عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 20-08-2006, 09:07 AM   #4
معلومات العضو
بهاء الدين
إشراقة إشراف متجددة

Lightbulb ابن تيمية وأهل السنة والجماعة

أخذت هذه الفصول من " مجموع فتاوى ابن تيمية "

فصــل: من أصول أهل السنة‏:‏ أن الدين والإيمان قول وعمل

ومن أصول أهل السنة‏:‏ أن الدين والإيمان قول وعمل؛ قول القلب واللسان، وعمل القلب واللسان والجوارح، وأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية‏.‏
وهم مع ذلك لا يكفرون أهل القبلة بمطلق المعاصي والكبائر، كما يفعله الخوارج، بل الأخوة الإيمانية ثابتة مع المعاصي، كما قال ـ سبحانه وتعالى ـ في آية القصاص‏:‏ ‏{‏ فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ‏**‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 178‏]‏، وقال‏:‏ ‏{‏وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ‏**‏ ‏[‏الحجرات‏:‏9، 10‏]‏‏.‏
ولا يسلبون الفاسق المِلِّيّ ‏[‏المِلِّي‏:‏ نسبة إلى أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى‏]‏ اسم الإيمان بالكلية ولا يخلدونه في النار، كما تقوله المعتزلة، بل الفاسق يدخل في اسم الإيمان في مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ‏**‏ ‏[‏النساء‏:‏92‏]‏‏.‏
وقد لا يدخل في اسم الإيمان المطلق، كما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا‏**‏ ‏[‏الأنفال‏:‏2‏]‏، وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا يزنى الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا ينتهب نُهْبةً ذات شرف يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن‏)‏‏.‏ ‏[‏قوله‏:‏ ‏(‏لا ينتهب نهبة‏)‏‏:‏ النهب‏:‏ الغارة والسلب، أي‏:‏لا يختلس شيئًا له قيمة عالية‏]‏
ويقولون‏:‏ هو مؤمن ناقص الإيمان، أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته، فلا يعطى الاسم المطلق، ولا يسلب مطلق الاسم‏.


فصــل: من أصول أهل السنة والجماعة‏:‏ سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن أصول أهل السنة والجماعة‏:‏ سلامة قلوبهم وألسنتهم لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما وصفهم الله به في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ‏**‏ ‏[‏الحشر‏:‏10‏]‏‏.‏
وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم في قوله‏:‏ ‏(‏لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهالا ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه‏)‏‏.‏ ويقبلون ما جاء به الكتاب والسنة والإجماع، من فضائلهم ومراتبهم، فيفضلون من أنفق من قبل الفتح ـ وهو صلح الحديبية ـ وقاتل على من أنفق من بعده وقاتل، ويقدمون المهاجرين على الأنصار، ويؤمنون بأن الله قال لأهل بدر ـ وكانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ـ‏:‏ ‏(‏اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم‏)‏، وبأنه لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة، كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد رضي الله عنهم ورضوا عنه، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة‏.‏
ويشهدون بالجنة لمن شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، كالعشرة، وكثابت بن قيس بن شماس، وغيرهم من الصحابة‏.‏
ويقرون بما تواتر به النقل عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ وعن غيره، من أن خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر، ويثلثون بعثمان، ويربعون بعلي ـ رضي الله عنهم ـ كما دلت عليه الآثار، وكما أجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على تقديم عثمان في البيعة، مع أن بعض أهل السنة كانوا قد اختلفوا في عثمان وعلي ـ رضي الله عنهما ـ بعد اتفاقهم على تقديم أبي بكر وعمر ـ أيهما أفضل، فقدم قوم عثمان وسكتوا، أو ربعوا بعلي، وقدم قوم عليًا، وقوم توقفوا، لكن استقر أمر أهل السنة على تقديم عثمان، وإن كانت هذه المسألة ـ مسألة عثمان وعلي ـ ليست من الأصول التي يضلل المخالف فيها عند جمهور أهل السنة، لكن المسألة التي يضلل المخالف فيها هي مسألة الخلافة‏.‏
وذلك أنهم يؤمنون بأن الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبو بكر، ثم عمر، ثم عثمان، ثم علي، ومن طعن في خلافة أحد من هؤلاء الأئمة فهو أضل من حمار أهله‏.‏
ويحبون أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتولونهم، ويحفظون فيهم وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال يوم غَدِير خُمّ‏:‏ ‏(‏أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي‏)‏، وقال ـ أيضًا ـ للعباس عمه ـ وقد اشتكى إليه أن بعض قريش يجفو بني هاشم ـ فقال‏:‏ ‏(‏والذي نفسي بيده، لا يؤمنون حتى يحبوكم لله ولقرابتي‏)‏، وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏إن الله اصطفى بني إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل كنانة، واصطفى من كنانة قريشًا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم‏)‏‏.‏
ويتولون أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين، ويؤمنون بأنهن أزواجه في الآخرة، خصوصًا خديجة ـ رضي الله عنها ـ أم أكثر أولاده، وأول من آمن به وعاضده على أمره، وكان لها منه المنزلة العالية‏.‏
والصديقة بنت الصديق ـ رضي الله عنهما ـ التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام‏)‏‏.‏
ويتبرؤون من طريقة الروافض، الذين يبغضون الصحابة ويسبونهم، ومن طريقة النواصب، الذين يؤذون أهل البيت بقول أو عمل، و يمسكون عما شجر بين الصحابة‏.‏
ويقولون‏:‏ إن هذه الآثار المروية في مساويهم منها ما هو كذب، ومنها ما قد زيد فيه ونقص وغير عن وجهه والصحيح منه هم فيه معذورون، إما مجتهدون مصيبون، وإما مجتهدون مخطئون‏.‏
وهم مع ذلك لا يعتقدون أن كل واحد من الصحابة معصوم عن كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم؛ لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم، وقد ثبت بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أنهم خير القرون‏)‏ وأن المد من أحدهم إذا تصدق به، كان أفضل من جبل أحد ذهالا ممن بعدهم‏.‏
ثم إذا كان قد صدر من أحدهم ذنب فيكون قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بفضل سابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم الذي هم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلى ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي كانوا فيها مجتهدين، إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطؤوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور لهم‏؟‏
ثم القدر الذي ينكر من فعل بعضهم قليل نزر، مغمور في جنب فضائل القوم ومحاسنهم، من الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله، والهجرة والنصرة، والعلم النافع، والعمل الصالح‏.‏
ومن نظر في سيرة القوم بعلم وبصيرة، وما مَنَّ الله به عليهم من الفضائل، علم يقينًا أنهم خير الخلق بعد الأنبياء، لا كان ولا يكون مثلهم، وأنهم هم الصفوة من قرون هذه الأمة، التي هي خير الأمم وأكرمها على الله تعالى‏.‏
ومن أصول أهل السنة والجماعة‏:‏ التصديق بكرامات ‏[‏في المطبوعة‏:‏ ‏[‏بكرمات‏]‏ والصواب ما أثبتناه‏]‏ الأولياء، وما يجرى الله على أيديهم من خوارق العادات، في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة، وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة‏.‏


فصــل: من طريقة أهل السنة والجماعة‏: ‏اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا

ثم من طريقة أهل السنة والجماعة‏:‏اتباع آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم باطنًا وظاهرًا، واتباع سبيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، واتباع وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال‏:‏ ‏(‏عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة‏)‏‏.‏
ويعلمون أن أصدق الكلام كلام الله، وخير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، ويؤثرون كلام الله على كلام غيره من كلام أصناف الناس، ويقدمون هدى محمد صلى الله عليه وسلم على هدى كل أحد، وبهذا سموا‏:‏ أهل الكتاب والسنة‏.‏
وسموا أهل الجماعة؛ لأن الجماعة هى الاجتماع وضدها الفرقة، وإن كان لفظ الجماعة قد صار اسمًا لنفس القوم المجتمعين، والإجماع هو الأصل الثالث الذى يعتمد عليه فى العلم والدين‏.‏
وهم يزنون بهذه الأصول الثلاثة جميع ما عليه الناس من أقوال وأعمال باطنة أو ظاهرة مما له تعلق بالدين، والإجماع الذى ينضبط هو ما كان عليه السلف الصالح؛ إذ بعدهم كثر الاختلاف وانتشرت الأمة‏.


فصل في استكمال أصول أهل السنة والجماعة

ثم هم مع هذه الأصول يأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر على ما توجبه الشريعة‏.‏ ويرون إقامة الحج والجهاد والجمع والأعياد مع الأمراء، أبرارًا كانوا أو فجارًا، ويحافظون على الجماعات‏.‏
ويدينون بالنصيحة للأمة، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا‏)‏، وشبك بين أصابعه صلى الله عليه وسلم، وقوله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏(‏مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر‏)‏‏.‏
ويأمرون بالصبر عند البلاء، والشكر عند الرخاء، والرضا بمر القضاء، ويدعون إلى مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، ويعتقدون معنى قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا‏)‏‏.‏
ويندبون إلى أن تصل من قطعك، وتعطى من حرمك، وتعفو عمن ظلمك، ويأمرون ببر الوالدين، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والإحسان إلى اليتامى والمساكين وابن السبيل، والرفق بالمملوك، وينهون عن الفخر والخُيَلاء والبغي، والاستطالة على الخلق بحق أو بغير حق، ويأمرون بمعالى الأخلاق، وينهون عن سفسافها وكل ما يقولونه أو يفعلونه من هذا أو غيره، فإنما هم فيه متبعون للكتاب والسنة‏.‏
وطريقتهم هي دين الإسلام، الذي بعث الله به محمدًا صلى الله عليه وسلم، لكن لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة وهي الجماعة، وفي حديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏(‏هم من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي‏)‏ ، صار المتمسكون بالإسلام المحض الخالص عن الشوب هم أهل السنة والجماعة، وفيهم الصديقون والشهداء والصالحون، ومنهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، أولو المناقب المأثورة، والفضائل المذكورة، وفيهم الأبدال الأئمة الذين أجمع المسلمون على هدايتهم ودرايتهم‏.‏وهم الطائفة المنصورة، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى تقوم الساعة‏)‏‏.‏
فنسأل الله العظيم أن يجعلنا منهم، وألا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، ويهب لنا من لدنه رحمة، إنه هو الوهاب‏.‏ والله أعلم‏.‏
وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا‏.


ما قاله شيخ الإسلام‏ عن أهل السنة والمبتدعة

بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى وتقدس‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏**‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 102ـ106‏]‏‏.‏ قال ابن عباس وغيره‏:‏ تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة ‏{‏فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏**‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 106، 107‏]‏‏.‏
وفي الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج‏:‏ ‏(‏أنهم كلاب أهل النار‏)‏ وقرأ هذه الآية ‏{‏يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ‏**‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 106‏]‏‏.‏ قال الإمام أحمد بن حنبل صح الحديث في الخوارج من عشرة أوجه، وقد خرجها مسلم في صحيحه، وخرج البخاري طائفة منها قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية‏)‏ وفي رواية ‏(‏يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان‏)‏‏.‏
والخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب، ويكفرون من خالفهم في بدعتهم، ويستحلون دمه وماله، وهذه حال أهل البدع يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها‏.‏
وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق‏.‏
وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، فعاقب الطائفتين‏.‏ أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم، وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار، وطلب قتل عبدالله بن سبأ فهرب منه، وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر‏.‏ وروى عنه من وجوه كثيرة أنه قال‏:‏ ‏(‏خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر‏)‏ ورواه عنه البخاري في صحيحه‏.


