عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 19-03-2025, 01:06 PM   #2
معلومات العضو
عبدالله الأحد

افتراضي

أكل الخنزير
لحم الخنزير قد حُرِّم في الإسلام بنص القرآن الكريم، وهو قول الله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ** [البقرة:173]، ولا يُباح لمسلم تناوله بحال من الأحوال إلا في حالة الضرورة التي تتوقف فيها حياة الشخص على تناوله، كما لو كان في جوع شديد يخشى على نفسه منه الهلاك، ولا يجد طعامًا سواه؛ وفقًا للقاعدة الشرعية: "الضرورات تبيح المحظورات".
ولم يرد في النصوص الشرعية تعليلٌ خاص لتحريم لحم الخنزير سوى قول الله تعالى: {فَإِنَّهُ رِجْس** ، والرجس يطلق على ما يستقبح في الشرع، وفي نظر الفطر السليمة، وهذا التعليل وحده كاف، وورد تعليل عام وهو الذي ورد في تحريم المحرمات من المآكل والمشارب ونحوهما وهو يرشد إلى حكمة التحريم في الخنزير، وذلك التعليل العام هو قول الله تعالى : {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ** [الأعراف:157]، فهذا يشمل بعمومه تعليل تحريم لحم الخنزير، ويفيد أنه معدود في نظر الشريعة الإسلامية من جملة الخبائث.
والخبائث في هذا المقام يراد بها ما فيه ضرر لحياة الإنسان في صحته أو في ماله أو في أخلاقه، فكل ما تكون مغبته وعواقبه وخيمة من أحد النواحي الهامة في حياة الإنسان : دَخَل في عموم الخبائث.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية والطبية أن الخنزير من بين سائر الحيوانات يُعَدّ مستودَعاً للجراثيم الضارة بجسم الإنسان، وتفصيل هذه المضار والأمراض طويل، وهي باختصار:
الأمراض الطفيلية، الأمراض البكتيرية، الأمراض الفيروسية، الأمراض الجرثومية، وغيرها.
وهذه الأضرار وغيرها دليل على أن الشارع الحكيم ما حرَّم تناول لحم الخنزير إلا لحكمة جليلة، هي الحفاظ على النفس، التي يُعَدُّ الحفاظ عليها أحَدَ الضروريات الخمس في الشريعة الغراء.

شرب الخمر
إن شرب الخمر كبيرة من كبائر الذنوب .. وهي أم الخبائث .. ومفتاح كل شر .. تغتال العقل .. وتستنزف المال .. وتصدع الرأس .. وهي كريهة المذاق .. ورجس من عمل الشيطان؛ توقع العداوة والبغضاء بين الناس .. وتصد عن ذكر الله وعن الصلاة .. وتدعو إلى الزنا .. وربما دعت إلى الوقوع على البنت والأخت وذوات المحارم .. وتذهب الغيرة وتورث الخزي والندامة والفضيحة .. وتلحق شاربها بأنقص نوع الإنسان وهم المجانين .. وتهتك الأستار .. وتظهر الأسرار .. وتدل على العورات .. وتهوِّن ارتكاب القبائح والمآثم .. وتخرج من القلب تعظيم المحارم .. ومدمنها كعابد وثن ..
كم أهاجت من حرب؟.. وأفقرت من غني؟.. وذلت من عزيز؟.. ووضعت من شريف؟.. وسلبت من نعمة؟.. وجلبت من نقمة؟..
وكم فرقت بين رجل وزوجته؟.. فذهبت بقلبه وراحت بلبّه.
وكم أورثت من حسرة أو جرّت من عبرة؟..
وكم أغلقت في وجه شاربها باباً من الخير وفتحت له باباً من الشر؟..
وكم أوقعت في بلية وعجّلت من منية؟..
وكم جرّت على شاربها من محنة؟..
فهي جماع الإثم ومفتاح الشر وسلاّبة النعم وجالبة النقم..
ولو لم يكن من رذائلها إلا أنها لا تجتمع هي وخمر الجنة في جوف عبد لكفى بها من مصيبة.
وآفات الخمر أضعاف أضعاف ما ذكرنا " أ.هـ كلام ابن القيم رحمه الله تعالى من حادي الأرواح .
وقد حذرنا الله تعالى منها في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى :
1- قال الله تعالى : ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** [المائدة:90]
2- لعن الله تعالى شارب الخمر ... ففي سنن أبي داود ( 318) عن ابْنَ عُمَرَ رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ» وصححه الألباني كما في (صحيح أبي داود: 2/700).
3- شبه النبي صلى الله عليه وسلم مدمن الخمر بعابد الوثن .. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مُدْمِنُ الْخَمْرِ كَعَابِدِ وَثَنٍ» رواه (ابن ماجه:3375)وحسنه الألباني في صحيح (ابن ماجه:2720)
4- الحرمان من دخول الجنة لمن أدمن على شرب الخمر فعن أبي الدرداء رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لا يدخل الجنة مُدمن خمر» رواه (ابن ماجه:3376) وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه:2721).
5- عن عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تعالى عَنْهُ قال: "اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلَا قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ، فَعَلِقَتْهُ (أَيْ عَشِقْته وَأَحَبَّتْهُ) امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ، فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلَامٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ (أي إناء) فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلَامَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ (أَيْ فَلَمْ يَبْرَح وَلَمْ يَتْرُك ذَلِكَ) حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ.
فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لا يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلا لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ .. "رواه (النسائي:5666) وصححه الألباني في (صحيح النسائي:5236).
6- أنه لا تقبل له صلاة أربعين يوماً فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله تعالى عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا وَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ فَشَرِبَ فَسَكِرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ مَاتَ دَخَلَ النَّارَ فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ عَادَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ رَدَغَةِ الْخَبَالِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا رَدَغَةُ الْخَبَالِ قَالَ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ». رواه (ابن ماجه:3377) وصححه الألباني في (صحيح ابن ماجه:2722).
وليس معنى عدم قبول الصلاة أنها غير صحيحة، أو أنه يترك الصلاة، بل المعنى أنه لا يثاب عليها. فتكون فائدته من الصلاة أنه يبرئ ذمته، ولا يعاقب على تركها.

والواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى وأن يحذر من إغواء الشيطان ونزغاته، وألا يجعل من نفسه أُلعوبة بيد الشيطان ، فإن انتصر عليه شيطانه، وأوقعه في معصية الخالق جلَّ وعلى فليبادر إلى التوبة ، فإن " التائب من الذنب كمن لا ذنب له " رواه (ابن ماجه:2450) وصححه البوصيري كما في " الزوائد / حاشية سنن ابن ماجه
وهذه العقوبة على شارب الخمر إنما هي لمن لم يتب، أما من تاب وأناب إلى الله تعالى فإن الله تعالى يتوب عليه ويتقبل منه أعماله.
نسأل الله تعالى أن يعصمنا من نزغات الشيطان، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.
والحمد لله رب العالمين .


