قال تعالى : ** أفَلَمْ يَسيرُوا في الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كيف كان عاقِبَةُ الّذينَ مِنْ قبلهم كانوا أكْثَرَ منهم وأشَدّ قُوَّةً وآثارًا في الأرْضِ فما أغنى عنهم ما كانوا يَكْسِبُونَ * فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عندهم مِنَ العلْم وحاقَ بِهِمْ
ما كانوا به يَسْتَهْزِئُونَ **
سورة غافر 82 - 83
قال العلّامة السّعدي رحمه الله في تفسيره :
" يحثُّ تعالى المكذِّبين لرسولهم على
السَّير في الأرض بأبدانهم وقلوبهم
وسؤال العالمين ،
** فَيَنْظُرُوا ** نظر فكر واستدلال
لا نظر غفلة وإهمال
** كَيْفَ كان عاقِبَةُ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ **
من الأمم السالفة ؛
كعاد وثمود وغيرهم ممن كانوا أعظم منهم قوّة وأكثر أموالاً وأشدَّ آثارًا في الأرض
من الأبنية الحصينة والغراس الأنيقة والزروع الكثيرة .
** فَما أغْنَى عَنْهُمْ ما كانوا يَكْسِبُونَ ** :
حين جاءهم أمرُ الله ،
فلم تغن عنهم قوّتُهم ،
ولا افْتَدَوا بأموالهم،
ولا تحصَّنوا بحصونهم .
ثم ذَكَرَ جرمَهم الكبير فقال :
** فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبَيِّنَاتِ ** :
من الكتب الإلهيّة والخوارق العظيمة،
والعلم النافع المبيِّن للهدي من الضلال والحق من الباطل ،
** فَرِحُوا بما عِنْدَهُمْ مِنَ العِلْمِ **
المناقض لدين الرسل ،
ومن المعلوم أنّ فرحهم به يدُلُّ على شدّة رضاهم به وتمسُّكهم ومعاداة الحَقِّ
الذي جاءت به الرسل وجعل باطلهم حقًّا، وهذا عامٌّ لجميع العلوم التي نُوقِضَ بها
ما جاءت به الرسل،
ومن أحقِّها بالدُّخول في هذا،
علوم الفلسفة والمنطق اليوناني
الذي رُدَّت به كثيرٌ من آيات القرآن،
ونَقَّصَتْ قدرَه في القلوب ،
وجَعَلَتْ أدلَّته اليقينيَّة القاطعة
أدلّة لفظيَّةً
لا تفيد شيئًا من اليقين ،
ويقدّم عليها عقولُ أهل السَّفه والباطل، وهذا من أعظم الإلحاد في آيات الله والمعارضة لها والمناقضة ،
فالله المستعان ،
** وحاقَ بِهِمْ **
أي : نَزَلَ ما كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ من العذاب " . اهـ