قصة إسلام الطُّفَيْل بن عمرو
الدَّوسي رضي الله عنه
[ تحذير قريش له من الاستماع
للنّبيِّ صلّى الله عليه وسلم ]
قال ابن إسحاق :
وكان رسول الله صلى الله عليه
وسلم ،
على ما يرى مِن قومه ،
يبذل لهم النصيحة ،
ويدعوهم إلى النجاة مما هم فيه . وجعلت قريش ،
حين منعه الله منهم ،
يحذرونه النّاس ومَن قَدِم عليهم
مِن العرب .
وكان الطُّفَيل بن عمرو الدوسي يحدث : أنه قَدِم مكة ورسول الله
صلى الله عليه وسلم بها ،
" فمشى إليه رجال من قريش ،
وكان الطفيل رجلا شريفا
شاعرا لبيبا ،
فقالوا له : يا طفيل ،
إنك قدمت بلادنا ،
وهذا الرجل الذي بين أظهرنا
قد أعضل بنا ،
وقد فرَّقَ جماعَتَنا ، وشتت أمرنا ،
وإنما قوله كالسحر
يفرق بين الرجل وبين أبيه ،
وبين الرجل وبين أخيه ،
وبين الرجل وبين زوجته ،
وإنّا نخشى عليك وعلى قومك
ما قد دخل علينا ،
فلا تكلمنه ولا تسمعن منه شيئا .
[ استماعه لقول قريش ثم عدوله وسماعه من الرسول ]
قال : فوالله ما زالوا بي حتى أجْمَعْتُ أن لا أسمع منه شيئا ولا أكلمه ،
حتى حشوت في أذني حين غدوت إلى المسجد كُرْسُفاً [ القطن ]
فَرَقاً مِن أن يَبلغني شيءٌ من قولِه ،
وأنا لا أريد أن أسمعه .
قال : فغدوتُ إلى المسجد ،
فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يصلي عند الكعبة .
قال : فقمت منه قريبا فأبى الله
إلاّ أن يسمعني بعض قوله .
قال : فسمعت كلاما حسنا
قال : فقلت في نفسي :
واثُكْلَ أُمي ،
والله إني لرجل لبيبٌ شاعر
ما يخفى عليَّ الحسن من القبيح ،
فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول فإن كان الذي يأتي به حسنا قبلته ،
وإن كان قبيحا تركته .
[ التقاؤه بالرسول وقبوله الدعوة ]
قال : فمكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته فاتبعته ،
حتى إذا دخل بيتَه دخلتُ عليه ، فقلت : يا محمد ،
إن قومك قد قالوا لي كذا وكذا ،
للذي قالوا ،
فوالله ما برحوا يخوفونني أمرك حتى سددت أذني بكرسف
لئلا أسمع قولك ،
ثم أبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولا حسنا ،
فاعرض علي أمرك .
قال : فعَرَض علي رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام ،
وتلا علي القرآن ،
فلا والله ما سمعت قولا قط
أحسن منه ،
ولا أمرا أعدل منه .
قال :
فأسلمت وشهدت شهادة الحق ، وقلت :
يا نبيَّ اللهِ ،
إني امرؤ مُطاعٌ في قومي ،
وأنا راجع إليهم ،
وداعيهم إلى الإسلام ،
فادع الله أن يجعل لي آية تكون لي عونا عليهم فيما أدعوهم إليه
فقال :
اللهم اجعل له آية ... " .
_ السيرة النبوية لابن هشام
" قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي
رضي الله عنه "
وانظر سير أعلام النّبلاء للإمام الذّهبي
( 1 / 344 - 347 )
ط : مؤسسة الرسالة .