السرقة
السرقة محرّمة بالكتاب والسنة والإجماع، وقد ذم الله تعالى هذا الفعل الشنيع وجعل له عقوبة تناسبه فجعل حد السارق أن تقطع يده ، قال الله تعالى: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله والله عزيز حكيم** [المائدة:38]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً» رواه البخاري (الحدود/6291) ولعن النبي صلى الله عليه وسلم السارق لأنه عنصر فاسد في المجتمع إذا تُرك سرى فساده وتعدّى إلى غيره في جسم الأمة فقال عليه الصلاة والسلام «لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده» البخاري (الحدود/6285) ومما يدل على أن هذا الحكم مؤكّد أن امرأة مخزومية شريفة سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، فأراد أسامة بن زيد أن يشفع فيها فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «أتشفع في حد من حدود الله، إنما أهلك الذين من قبلكم كانوا إذا سرق فيهم الغني تركوه وإذا سرق فيهم الوضيع أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» البخاري (أحاديث الأنبياء:3216)
وهذا هو حكم الله عز وجل في السرقة أن تقطع يد السارق من الرُّسْغِ.
قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: قال الشافِعِيُّ وأبو حنيفة ومالك والجماهير: "تُقْطَعُ اليد من الرسغ، وهو المِفْصَلُ بين الكَفِّ والذِّرَاع، قال القرطبي: قال الكَافَّة: "تقطع اليد من الرُسْغِ، لا كما يفعله بعض المبتدعة من قطع أصابع اليد وترك الإِبْهَام .
ولأن قطع اليد أمر عظيم، فإن قطع يد السارق لا يكون عند أي سرقة بل لا بد من اجتماع شروط حتى تقطع يد السارق , وهذه الشروط هي:
1- أن يكون أخذ الشيء على وجه الخِفْيَةِ، فإن لم يكن على وجه الخفية فلا تُقْطَع، كما لو انْتَهَب المال على وجه الغَلَبَةِ والقَهْرِ على مَرْآى من الناس، أو اغْتَصَبَه، لأن صاحب المال يمكنه النَّجدة والأَخْذ على يده.
2- أن يكون المسروق مالا محترماً لأن ما ليس بمال لا حرمة له، كآلات اللهو والخمر والخنزير.
3- أن يكون المسروق نصاباً، وهو ثلاثة دراهم إسلامية أو ربع دينار إسلامي، أو ما يقابل أحدهما من النقود الأخرى.
4- أن يأخُذَ المسروق من حرزه، وحرز المال: ما تَعَوَّدَ الناس على حفظ أموالهم فيه كالخِزَانَة مثلاً.
5- لا بد من ثُبُوتِ السرقة، وتكون إما بشهادة عَدْلَيْنِ، أو بإقرار السارق على نفسه مرتين.
6- لابد أن يطالب المسروق منه بماله فإذا لم يطالِب لم يجب القطع.
فإذا تحققت هذه الشروط وجب قطع اليد، ولو طبق هذا الحكم في المجتمعات التي ارتضت القوانين الوضعية، التي نَحَّت شريعة الله تعالى واستبدلت بها قوانين البشر لكان أنفع علاج لهذه الظاهرة ولكن الأمر كما قال عز وجل: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون** [المائدة:50].
المراجع: (الجامع لأحكام القرآن:6/159)ِ، (الملخص الفقهي:2/442).


الكبر
التكبر صفة ذميمة يتصف به إبليس وجنوده من أهل الدنيا ممن طمس الله تعالى على قلبه.
وأول من تكبر على الله تعالى وخلقه هو إبليس اللعين لمَّا أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى واستكبر وقال {أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين**.
قال الله تعالى: {ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين . قال ما منعك أن تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين** [الأعراف:11-12].
فالكبر خلُق من أخلاق إبليس، فمن أراد الكِبر فليعلم أنه يتخلق بأخلاق الشياطين، وأنه لم يتخلق بأخلاق الملائكة المكرمين الذين أطاعوا ربهم فوقعوا ساجدين.
ناهيك عن كون الكبر سبباً لحرمان صاحبه من الجنة ويحرم نفسه من أن ينظر رب العزة إليه كما جاء في الحديثين الآتيين :
1. عن عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بَطَر الحق وغَمْط الناس» .
رواه مسلم (91) .
وبطر الحق: رده بعد معرفته.
وغمط الناس: احتقارهم.
2. وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة، فقال أبو بكر: إن أحد شقي ثوبي يسترخي إلا أن أتعاهد ذلك منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لست تصنع ذلك خيلاء» .
رواه البخاري (3465) .
ثانياً:
والكبر صفة من الصفات التي لا تنبغي إلا لله تعالى، فمن نازع الله تعالى فيها أهلكه الله سبحانه وقصمه وضيق عليه.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « قال الله تعالى: العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته» .
رواه مسلم (2620) .
قال النووي:
هكذا هو في جميع النسخ، فالضمير في "ازاره" ، "ورداؤه" : يعود إلى الله تعالى للعلم به، وفيه محذوف تقديره: " قال الله تعالى: ومن ينازعني ذلك أعذبه" .
ومعنى "ينازعني": يتخلق بذلك فيصير في معنى المشارك.
وهذا وعيد شديد في الكبر مصرح بتحريمه.
(شرح مسلم: 16 / 173).
وكل من حاول الكبر والارتفاع خفضه الله تعالى في الأسفلين وجعله في الأذلين لأنه خالف الأصل فجازاه الله تعالى بنقيض قصده، وقد قيل: الجزاء من جنس العمل.
والذي يتكبر على الناس يكون يوم القيامة مداساً تحت أقدام الناس فيذله الله تعالى جزاء ما كان منه من الكبر.
عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذرِّ في صُوَر الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى "بولس" تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال»
رواه الترمذي ( 2492) وحسنه الألباني في (صحيح الترمذي:2025).
ثالثاً :
وللكبر صور عدة منها:
1. ألا يقبل الرجل الحق ويجادل بالباطل، كما ذكرنا في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه " الكبر: بطر الحق وغمط الناس".
2. أن تعجبه نفسه من جمال أو حسن، أو ثراء في الملبس أو المأكل فيتبختر ويتكبر ويفخر على الناس.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: «بينما رجل يمشي في حلة تعجبه نفسه مرجل جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة».
رواه البخاري (3297) ومسلم (2088) .
ومنه ما كان من ذلك الرجل صاحب الذي قال الله تعالى فيه : {وكان له ثمر فقال لصاحبه وهو يحاوره أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً** [الكهف:34].
وقد يكون ذلك بالتفاخر بالعشيرة والنسب.
رابعاً:
ومن طرق علاج الكبر أن ترى نفسك كالناس وأنهم مثلك ولدوا من أم وأب كما ولدت وأن التقوى هي المعيار الحق .
قال الله تعالى : {إن أكرمكم عند الله أتقاكم** [الحجرات:13].
وليعلم المسلم المتكبر أنه مهما بلغ فهو أضعف من أن يبلغ طول الجبال أو أن يخرق الأرض كما قال الله تعالى : {ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور . واقصد في مشيك واغضض من صوتك ، إن أنكر الأصوات لصوت الحمير** [لقمان:17-18].
قال القرطبي:
قول الله تعالى: {ولا تمش في الأرض مرحا** وهذا نهي عن الخيلاء وأمر بالتواضع، والمرح: شدة الفرح، وقيل: التكبر في المشي، وقيل: تجاوز الإنسان قدره .
وقال قتادة: هو الخيلاء في المشي، وقيل: هو البطر والأشر، وقيل: هو النشاط.
وهذه الأقوال متقاربة ولكنها منقسمة قسمين:
أحدهما: مذموم، والآخر: محمود.
فالتكبر والبطر والخيلاء وتجاوز الإنسان قدره: مذموم .
والفرح والنشاط محمود.
(تفسير القرطبي: 10 / 260) .
ومن العلاج أن يعلم الإنسان أن المتكبر يوم القيامة يحشر صغيراً كأمثال الذر تدوسه الأقدام، والمتكبر مبغوض عند الناس كما أنه مبغوض عند الله تعالى، والناس يحبون المتواضع السمح اللين الهين ويبغضون الغليظ والشديد من الرجال.
ومنه أن يتذكر الإنسان أنه خرج هو والبول من مكان واحد، وأن أوله نطفة قذرة وآخره جيفة نتنة وأنه بين ذلك يحمل العذرة ( أي البراز ) فبم يتكبر ؟!!
نسأل الله تعالى أن يعيذنا من الكبر وأن يرزقنا التواضع.
والله تعالى أعلى وأعلم.

الغيبة
يجب على المسلم حفظ لسانه عما نُهيَ عنه، ومن هذه المنهيَّات والتي تساهل الناس في الوقوع فيها كثيراً الغيبة والبهتان والنميمة. والغِيبة: هي ذكر المسلم في غيبته بما فيه مما يكره نشره وذِكره، والبهتان: ذِكر المسلم بما ليس فيه وهو الكذب في القول عليه، والنميمة: هي نقل الكلام من طرف لآخر للإيقاع بينهما.
والأدلة في تحريم هذه الأفعال كثيرة، نكتفي بذكرِ شيءٍ يسير فقط لوضوح تحريمها:
قال الله تعالى: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ** [الحجرات:12]
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذِكرُك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيتَ إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهتَّه» رواه مسلم ( 258) .
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: مرَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم على قبرين فقال: «أما إنَّهما ليُعذَّبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله، قال: فدعا بعسيبٍ رطْبٍ فشقه باثنين ثم غرس على هذا واحداً وعلى هذا واحداً ثم قال لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا»

رواه البخاري (213) ومسلم (292) .

