" المقصود من المعجزة ليس هو إعجاز النّاس لذات الإعجاز
– أي : لمجرد إيقاعهم في العجز عن الإتيان بمثل المعجزة –
بل المقصود هو الإذعان والإيمان بصاحبها
أنه رسول من قِبَل خالقِ هذه السنن
وهو الله تعالى .
لذا فإن الله تعالى قد بَعثَ كل رسول
إلى قومه ، وأظهر على يديه المعجزات
التي من شأنها أن تجعل قومه يدركون
إدراكاً يرفع عنهم كل لبس وغموض
أن هذا رسولٌ من عند اللهِ ،
وليس بمُدَّعٍ عليه ؛
لذا كانت معجزات كل نبيّ ورسول
نابعة من بيئتِه ، ملائمة لقومه ؛
فتأتيهم على وَفْقِ ما برعوا فيه حتى يكون
ذلك أدعى لإيمانهم ،
ولإقامة الحجة على صدق رسولهم ،
وإلاّ وُصِفَت بأنها سحر وخيال وضرب من المحال ؛ لأن المعجزة لا تُحقِّق الغاية منها
إلَّا إذا حصل التحدِّي بها ،
ولا يتحقق التحدِّي لأمة من الأمم لا تعرف
شيئا عن الـمُتَحَدَّى عنه .
قال الباقلانيُّ رحمه الله في فصلٍ عَقَده
في كتابه " إعجاز القرآن " قال فيه :
« الفصل الأول : في أنّ نبوة النبي
صلَّى الله عليه وسلَّم معجزتها القرآن .
وَمِمَّا قال تحت هذا الباب : الذي يُوجِب الاهتمام التام بمعرفة إعجاز القرآن
أن نبوة نبينا محمد عليه السلام
بُنِيَتْ على هذه المعجزة ،
وإن كان قد أُيِّد بمعجزات كثيرة إلَّا أنّ
تلك المعجزات قامت في أوقات خاصة ،
وأحوال خاصة ، وعلى أشخاص خاصة .
إلى أن قال رحمه الله : فأمّا دلالة القرآن فهي معجزة عامة عَمَّتْ الثقلين ،
وبقيت بقاء العصرين ،
ولزوم الحجة بها في أول وقت ورودها
إلى يوم القِيامَةِ على حدٍّ واحد » . اهـ
القرآن الكريم مُعْجزٌ بلا ريب ، وبعض الباحثين يَرى أن إعجاز القرآن عام ،
فيَرى مِن وُجوه الإعجاز :
الإعجازُ البياني ، والإعجاز العلمي التجريبي ، والإعجاز التشريعي ،
والإعجاز الغيبي ؛
فهذه هي أشهر وجوه الإعجاز التي يذكرها
الباحثون في شأن الإعجاز القرآني .
غير أن أعظم وجوه الإعجاز القرآني وأجلَّها هو الوجه الذي تحدى به القرآن سائر العرب ، ألَا وهو بلاغة القرآن ،
وحسن بيانه ؛ فالتحدى الأكبر إنَّما هو بلفظ
القرآن ، ونظمه .
قال الله تعالى في شأن القرآن الكريم وإعجازه : ** قل لّئنِ اجتمعت الإنسُ والجنُّ
على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثلِه ولَوْ كان بعضهم لبعض ظهيرا **
[ سورة الإسراء : 88 ] " .
_ الإسلام حقيقته ، شرائعه ، عقائده ،
نظمه ، لـ د. محمد إبراهيم
( 2 / 617 - 620 )
مع اختصار شديد .