الجزء الثالث
قال صاحب تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي :
قوله ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال)
بفتح النون المشددة وكسرها والأول أشهر , أي المتشبهين بالنساء في الزيواللباس والخضاب والصوت والصورة والتكلم وسائر الحركات والسكنات من خنث يخنث , كعلم يعلم : إذا لان وتكسر , فهذا الفعل منهي لأنه تغيير لخلقالله.
قال النووي : المخنث ضربان أحدهما من خلق كذلك ولم يتكلف التخلق بأخلاق النساء وزيهن وكلامهن وحركاتهن وهذا لا ذم عليه ولا إثم ولاعيب ولا عقوبة لأنه معذور , والثاني من يتكلف أخلاق النساء وحركاتهن وسكناتهن وكلامهن وزيهن فهذا هو المذموم الذي جاء في الحديث لعنه
( والمترجلات ) بكسر الجيم المشددة , أي المتشبهات بالرجال
( من النساء ) زيا وهيئة ومشية ورفع صوت ونحوها , لا رأيا وعلما , فإن التشبه بهم محمود , كما روي أن عائشة رضي الله عنها كانت رجلة الرأي , أي رأيها كرأي الرجال على مافي النهاية .
وقال صاحب فيض القدير في شرحه :
في قوله ( لعن اللّه المتشبهات من النساء بالرجال ) فيما يختص به من نحو لباس وزينة وكلام وغير ذلك ( والمتشبهين من الرجال بالنساء ) كذلك قال ابن جرير فيحرم على الرجل لبس المقانع والخلاخل والقلائد ونحوها والتخنث في الكلام والتأنث فيه وما أشبهه قال : ويحرم على الرجل لبس النعال الرقاق التي يقال لها الحذو والمشي بها في المحافل والأسواق اهـ . وما ذكره في النعال الرقيقة لعله كان عرف زمنه من اختصاصها بالنساء أما اليوم فالعرف كما ترى أنه لا اختصاص .
وقال ابن أبي جمرة : ظاهر اللفظ الزجر عن التشبه في كل شيء لكن عرف من أدلة أخرى أن المراد التشبه في الزي وبعض الصفات والحركات ونحوها لا التشبه في الخير وحكمة لعن من تشبه إخراجه الشيء عن صفته التي وضعها عليه أحكم الحكماء .
وقال أيضا :
في قوله : ( لعن اللّه المخنثين ) من خنث يخنث كعلم يعلم إذا لان وتكسر ( من الرجال ) تشبيهاً بالنساء والمخنث من يتخلق بخلق النساء حركة أو هيئة زياً أو كلاماً وإن لم يعرف منه ثم إن كان اختياراً فهو محل الذم وإن كان خلقياً فلا لوم عليه وعليه أن يتكلف إزالته ( والمترجلات من النساء ) أي المتشبهات بالرجال فلا يجوز لرجل التشبه بإمرأة في نحو لباس أو هيئة ولا لرجل التشبه بها في ذلك خلافاً للأسنوي من الشافعية لما فيه من تغيير خلق اللّه وإذا كان المتشبه ( من الرجال بالنساء ) ملعوناً فما بالك فيمن تشبه منهم بهن في الفعل به فهو ملعون من جهة تخنثه في نحو كلامه وحركاته ومن جهة الفاحشة العظمى .
قال ابن تيمية : والمخنث قد يكون قصده عشرة النساء ومباشرته لهن وقد يكون قصده مباشرة الرجال له وقد يجمع الأمرين.
وقال الطيبي : وقوله من النساء بيان للرجلة لأن التاء فيها لإرادة الوصفية .
يتبع