فصل: من أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات

ومن أصول أهل السنة والجماعة أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات، لا يدعون الجمعة والجماعة كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم، فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلى خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره، بل مازال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور، ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وأمكن الصلاة خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق مع إمكان الصلاة خلف غيره فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد‏.‏ وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر وليس هناك جمعة أخرى فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم‏.‏
وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب، كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله ،ولم يقل أحمد إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله‏.‏
ولما قدم أبو عمرو عثمان بن مرزوق إلى ديار مصر وكان ملوكها في ذلك الزمان مظهرين للتشيع؛ وكانوا باطنية ملاحدة، وكان بسبب ذلك قد كثرت البدع وظهرت بالديار المصرية أمر أصحابه أن لا يصلوا إلا خلف من يعرفونه لأجل ذلك‏.‏ ثم بعد موته فتحها ملوك السنة مثل صلاح الدين وظهرت فيها كلمة السنة المخالفة للرافضة، ثم صار العلم والسنة يكثر بها ويظهر‏.‏
فالصلاة خلف المستور جائزة باتفاق علماء المسلمين، ومن قال أن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة، وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يصلون خلف من يعرفون فجوره كما صلى عبدالله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط وكان قد يشرب الخمر وصلى مرة الصبح أربعا وجلده عثمان بن عفان على ذلك‏.‏
وكان عبدالله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف، وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد وكان متهما بالإلحاد وداعيا إلى الضلال‏.‏


فصــل في أن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله

ومن ذلك الاقتصاد في السنة واتباعها كما جاءت - بلا زيادة ولا نقصان - مثل الكلام في القرآن، وسائر الصفات‏.‏
فإن مذهب سلف الأمة وأهل السنة أن القرآن كلام الله، منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود‏.‏ هكذا قال غير واحد من السلف‏.‏ روى عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار ـ وكان من التابعين الأعيان ـ قال‏:‏ ما زلت أسمع الناس يقولون ذلك‏.‏
والقرآن الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم هو هذا القرآن الذي يقرؤه المسلمون ويكتبونه في مصاحفهم، وهو كلام الله لا كلام غيره، وإن تلاه العباد وبلغوه بحركاتهم وأصواتهم، فإن الكلام لمن قاله مبتدئًا لا لمن قاله مبلغًا مؤديًا، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏**‏ ‏[‏التوبة‏:‏6‏]‏، وهذا القرآن في المصاحف، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ‏**‏ ‏[‏البروج‏:‏21، 22‏]‏، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَةً فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ‏**‏ ‏[‏البينة ‏:‏2، 3‏]‏، وقال ‏:‏ ‏{‏إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ‏**‏ ‏[‏الواقعة‏:‏ 77، 78‏]‏‏.‏
والقرآن كلام الله بحروفه ونظمه ومعانيه، كل ذلك يدخل في القرآن وفي كلام الله‏.‏ وإعراب الحروف هو من تمام الحروف، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من قرأ القرآن فأعربه فله بكل حرف عشر حسنات‏)‏ وقال أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ‏:‏ حفظ إعراب القرآن أحب إلينا من حفظ بعض حروفه‏.‏
وإذا كتب المسلمون مصحفًا، فإن أحبوا ألا ينقطوه ولا يشكلوه جاز ذلك، كما كان الصحابة يكتبون المصاحف من غير تنقيط ولا تشكيل؛ لأن القوم كانوا عربًا لا يلحنون‏.‏ وهكذا هي المصاحف التي بعث بها عثمان ـ رضي الله عنه ـ إلى الأمصار في زمن التابعين‏.‏
ثم فشا اللحن فنقطت المصاحف وشكلت بالنقط الحمر، ثم شكلت بمثل خط الحروف، فتنازع العلماء في كراهة ذلك‏.‏ وفيه خلاف عن الإمام أحمد ـ رحمه اللّه- وغيره من العلماء، قيل ‏:‏ يكره ذلك لأنه بدعة‏.‏ وقيل ‏:‏ لا يكره للحاجة إليه‏.‏ وقيل‏:‏ يكره النقط دون الشكل لبيان الإعراب‏.‏ والصحيح أنه لا بأس به‏.‏
والتصديق بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أن الله يتكلم بصوت ـ وينادي آدم ـ عليه السلام ـ بصوت، إلى أمثال ذلك من الأحاديث‏.‏ فهذه الجملة كان عليها سلف الأمة وأئمة السنة‏.‏
وقال أئمة السنة ‏:‏ القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق، حيث تلى وحيث كتب‏.‏ فلا يقال لتلاوة العبد بالقرآن‏:‏ إنها مخلوقة؛ لأن ذلك يدخل فيه القرآن المنزل، ولا يقال‏:‏ غير مخلوقة؛ لأن ذلك يدخل فيه أفعال العباد‏.‏
ولم يقل قط أحد من أئمة السلف‏:‏ إن أصوات العباد بالقرآن قديمة، بل أنكروا على من قال‏:‏ لفظ العبد بالقرآن غير مخلوق‏.‏
وأما من قال ‏:‏ إن المداد قديم؛ فهذا من أجهل الناس وأبعدهم عن السنة، قال الله تعالى ‏:‏ ‏{‏قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا‏**‏ ‏[‏الكهف‏:‏ 109‏]‏ ، فأخبر أن المداد يكتب به كلماته‏.‏
وكذلك من قال‏:‏ ليس القرآن في المصحف، وإنما في المصحف مداد وورق، أو حكاية وعبارة، فهو مبتدع ضال، بل القرآن الذي أنزله الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين‏.‏ والكلام في المصحف ـ على الوجه الذي يعرفه الناس ـ له خاصة يمتاز بها عن سائر الأشياء‏.‏
وكذلك من زاد على السنة فقال‏:‏ إن ألفاظ العباد وأصواتهم قديمة، فهو مبتدع ضال‏.‏ كمن قال‏:‏ إن الله لا يتكلم بحرف ولا بصوت، فإنه أيضًا مبتدع منكر للسنة‏.‏
وكذلك من زاد وقال‏:‏ إن المداد قديم، فهو ضال‏.‏ كمن قال ‏:‏ ليس في المصاحف كلام الله‏.‏
وأما من زاد على ذلك من الجهال الذين يقولون‏:‏ إن الورق، والجلد، والوتد، وقطعة من الحائط كلام الله، فهو بمنزلة من يقول ‏:‏ ما تكلم الله بالقرآن ولا هو كلامه‏.‏ هذا الغلو من جانب الإثبات يقابل التكذيب من جانب النفي، وكلاهما خارج عن السنة والجماعة‏.‏
وكذلك إفراد الكلام في النقطة والشكلة بدعة نفيًا وإثباتًا، وإنما حدثت هذه البدعة من مائة سنة أو أكثر بقليل؛ فإن من قال‏:‏ إن المداد الذي تنقط به الحروف ويشكل به قديم، فهو ضال جاهل، ومن قال‏:‏ إن إعراب حروف القرآن ليس من القرآن، فهو ضال مبتدع‏.‏
بل الواجب أن يقال ‏:‏ هذا القرآن العربي هو كلام الله، وقد دخل في ذلك حروفه بإعرابها كما دخلت معانيه، ويقال‏:‏ ما بين اللوحين جميعه كلام الله‏.‏ فإن كان المصحف منقوطًا مشكولا أطلق على ما بين اللوحين جميعه أنه كلام الله‏.‏ وإن كان غير منقوط ولا مشكول ـ كالمصاحف القديمة التي كتبها الصحابة ـ كان أيضًا ما بين اللوحين هو كلام الله‏.‏ فلا يجوز أن تلقي الفتنة بين المسلمين بأمر محدث ونزاع لفظي لا حقيقة له، ولا يجوز أن يحدث في الدين ما ليس منه‏.‏


*****************************************

أخوكم في الله
بهاء الدين عبدالله
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة