باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله
[ الدعوة إلى التوحيد لها حالان :
الحال الأولى : تكون فيها فرض كفاية
كما إذا كان أشخاص متعددون يعلمون بذلك ويستطيعون القيام بالدعوة ،
والحال الثانية : أن تكون فرض عين ،
كما إذا كان في مكان لا يعلم بهم غيره
أو لا يقدر على الدعوة غيره ]
وقوله تعالى : ** قُلْ هذه سَبِيلي أَدْعُو إلى اللّهِ على بَصِيرَةٍ أنا ومَن اتَّبَعَني وسبحان الله
وما أنا مِن المشركين **
سورة يوسف 108
لما بيّن المصنف رحمه الله الأمر الذي خُلقت له الخليقة وفضله وهو التوحيد ،
وذكر الخوف من ضده الذي هو الشرك ،
وأنّه يوجب لصاحبه الخلود في النار ،
نبّه بهذه الترجمة على أنه لا ينبغي لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه كما يظن الجهال ؛
ويقولون : اعمل بالحق واترك النّاس
وما يعنيك من الناس ،
بل يدعو إلى الله بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ والمجادلة بِالَّتِي هِيَ أَحْسَن ،
كما كان ذلك شأن المرسلين وأتباعهم إلى يوم الدين ، وكما جرى للمصنف وأشباهه من أهل العلم والدين والصبر واليقين .
وإذا أراد الدعوة إلى ذلك ،
فليبدأ بالدعوة إلى التوحيد الذي هو معنى شهادة أن : لا إله إلا الله ،
إذ لا تصح الأعمال إلاّ به ،
فهو أصلها الذي تُبنى عليه ،
ومتى لم يوجد ، لم ينفع العمل ،
بل هو حابط ،
إذ لا تصح العبادة مع الشرك ،
كما قال تعالى :
** ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بالكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ **
سورة التوبة 17
ولأن معرفة معنى هذه الشهادة
هو أول واجب على العباد ،
فكان أول ما يبدأ به في الدعوة .
قال : وقوله تعالى : ** قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو
إلى اللّهِ على بَصِيرَةٍ أنا ومَن اتَّبَعَني وسبحان الله وما أنا مِن المشركين ** .
قال ابن كثير : يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم آمرًا له أن يخبر النّاس أن هذه سبيله ،
أي : طريقته وسنته ،
وهي الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله ،
يدعو إلى الله بها على بصيرة من ذلك ،
ويقين وبرهان ـ هو وكل من اتّبعه ـ
يدعو إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على بصيرة وبرهان عقلي شرعي .
وقوله : ** سُبْحَانَ اللّهِ **
أي : وأنزه الله وأجل وأعظم عن أن يكون له شريك ونديد ،
تبارك وتعالى عن ذلك علوًا كبيرًا .
قلت :
فتبين وجه المطابقة بين الآية والترجمة .
قيل : ويظهر ذلك إذا كان قوله :
** ومَنِ اتَّبَعَنِي ** عطفًا على الضمير في
** أَدْعُو إِلَى اللّهِ ** ، فهو دليل على أن أتباعه
هم الدعاة إلى الله تعالى ،
وإن كان عطفًا على الضمير المنفصل ،
فهو صريح في أن أتباعه هم أهل البصيرة
فيما جاء به دون من عداهم ،
والتحقيق أن العطف يتضمن المعنيين، فأتباعه هم أهل البصيرة الذين يدعون
إلى الله .
وفي الآية مسائل نبّه عليها المصنف منها : التنبيه على الإخلاص ،
لأن كثيرًا ولو دعا إلى الحق ،
فهو يدعو إلى نفسه .
ومنها : أن البصيرة من الفرائض ،
ووجه ذلك أن اتباعه صلى الله عليه وسلم واجب ،
وليس أتباعه حقًا إلاّ أهل البصيرة ، فمن لم يكن منهم فليس من أتباعه ،
فتعيّن أن البصيرة من الفرائض .
ومنها : أن من دلائل حسن التوحيد
أنه تنْزيه لله عز وجل عن المسبة .
ومنها : أن من قُبحِ الشركِ كونه مسبةً لله .
ومنها : إبعاد المسلم عن المشركين
لا يصير معهم ولو لم يشرك ،
وكل هذه الثلاث في قوله :
** وسُبْحَانَ اللَّهِ ... ** الآية .
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 108 - 109 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .