" ونحن نعتقد أن القرآن معجز
لا ريب في ذلك ،
وأن إعجازه قد ثَبت لدينا بطريقين :
طريق تاريخي ، وطريق علمي .
أما الطريق التاريخي : ... إن العرب كانُوا
أفصح النّاس ألسنة ، وأقواهم بيانا عند نزول القرآن ،
وقد تحداهم الله أن يأتوا بمثلِه ،
أو بعشر سور من مثله ،
أو بسورة واحدة فقط ، فعجزوا ،
وما زال التحدي قائما إلى أن يرث الله
الأرضَ ومَن عليها ،
وما زال العجز مستمرا كذلك إلى الأبد ،
وصدق الله إذ يقول : ** فإن لّم تفعلوا
ولن تفعلوا فاتَّقُوا النّار الّتي وقودها النّاس
والحجارة أُعدَّت للكافرين **
سورة البقرة 24
فإذا عرفنا أن أئمّة البلاغة
وأساطين البيان ،
قد عجزوا إبّان نزول القرآن عن معارضته ،
فغيرهم عن ذلك أعجز ،
هذا حكم التاريخ .
أما الطريق الثاني : فهو الطريق العلمي ،
ولنا فيه نظرتان ، نظرة إلى الألفاظ ،
ونظرة إلى المعاني ،
فأمّا النظرة إلى الألفاظ :
فإن اللغوي يضع الآية أمامَه كما يضع صانع الجواهر إحدى الدرر الفريدة تحت المجهر ليرى آيات الإبداع ،
كذلك اللغوي ، يجد في كل آية بل في كل كلمة ، بل في كل حرف من حروف القرآن ،
معنىً فريداً ،
ووضعاً لا يَتَأتى لبشر أن يدانيه ،
وأبرز نواحي الإعجاز ، أن تُصاغ هذه
المعاني الغالية ، ذات المرامي البعيدة ،
في مثل هذه الألفاظ التي بلغت الغاية
في اليُسر والسهولة .
لقد دخل رجلٌ على عالم جليل فوجده مأخوذا بنشوة الفرح والسرور ،
فسأله عن سر فرحه وسروره ؟
فَقالَ العالم : قرأتُ آية من كتاب الله عزّوجلّ
فوجدتُ فيها خبرين ، ونهيين ، وبشارتين ،
فَقالَ الرّجلُ : وماهي هذه الآية ؟
قال : قوله : ** وأوحينا إلى أُمّ موسى أن أرضعيه فإذا خِفتِ عليه فألقيه في اليمّ
ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين **
سورة القصص 7
فالخبران هما : ( أوحينا ، وخفت ) ،
والأمران هما : ( أرضعيه ، وألقيه ) .
والنهيان هما : ( لا تخافي ،ولا تحزني ) ،
والبشارتان هما :
( إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين ) ،
فعرف السائل سر انباهره وإعجابه ،
وشاركهم فيما أخذ بلبه وسيطر على فؤاده .
هذا عن ألفاظ القرآن " .
_ الدِّينُ الحَقُّ وقواعده الرّاسخة
( 1 / 31 - 32 )
تأليف : فوزي عبد المنصف .