ضابط الغيبة المحرمة وصورها
الغيبة هي كما بينها النبي صلى الله عليه وسلم: أن يذكر المسلم أخاه بما يكره.
وهذا يشمل الصفات الخِلقية والخُلقية، بل وما يتصل به كماله وولده وأهله.
قال النووي رحمه الله تعالى: " فأما الغيبة: فهي ذكرك الإنسان بما فيه مما يكره، سواء كان في بدنه، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو والده، أو زوجه، أو خادمه، أو مملوكه، أو عمامته، أو ثوبه، أو مشيته، وحركته وبشاشته وخلاعته، وعبوسه، وطلاقته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته بلفظك أو كتابك، أو رمزت، أو أشرت إليه بعينك، أو يدك، أو رأسك أو نحو ذلك.
أما البدن، فكقولك: أعمى، أعرج، أعمش، أقرع، قصير، طويل، أسود، أصفر.
وأما الدين، فكقولك: فاسق، سارق، خائن، ظالم، متهاون بالصلاة، متساهل في النجاسات، ليس بارا بوالده، لا يضع الزكاة مواضعها، لا يجتنب الغيبة
وأما الدنيا: فقليل الأدب، يتهاون بالناس، لا يرى لأحد عليه حقا، كثير الكلام، كثير الأكل أو النوم، ينام في غير وقته، يجلس في غير موضعه.
وأما المتعلق بوالده، فكقوله: أبوه فاسق، أو هندي، أو زنجي، نجار، حداد.
وأما الخُلُق ، فكقوله: سيئ الخلق، متكبر، مراء، عجول، جبار، عاجز، ضعيف القلب، متهور، عبوس، خليع، ونحوه.
وأما الثوب: فواسع الكم، طويل الذيل، وسخ الثوب ونحو ذلك، ويقاس الباقي بما ذكرناه.
وضابطه: ذكره بما يكره " انتهى من (الأذكا: ص 336).

كفارة الغيبة
على كل من وقع منه الغيبة أو البهتان أو النميمة أن يتوب ويستغفر فيما بينه وبين الله تعالى، فإن علِم أنه قد بلَغ الكلامُ للمُتكلَّم عليه فليذهب إليه وليتحلل منه، فإن لم يعلم فلا يُبلغه بل يستغفر له ويدعو له ويثني عليه كما تكلم فيه في غيبته. وكذا لو علم أنه لو أخبره ستزيد العداوة، فإنه يكتفي بالدعاء والثناء عليه والاستغفار له.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كانت له مظلمةٌ لأخيه من عرضه أو شيءٍ فليتحلَّلْه منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته، وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه» رواه البخاري (2317) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
ومَن ظلم إنساناً فقذفه أو اغتابه أو شتمه ثم تاب قبِل الله تعالى توبته، لكن إن عرف المظلومُ مكَّنه من أخذ حقه، وإن قذفه أو اغتابه ولم يبلغه ففيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد: أصحهما أنه لا يعلمه أني اغتبتك، وقد قيل: بل يحسن إليه في غيبته كما أساء إليه في غيبته؛ كما قال الحسن البصري: كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته.
(مجموع الفتاوى: 3 / 291).

ومن علم حرمة الغيبة وخطرها وأنها من كبائر الذنوب، أمسك لسانه، وأحصى كلماته، وترك السؤال عما لا يعنيه، فإن الكلام قد يبدأ مباحا، ثم يجر صاحبه إلى الحرام.

الحالات التي تجوز فيها الغيبة
ذكر العلماء أن الغيبة تجوز في حالات :
الأولى: التظلم، فيجوز للمظلوم أن يتظلم إلى السلطان أو القاضي، وغيرهما ممن له ولاية أو قدرة على إنصافه من ظالمه.
الثانية: الاستعانة على تغيير المنكر، ورد العاصي إلى الصواب، فيقول لمن يرجو قدرته، فلان يعمل كذا فازجره عنه.
الثالثة: الاستفتاء، بأن يقول للمفتي ظلمني فلان أو أبي أو أخي بكذا فهل له كذا؟ وما طريقي للخلاص، ودفع ظلمه عني؟
الرابعة: تحذير المسلمين من شره، كجرح المجروحين من الرواة والشهود والمصنفين، ومنها: إذا رأيت من يشتري شيئاً معيباً، أو شخصا يصاحب إنساناً سارقاً أو زانيا أو ينكحه قريبة له، أو نحو ذلك، فإنك تذكر لهم ذلك على وجه النصيحة، لا بقصد الإيذاء والإفساد.
الخامسة: أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته، كشرب الخمر ومصادرة أموال الناس، فيجوز ذكره بما يجاهر به، ولا يجوز بغيره إلا بسبب آخر .
السادسة: التعريف، فإذا كان معروفاً بلقب: كالأعشى أو الأعمى أو الأعور أو الأعرج جاز تعريفه به، ويحرم ذكره به على سبيل التنقيص، ولو أمكن التعريف بغيره كان أولى.
وقد جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء:26/20): "وتجوز الغيبة في مواضع معدودة دلت عليها الأدلة الشرعية إذا دعت الحاجة إلى ذلك، كأن يستشيرك أحد في تزويجه أو مشاركته أو يشتكيه أحد إلى السلطان لكف ظلمه والأخذ على يده - فلا بأس بذكره حينئذ بما يكره ؛ لأجل المصلحة الراجحة في ذلك، وقد جمع بعضهم المواضع التي تجوز فيها الغيبة في بيتين ، فقال:
الذم ليس بغيبة في ستة ... متظلم ومُعرِّف ومحذر
ولمظهر فسقا ومستفت ومَنْ ... طلب الإعانة في إزالة منكر" انتهى بتصرف .


الرشوة
الرشوة من كبائر الذنوب ، لما رواه أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله تعالى عنهما قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي» . صححه الألباني في (إرواء الغليل:2621) .
و"الراشي" هو معطي الرشوة، و"المرتشي" هو آخذها.
الرشوة هي ما يدفعه الإنسان ليأخذ ما ليس من حقه، أو ليتهرب بها من حق عليه.
انظر : (الموسوعة الفقهية:24/256).
وقال ابن عابدين في "حاشيته" (5/362):
"الرِّشْوَةُ مَا يُعْطِيهِ الشَّخْصُ الْحَاكِمَ وَغَيْرَهُ لِيَحْكُمَ لَهُ، أَوْ يَحْمِلَهُ عَلَى مَا يُرِيدُ" انتهى .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى:
"ذكر ابن عابدين رحمه الله تعالى في حاشيته: (أن الرشوة هي: ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد)، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها، أو يقضيها له . والمراد بالحاكم : القاضي وغيره: كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي، سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم، والمراد بالحكم للراشي، وحمل المرتشي على ما يريده الراشي: تحقيق رغبة الراشي ومقصده، سواء كان ذلك حقا أو باطلا" انتهى .
(مجموع فتاوى ابن باز:23/223- 224).

وإذا كان الإنسان لا يستطيع الوصول إلى حقه إلا بدفع الرشوة، جاز له بذلها لمن يوصل إليه حقه، ويكون ذلك حراما على الآخذ فقط، دون المعطي.


الكذب
من المعلوم المقرر عند جميع المسلمين: أن الكذب حرام كله، بل قبح الكذب وتحريمه أمر قد اتفقت عليه الأديان، وتقرر في الفطر السليمة، أيا كانت ملة صاحبه !!
والواجب على المسلم أن يكون صادقا في كلامه في جميع أحواله .
قال الله تعالى : ** يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ** [التوبة :119].
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «‏إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا، وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» رواه البخاري ( 6094 )، ومسلم (2607) .
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله تعالى عنهما، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا؛ إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» رواه البخاري ( 34 )، ومسلم (58) .

