عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-07-2023, 07:37 AM   #7
معلومات العضو
أحمد بن علي صالح

إحصائية العضو






أحمد بن علي صالح غير متواجد حالياً

الجنس: male

اسم الدولة algeria

 

 
آخـر مواضيعي

 

افتراضي

فثبت مما تقدم أنه لا دليل يخصص الحديث بالمساجد، فالواجب البقاء على عمومه الذي ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن ذكر معه.
وهو الحق.
بقي علينا الجواب على جوابهم الاول والثاني، فأقول: 1 - إن هذا الجواب ساقط من وجهين: الاول: أن اللفظ الذي احتجوا به (لا ينبغي..) غير ثابث في الحديث لانه تفرد به شهر وهو ضعيف كما سبق بيانه.
الثاني: هب أنه لفظ ثابت، فلا نسلم أنه ظاهر في غير التحريم، بل العكس هو الصواب، والادلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة، أجتزئ ببعضها: أ - قوله تعالى: (قالوا: سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء) [ الفرقان: 18 ] ب - قوله (ص): (لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار).
رواه أبو داود (2675) من حديث ابن مسعود، والدارمي (2 / 222) من حديث أبي هريرة.
ج - (لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا).
رواه مسلم.
د - (إن الصدقة لا تنبغي لال محمد..).
رواه مسلم.
ه - (لا ينبغي لعبد أن يقول: إنه خير من يونس بن متى).
رواه البخاري.
الثالث: هب أنه ظاهر في غير التحريم، فهو يدل على الكراهة، وهم لا يقولون بها، ففي (شرح مسلم) للنووي: (الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره).
!فالحديث حجة عليهم على كل حال.
2 - إن هذا الجواب كالذي قبله ساقط الاعتبار، لانه لا دليل على التخصيص، فالواجب البقاء على العموم لا سيما وقد تأيد بفهم الصحابة إلذين روا الحديث أبي بصرة، وأبي هريرة، وابي عمر، وأبي سعيد إن صح عنه - فقد استدلوا جميعا به على المنع من السفر إلى الطور، وهم أدرى بالمراد منه من غيرهم، ولذلك قال الصنعاني في (سبل السلام) (2 / 251): (وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم، واستدلوا بما لا ينهض، وتأولوا أحاديث الباب بتأويل بعيدة، ولا ينبغي التأويل إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل) زاد عقبه (فتح العلام) (1 / 310): (ولا دليل، والاحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الامر بشد الرحل إليها، مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات، لا يصلح شئ منها للاستدلال، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر إليها، فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه).
قلت: وللغفة المشار إليها اتهم الشيخ السبكي عفا الله عنا وعنه شيخ الاسلام ابن تيمية بأنه ينكر زيارة القبر النبوي ولو بدون شد رحل، مع أنه كان من القائلين بها، والذاكرين لفضلها وآدابها، وقد أورد ذلك في غير ما كتاب من كتبه الطيبة (1) وقد تولى بيان هذه الحقيقة، ورد تهمة السبكي العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في مؤلف كبير أسماه (الصارم المنكى في الرد على السبكي): نقل فيه عن ابن تيمية النصوص الكثيرة في جواز الزيارة بدون السفر إليها.
وأورد فيه الاحاديث الواردة في فضلها، وتكلم عليها مفصلا، وبين ما فيها من ضعف ووضع، وفيه فوائد أخرى كثيرة، فقهية وحديثية وتاريخية، حري بكل طالب علم أن يسعى إلى الاطلاع عليها.ثم إني النظر السليم يحكم بصحة قول من ذهب إلى أن الحديث على عمومه، لانه إذا كان بمنطوقه يمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة، مع العلم بأن العبادة في أي مسجد أفضل منها في غير المسجد، وقال (ص): (أحب البقاع إلى الله المساجد) حتى ولو كان ذلك المسجد هو المسجد الذي أسس على التقوى ألا وهو مسجد قباء الذي قال فيه رسول الله (ص): (صلاة في مسجد قباء كعمرة)، إذا كان الامر كذلك فلان يمنع الحديث من السفر إلى غيرها من المواطن أولى وأحرى، لا سيما إذا كان المقصود إنما هو مسجد بني على قبر نبي أو صالح، من أجل الصلاة فيه والتعبد عنده.
وقد علمت لعن من فعل ذلك، فهل يعقل أن يسمح الشارع الحكيم بالسفر إلى مثل ذلك ويمنع من السفر إلى مسجد قباء!؟ والخلاصة: إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة، هو الذي يجب المصير إليه، فلا جرم اختاره كبار العلماء المحققين المعروفين باستقلالهم في الفهم، وتعمقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى، فإن لهم البحوث والكثيرة النافعة في هذه المسألة الهامة، ومن هؤلاء الافاضل الشيخ ولي الله الدهلوي، ومن كلامه في ذلك ما قال في (الحجة البالغة) (1 / 192): (كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى، فسد صلى الله عليه وسلم الفساد، لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله، والحق عندي أن القبر، ومحل عبادة ولي من الاولياء والطور كل ذلك سواء في النهي).
ومما يحسن التنبيه عليه في خاتمة هذا البحث أنه لا يدخل في النهي السفر للتجارة وطلب
العلم، فإن السفر إنما هو لطلب تلك الحاجة حيث كانت لا لخصوص المكان، وكذلك السفر لزيارة الاخ في الله فإنه هو المقصود كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية في (الفتاوي) (2 / 186).


__________
(1) مثل كتابه (مناسك الحج) (3 / 390) من (مجموعة الرسائل الكبرى).


أحكام الجنائز
المؤلف : محمد ناصر الدين الألباني

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة