وبالجملة : فلا يُأْلَه إلا الله ،
أي : لا يُعْبد إلاّ هو ،
فمن قال هذه الكلمة عارفًا لمعناها ،
عاملاً بمقتضاها ،
مِن نفي الشرك وإثبات الوحدانية لله مع الاعتقاد الجازم لما تضمنته من ذلك
والعمل به ، فهذا هو المسلم حقًا ،
فإن عمل به ظاهرًا من غير اعتقاد ،
فهو المنافق ،
وإن عمل بخلافها من الشرك ،
فهو الكافر ولو قالها ،
ألا ترى أن المنافقين يعملون بها ظاهرًا وهم فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّار ،
واليهود يقولونها وهم على ما هم عليه من الشرك والكفر ، فلم تنفعهم ،
وكذلك من ارتدَّ عن الإسلام بإنكار شيء من لوازمها وحقوقها ،
فإنها لا تنفعه ، ولو قالها مائة ألف ،
فكذلك مَن يقولها ممن يصرف أنواع العبادة لغير الله ، كعباد القبور والأصنام ،
فلا تنفعهم ولا يدخلون في الحديث الذي جاء في فضلها ، وما أشبهه من الأحاديث .
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك
بقوله : ( وحده لا شريك له ) ،
تنبيهًا على أن الإنسان قد يقولها
وهو مشرك ،
كاليهود والمنافقين وعباد القبور ،
لما رأوا أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا قومه إلى قول : ( لا إله إلا الله ) ،
ظنوا أنّه إنّما دعاهم إلى النطق بها فقط ، وهذا جهل عظيم ،
وهو عليه السلام إنّما دعاهم إليها ليقولوها ويعملوا بمعناها ،
ويتركوا عبادة غير الله ، ولهذا قالوا :
** ويقولون أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ **
سورة الصّافات 36
وقالوا : ** أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً **
سورة ص 5
فلهذا أبوا عن النطق بها ،
وإلاّ فلو قالوها وبقوا على عبادة اللات والعزى ومناة لم يكونوا مسلمين ، ولَقَاتَلَهُم عليه الصلاة السلام حتى يخلعوا الأنداد ،
ويتركوا عبادتها ،
ويعبدوا الله وحده لا شريك له ،
وهذا أمر معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة والإجماع .
وأما عُبّادة القبور فلم يعرفوا معنى هذه الكلمة ،
ولا عرفوا الإلهية المنفية عن غير الله
الثابتة له وحده لا شريك له ،
بل لم يعرفوا من معناها إلاّ ما أقرّ به المؤمن والكافر ،
اجتمع عليه الخلق كلهم من أن معناها :
لا قادر على الاختراع ،
أو أن معناها : الإله ، هو الغني عما سواه ، الفقير إليه كل ما عداه ، ونحو ذلك ،
فهذا حق ،
وهو من لوازم الإلهية ،
ولكن ليس هو المراد بمعنى :
( لا إله إلا الله ) ،
فإنّ هذا القدر قد عرفه الكفار ، وأقروا به ،
ولم يدَّعوا في آلهتهم شيئًا من ذلك ،
بل يقرون بفقرهم ، وحاجتهم إلى الله ،
وإنّما كانوا يعبدونهم على معنى أنّهم وسائط وشفعاء عند الله في تحصيل المطالب
ونجاح المآرب ،
وإلا فقد سلموا الخلق والملك والرزق والإحياء والإماتة ، والأمر كله لله وحده لا شريك له ،
وقد عرفوا معنى : ( لا إله إلا الله ) ،
وأَبَوْا على النطق والعمل بها ،
فلم ينفعهم توحيد الربوبية مع الشرك في الإلهية ، كما قال تعالى : {وما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ باللّهِ إِلاَّ وهُمْ مُشْرِكُونَ ** .
سورة يوسف 106
تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد
تأليف العلاّمة سليمان بن عبد الله بن محمد
بن عبد الوهاب رحمهم الله
تعليق العلاّمة عبد العزيز بن عبد الله الرّاجحي
حفظه الله ( ص 60 - 61 )
ط / الدار الأثرية للنشر والتوزيع .
الرد على مَن قال أن دعاء أصحاب القبور من التوسل الجائز !!!
للشيخ سليمان الرحيلي حفظه الله
https://youtu.be/UGCMd8SZt0s