ثبت النهي عن الكذب في المزاح في السنة المطهرة:
فعَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلَّذِي يُحَدِّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ ، وَيْلٌ لَهُ ، وَيْلٌ لَهُ» رواه أبو داود (4990)، وحسَّنه الألباني في (صحيح أبي داود:4990) .
كما جاء أيضا الحث على ترك الكذب في المزاح:
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ رضي الله تعالى عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ» رواه أبو داود (4800)، وحسنه الألباني في "(سلسلة الأحاديث الصحيحة :273) .
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله تعالى عنه قَالَ:‏ (لاَ يَصْلُحُ الْكَذِبُ فِي جِدٍّ وَلاَ هَزْلٍ، وَلاَ أَنْ يَعِدَ أَحَدُكُمْ وَلَدَهُ شَيْئًا ثُمَّ لاَ يُنْجِزُ لَهُ‏) رواه البخاري في (الأدب المفرد:387).‏

النميمة
اعلم أن النميمة كبيرة من كبائر الذنوب، وهي نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على وجه الإفساد بينهم. وهذا هو المشهور من تعريف النميمة، وقد نقل ابن حجر الهيتمي هذا التعريف في كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر) ثم قال: ( وقال في الإحياء: ولا يختص بذلك، بل هي كشف ما يكره كشفه، سواء أَكرهه المنقول عنه أو إليه أو ثالث ، وسواء كان كشفه بقول أو كتابة أو رمز أو إيماء، وسواء في المنقول كونه فعلاً أو قولاً أو عيباً أو نقصاً في المقول عنه أو غيره، فحقيقة النميمة إفشاء السر، وهتك الستر عما يكره كشفه، وحينئذ ينبغي السكوت عن حكاية كل شيء شوهد من أحوال الناس إلا ما في حكايته نفع لمسلم أو دفع ضر، كما لو رأى من يتناول مال غيره فعليه أن يشهد به، بخلاف ما لو رأى من يُخفي مال نفسه فذكره فهو نميمة وإفشاء للسر، فإن كان ما ينم به نقصا أو عيبا في المحكي عنه فهو غيبة ونميمة . انتهى) الزواجر، (الكبيرة الثانية والخمسون بعد المائتين: النميمة).
ونقل عن الحافظ المنذري قوله : (أجمعت الأمة على تحريم النميمة وأنها من أعظم الذنوب عند الله عز وجل. انتهى).
ومنه يعلم أن نقلك كلام الزملاء إلى المدير، إفشاء للسر، وسعي في الإفساد، ووقوع في هذه الكبيرة العظيمة من كبائر الذنوب ، إضافة إلى التجسس المحرم.
وقد جاء في ذم النميمة، والتجسس، وتتبع العورات جملة من النصوص الكفيلة بزجر المسلم وردعه عن ارتكاب هذه المحرمات:
1- فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : «لا يدخل الجنة نمام». وفي رواية : «"قتّات» رواه البخاري (6056) ومسلم (105).
والقتات هو النمام. وقيل: النمام الذي يكون مع جمع يتحدثون حديثا فينم عليهم. والقتات: الذي يستمع عليهم وهم لا يعلمون ثم ينم.
2- وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض حيطان المدينة فسمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما فقال: «يعذبان وما يعذبان في كبير، وإنه لكبير، كان أحدهما لا يستتر من البول، وكان الآخر يمشي بالنميمة» (البخاري 216، ومسلم 292)
3- وفي الصحيحين أيضا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانا» (البخاري 5144، ومسلم:2563)
قال النووي رحمه الله تعالى: ( قال بعض العلماء: "التحسس " بالحاء: الاستماع لحديث القوم، وبالجيم: البحث عن العورات . وقيل: بالجيم : التفتيش عن بواطن الأمور، وأكثر ما يقال في الشر، والجاسوس صاحب سر الشر، والناموس صاحب سر الخير . وقيل : بالجيم أن تطلبه لغيرك، وبالحاء: أن تطلبه لنفسك . قاله ثعلب: وقيل: هما بمعنى (واحد). وهو طلب معرفة الأخبار الغائبة والأحوال) انتهى.
4- وروى البخاري (7042) عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من تحلم بحُلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين ولن يفعل، ومن استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنه الآنك يوم القيامة، ومن صور صورة عذب وكلف أن ينفخ فيها وليس بنافخ» . والآنك: هو الرصاص المذاب.

منقول طريق الإسلام

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة