأيه أو الانتقاص من قدره ، وهذا يقود حتماً إلى تحقيق نتائج تخدم الإسلام والمسلمين في شتى بقاع الأرض 0
ب- أما قول الدكتور الصغيّر عن طرق العلاج المتبعة : " طرق علاجية كثيرة معظمها لا يقوم على أساس طبي علمي " ، فالمعنيّ بذلك بعض المعالجين ممن تصدر الرقية الشرعية دون علم شرعي أو دراسة وخبرة وممارسة ، وهؤلاء بطبيعة الحال لا نعنيهم مطلقاً في سياق النقاش العلمي الجاد الذي هدفه وغايته الوصول للحق المنشود 0
وأذكُرُ تحت هذا العنوان من باب التنبيه والإيضاح ما نقله الأستاذ الفاضل خليل بن إبراهيم أمين حول التجاوزات الشرعية بشكل عام حيث يقول :
( فمن بعض كيد الشيطان للمعالجين بالرقية الشرعية التوسع الزائد في تحصيل الأموال على الرقية بدعوى الجواز ( قلت : تعرضت لهذه المسألة مفصلة في كتابي الموسوم " فتح الحق المبين في أحكام رقى الصرع والسحر والعين " ، تحت عنوان " حكم أخذ الأجرة على الرقية " ) ، ومن بعض كَيدِهِ التساهل والترخّص ووقوع المخالفات الشرعية في معالجة النساء بدعوى الضرورة ، ومن بعض كَيدِهِ استخدام الضرب والخنق والكهرباء احتجاجاً بفعل شيخ الإسلام ، ومن بعض كَيدِهِ تنفير الناس من أدوية الطب الحديث بدعوى ] المخدرات [ ، ومن بعض كَيدِهِ القول على الله بلا علم والحكم على حالات المرضى تخرصاً وظناً ) ( الرقية والرقاة بين المشروع والممنوع – ص 25 ) 0
وقد ذكر فضيلة الشيخ عبدالله بن حميد بيتي قصيد ينطبق حالهما على بعض المعالجين في العصر الحالي ، يقول فيهما :
استبدلوا عِلمَ الحديثِ بغيرهِ ومنَّ الغريبِ مُحدِّثونَ دَكاتِرة
والله لو عَلِمَ الجُدودُ بِفِعلِنا لَتَناقَلوها في المجالِسِ نـادرة
( تغريب الألقاب العلمية – لفضيلة الشيخ بكر أبو زيد - ص 17 ) 0
أما قوله : " فضلاً عن مستند شرعي "، فقد بينت في أكثر من موضع في هذا الكتاب أن العلاج بالرقية الشرعية يبقى ضمن نطاق التعامل مع الآثار المحسوسة الناتجة عن الإصابة بالأمراض الروحية كالصرع والسحر والعين ، ومن هنا فنحن لسنا مطالبين بأدلة شرعية تتعلق بجزئيات العلاج ، علماً بأن الأصل في هذه المسائل قد ثبت شرعاً وقد ذكرت أدلة على ذلك من السنة المطهرة ، وكذلك فقد أكد عليه أثبات علماء الأمة قديماً وحديثاً 0
يتبع / 000