قال الإمام أبو عبد الله محمّد بن أحمد الأنصاري القرطبي في تفسيره :
– توفي سنة 671 هـ رحمه الله –
الجامع لأحكام القرآن ( 11 / 39 - 40 ) :
« قال شيخنا الإمام أبو العباس :
ذهب قومٌ من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هدم الأحكام الشرعية ،
فقالوا : هذه الأحكام الشرعية العامة
إنما يُحْكَمُ بها على الأغبياء والعامة ،
وأما الأولياء وأهل الخصوص ،
فلا يحتاجون إلى تلك النصوص ،
بل إنما يُراد منهم ما يقع في قلوبهم ،
ويحكم عليهم بما يغلب على خواطرهم .
وقالوا : وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار ،
وخُلُوِها عن الأغْيَار ،
فتتجلى لهم العلوم الإلهية ،
والحقائق الربانية ،
فيقفون على أسرار الكائنات ،
ويعلمون أحكام الجزئيات ،
فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات ،
كما اتفق للخضر ،
فإنّه استغنى بما تجلى له من العلوم كما كان
عند موسى من تلك الفهوم .
وقد جاء فيما ينقلون :
( استفت قلبك وإن أفتاك المفتون ) .
[ بعض حديث أخرجه أحمد والطبراني
وقال النووي في الأربعين النووية حديث حسن
وله شواهد .. ]
قال شيخنا رضي الله عنه : وهذا القول زندقة
وكفر ، يقتل قائله ولا يستتاب ؛
لأنه إنكار ما عُلِمَ من الشرائع ،
فإن الله تعالى قد أجرى سنته وأنفذ حكمته ،
بأن أحكامه لا تُعلم إلا بواسطة رسله السفراء
بينه وبين خلقه ،
وهم المبلغون عن رسالته وكلامه ،
المبيِّنون شرائعه وأحكامه ،
اختارهم لذلك ،
وخصهم بما هنالك ،
كما قال تعالى :
** الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن النّاس
إنّ الله سميع بصير ** [ الحج : 75 ] .
وقال تعالى :
** الله أعلم حيث يجعل رسالته **
[ الأنعام : 124 ] .
وقال تعالى : ** كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين **
[ البقرة : 213 ]
وقال تعالى : ** كان النّاس أُمَّةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين **
[ البقرة : 213 ]
إلى غير ذلك من الآيات .
وعلى الجملة ، فقد حصل العلم القطعي ،
واليقين الضروري ،
وإجماع السلف والخلف على أن لا طريقة لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة
إلى أمره ونهيه ، ولا يعرف شيء منها ،
إلا من جهة الرسل .
فمن قال : إن هناك طريقا آخر يُعرفُ بها أمرُه ونهيُه غير الرسل ،
بحيث يستغني عن الرسل فهو كافر ،
يُقتَل ولا يُستتاب ،
ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب .
ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله ،
فلا نبيّ بعده ولا رسول .
وبيان ذلك أن من قال : يأخذ عن قلبه
وأن ما يقع فيه هو حكم الله تعالى ،
وأنه يعمل بمقتضاه ،
وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة ،
فقد أثبت لنفسه خاصة النبوّة ،
فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام :
( إن روح القدس نَفثَ في روعي ) » . اهـ
[ أخرجه أبو نعيم وغيره وهو صحيح بشواهده ]
يتبع ____________