عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم يوم أمس, 04:58 PM   #2
معلومات العضو
عبدالله الأحد

افتراضي

فتوتين لدار الافتاء المصرية والأردنية


ليس هناك تعارض بين هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي تحث على كثرة السجود، فالمقصود من هذا الحديث منع الإفراط في العبادة المؤدي إلَى الملل، أو المبالغة في التطوع الذي يؤدي إلَى ترك الأفضل، كمن بات يُصلي الليل كله ويغالب النوم إلَى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة أو طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة، فيستحب التوسط والاعتدال في العبادة.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ، قَالَ: ((خَرَجْتُ يَوْمًا أَمْشِي، فَإِذَا أَنَا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَوَجِّهًا، فَظَنَنْتُهُ يُرِيدُ حَاجَةً، فَجَعَلْتُ أَخْنَسُ عَنْهُ وَأُعَارِضُهُ، فَرَآنِي فَأَشَارَ إِلَيَّ فَأَتَيْتُهُ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي جَمِيعًا، فَإِذَا نَحْنُ بِرَجُلٍ يُصَلِّي يُكْثِرُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: " أَتُرَاهُ مُرَائِيًا " فَقُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَأَرْسَلَ يَدِي، ثُمَّ طَبَّقَ بَيْنَ كَفَّيْهِ فَجَمَعَهُمَا، ثُمَّ جَعَلَ يَرْفَعُهُمَا بِحِيَالِ مَنْكِبَيْهِ وَيَضَعُهُمَا، وَيَقُولُ: " عَلَيْكُمْ هَدْيًا قَاصِدًا - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - فَإِنَّهُ مَنْ يُشَادَّ الدِّينَ يَغْلِبْهُ))، أخرجه الإمام أحمد في مسنده.
قال الإمام ابن حجر-رحمه الله تعالى-في "النكت على صحيح البخاري"(1/ 332): [حديث بُرَيْدَة قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: "‌عليكم ‌هديًا ‌قاصدًا، فإن من يشادَّ هذا الدين يغلبه" رَوَاهُمَا أحمد وإسناد كل منهما حسن.
قوله: (ولن يُشاد الدين. . . . إلا غلبه) هكذا في روايتنا بإسقاط الفاعل، وثبت في رواية ابن السَّكَن وفي بعض الروايات عن الأصِيلي بلفظ: "ولن يُشاد الدين أحد إلا غلبه"، وكذا هو في طرق هذا الحديث عند الإسماعيلي، وأبي نُعَيْم، وابن حِبَّان وغيرهم
و"الدين" منصوب عَلى المفعولية وكذا في روايتنا أيضًا، وأضمر الفاعل للعلم به، وحكى صاحب "المطالع" أن أكثر الروايات برفع "الدين" عَلى أن "يُشَاد" مبني لما لم يسم فاعله، وعارضه النووي بأن أكثر الروايات بالنصب، ويُجمع بين كلاميهما بأنه بالنسبة إلَى روايات المغاربة والمشارقة.
والمُشَادَّة -بالتشديد-: المغالبة، يقال: شادَّه يُشَاده مُشَادَّة، إذا قاواه، والمعنى: لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلا عَجَز وانقطعَ فيُغلب، قالَ ابن المنير: في هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، فقد رأينا ورأى الناس قبلنا أن كل متنطع في الدين ينقطع. انتهى
وليس المراد: منع طلب الأكمل في العبادة فإنه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدي إلَى الملال، أو المبالغة في التطوع المفضي إلَى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يُصلي الليل كله ويغالب النوم إلَى أن غلبته عيناه في آخر الليل، فنام عن صلاة الصبح في الجماعة، أو إلَى أن خرج الوقت المختار، أو إلَى أن طلعت الشمس فخرج وقت الفريضة].
والله أعلم.

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الحديث المذكور في السؤال رواه الامام أحمد في مسنده والبيهقي في سننه والحاكم في المستدرك على الصحيحين واللفظ له عن عيينة بن عبد الرحمن، عن أبيه، قال: قال بريدة: خرجت ذات يوم أمشي في حاجة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي فظننته يريد حاجة، فجعلت أكف عنه، فلم أزل أفعل ذلك حتى رآني، فأشار إلي فأتيته فأخذ بيدي، فانطلقنا نمشي جميعا، فإذا أنا برجل بين أيدينا يصلي يكثر الركوع والسجود، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ترى هذا يرائي؟)، فقلت: الله ورسوله أعلم، قال: فأرسل يده وطبق بين يديه ثلاث مرار يرفع يديه ويصوبهما ويقول: (عليكم هديا قاصدا، عليكم هديا قاصدا، فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه). قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه.
وفي الحديث توجيه نبوي منه صلى الله عليه وسلم بأن يتكلف العبد ما يستطيعه من العبادات من غير غلوٍ أو تقصيرٍ؛ فلا يهمل العبد ما يستطيعه من العبادة، وفي نفس الوقت لا يكلف نفسه منها مالا يستطيع المداومة عليها، أو يرهق نفسه فيها بحيث يقصر بحق نفسه أو غيره مما له حق عليه، ومن ثم يؤدي ذلك إلى ترك العبادة أو التقصير فيها.
جاء في [فيض القدير (4/ 353)]: " عليكم هديا قاصدا) أي طريقا معتدلا غير شاق (عليكم هديا قاصدا عليكم هديا قاصدا) يعني الزموا القصد في العمل وهو استقامة الطريق أو الأخذ بالأمر الذي لا غلو فيه ولا تقصير (فإنه) أي الشأن (من يشاد هذا الدين يغلبه) أي من يقاومه ويقاويه ويكلف نفسه من العبادات فوق طاقته يؤدي به ذلك إلى التقصير في العمل وترك الواجبات.
ومثله ماروي عن أم المؤمنين عائشة، رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحتجر حصيرا بالليل فيصلي عليه، ويبسطه بالنهار فيجلس عليه، فجعل الناس يثوبون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيصلون بصلاته حتى كثروا، فأقبل فقال: (يا أيها الناس، خذوا من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وإن أحب الأعمال إلى الله ما دام وإن قل) متفق عليه". والله تعالى أعلم.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة