وعُبّاد القبور نطقوا بها وجهلوا معناها ،
وأبوا عن الإتيان به ،
فصاروا كاليهود الذين يقولونها ولا يعرفون معناها ، ولا يعملون به ،
فتجد أحدهم يقولها وهو يأله غير الله بالحب والإجلال والتعظيم والخوف والرجاء والتوكل والدعاء عند الكرب ،
ويقصده بأنواع العبادة الصادرة عن تأله قلبه لغير الله مما هو أعظم مما يفعله المشركون الأولون ،
ولهذا إذا توجهت على أحدهم اليمين بالله تعالى أعطاك ما شئت من الإيمان صادقًا أو كاذبًا ، ولو قيل له :
احلف بحياة الشيخ فلان ،
أو بتربته ونحو ذلك ،
لم يحلف إن كان كاذبًا ،
وما ذاك إلاّ لأنّ المدفون في التراب أعظم في قلبه من رب الأرباب ،
وما كان الأولون هكذا ، بل كانوا إذا أرادوا التشديد في اليمين حلفوا بالله تعالى ،
كما في قصة القسامة التي وقعت في الجاهلية ،
وهي في " صحيح البخاري " .
وكثير منهم وأكثرهم يرى أن الاستغاثة بإلهه الذي يعبده عند قبره أو غيره أنفع وأنجح من الاستغاثة بالله في المسجد ،
ويصرحون بذلك ،
والحكايات عنهم بذلك فيها طول ،
وهذا أمرٌ ما بلغ إليه شرك الأولين ،
وكلهم إذا أصابتهم الشدائد أخلصوا للمدفونين في التراب ،
وهتفوا بأسمائهم ، ودعوهم ليكشفوا ضر المصاب في البر والبحر والسفر والإياب ،
وهذا أمرٌ ما فعله الأولون ، بل هم في هذه الحال يخلصون للكبير المتعال ،
فاقرأ قوله تعالى : {فإذا رَكِبُوا في الفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ** الآية ،
سورة العنكبوت 65
وقوله : ** ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ *
ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ **
سورة النحل 53 - 54
وكثير منهم قد عطلوا المساجد وعمروا القبور والمشاهد ،
فإذا قصد أحدهم القبر الذي يعظمه ،
أخذ في دعاء صاحبه باكيًا خاشعًا ذليلاً
خاضعًا ،
بحيث لا يحصل له ذلك في الجمعة والجماعات وقيام الليل وإدبار الصلوات ،
فيسألونهم مغفرة الذنوب ، وتفريج الكروب والنجاة من النار ،
وأن يحطوا عنهم الأوزار ،
فكيف يظن عاقل فضلاً عن عالم أنّ التلفظ
بـ : ( لا إله إلا الله )
مع هذه الأمور تنفعهم ؟!
وهم إنما قالوها بألسنتهم وخالفوها باعتقادهم وأعمالهم ؟!
ولا ريب أنه لو قالها أحد من المشركين
ونطق أيضًا بشهادة أن محمدا رسول الله
ولم يعرف معنى الإله ولا معنى الرسول ، وصلى وصام وحج ،
ولا يدري ما ذلك إلاّ أنه رأى النّاس يفعلونه فتابعهم ولم يفعل شيئًا من الشرك ،
فإنه لا يشك أحد في عدم إسلامه .
وقد أفتى بذلك فقهاء المغرب كلهم في أول القرن الحادي عشر أو قبله في شخص كان كذلك كما ذكره صاحب
" الدر الثمين في شرح المرشد المعين "
من المالكية ،
ثم قال شارحه : وهذا الذي أفتوا به جليٌّ
في غاية الجلاء ،
لا يمكن أن يختلف فيه اثنان انتهى .
ولا ريب أنّ عُبّاد القبور أشد من هذا ؟
لأنهم اعتقدوا الإلهية في أرباب متفرقين .
فإن قيل : قد تبين معنى الإله والإلهية ،
فما الجواب عن قول من قال :
بأن معنى الإله القادر على الاختراع
ونحو هذه العبارة ؟
قيل : الجواب من وجهين :
أحدهما : أن هذا قولٌ مبتدعٌ لا يُعرف أحدٌ
قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة ،
وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم فيكون هذا القول باطلاً .
الثاني : على تقدير تسليمه ،
فهو تفسير باللازم للإله الحق ،
فإنّ اللازم له أن يكون خالقًا قادرًا على الاختراع ،
ومتى لم يكن كذلك ،
فليس بإله حق وإِنْ سُمي إلهًا ،
وليس مراده أن مَن عرف أن الإله هو القادر على الاختراع ، فقد دخل في الإسلام وأتى بتحقيق المرام من مفتاح دار السلام ،
فإنّ هذا لا يقوله أحدٌ ،
لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين ، ولو قُدِّر أن بعض المتأخرين أرادوا ذلك
فهو مخطئ يُرد عليه
بالدلائل السمعية والعقلية .
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 61 - 63 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .
الرد على مَن قال أن دعاء أصحاب القبور من التوسل الجائز !!!
للشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله
https://youtu.be/UGCMd8SZt0s