قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الاستغفار يخرج العبد من الفعل المكروه .
إلى الفعل المحبوب ،
من العمل الناقص إلى العمل التام ،
ويرفع العبد من المقام الأدنى إلى الأعلى منه ،
والأكمل ؛ فإنّ العابد لله ، والعارف بالله ،
في كل يوم ، بل في كل ساعة ، بل في كل لحظة ،
يزداد علما بالله .
وبصيرة في دينه وعبوديته بحيث يجد ذلك في طعامه ، وشرابه ، ونومه ، ويقظته ، وقوله ،
وفعله ، ويرى تقصيره في حضور قلبه في المقامات العالية ، وإعطائها حقها ،
فهو يحتاج إلى الاستغفار آناء الليل وأطراف النهار ؛ بل هو مضطر إليه دائما في الأقوال والأحوال ، في الغوائب والمشاهد ،
لما فيه من المصالح ، وجلب الخيرات ،
ودفع المضرات ،
وطلب الزيادة في القوة في الأعمال القلبية والبدنية اليقينية الإيمانية .
وقد ثبتت : دائرة الاستغفار بين أهل التوحيد ،
واقترانها بشهادة أن لا إله إلا الله ،
من أولهم إلى آخرهم ،ومن آخرهم إلى أولهم ،
ومن الأعلى إلى الأدنى .
وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم ،
وهم فيها درجات عند الله ،
ولكل عامل مقام معلوم .
فشهادة أن لا إله إلا الله بصدق ويقين تذهب الشرك كله ،
دقه وجله خطأه وعمده ، أوله وآخره ؛
سره وعلانيته ،
وتأتي على جميع صفاته وخفاياه ودقائقه .
والاستغفار يمحو ما بقي من عثراته ،
ويمحو الذنب الذي هو من شعب الشرك ،
فإن الذنوب كلها من شعب الشرك .
فالتوحيد يذهب أصل الشرك ،
والاستغفار يمحو فروعه ،
فأبلغ الثناء قول :
لا إله إلا الله ،
وأبلغ الدعاء قول : أستغفر الله .
فأمره بالتوحيد والاستغفار لنفسه ،
ولإخوانه من المؤمنين ...
وقال : التوبة من أعظم الحسنات ،
والحسنات كلها مشروط فيها الإخلاص لله ،
وموافقة أمره باتباع رسوله ،
والاستغفار من أكبر الحسنات ،
وبابه واسع .
فمن أحس بتقصير في قوله ، أو عمله ، أو حاله ،
أو رزقه ، أو تقلب قلب : فعليه بالتوحيد ،
والاستغفار ،
ففيهما الشفاء إذا كانا بصدق وإخلاص " .
مجموع الفتاوى ( 11 / 696 - 698 ) .