[COLOR="Blue"][B]
4689 - (نطفة الرجل بيضاء غليظة، ونطفة المرأة صفراء رقيقة، فأيهما غلبت صاحبتها فالشبه له، وإن اجتمعتا جميعاً؛ كان منها ومنه) (1) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف بهذا التمام
أخرجه أبو الشيخ في "العظمة" (222/ 1) عن إبراهيم ابن طهمان عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:
أتى نفر من اليهود النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: إن أخبرنا بما نسأله فإنه نبي. فقالوا: من أين يكون الشبه يا محمد؟! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال البخاري؛ إن كان مسلم هو ابن عمران البطين.
وأما إن كان ابن كيسان الملائي الأعور؛ فهو ضعيف؛ لم يخرج له البخاري ولا مسلم شيئاً.
وكلاهما يروي عن مجاهد، ولم يذكرهما المزي في شيوخ إبراهيم بن طهمان؛ فلم يتبين لي أيهما المراد الآن؟!
ثم رجعت إلى "مشيخة إبراهيم بن طهمان" (2) لعلي أجد فيه ما يساعدني على التحديد، فلم أجد في "مشيخته" من اسمه "مسلم" مطلقاً.
ولذلك؛ فإني أتوقف عن الحكم على هذا الإسناد بصحة أو ضعف، حتى يتبين لي هوية مسلم هذا.
وللحديث طريق أخرى عن ابن عباس؛ يرويه عبد الحميد: حدثنا شهر: قال ابن عباس:
حضرت عصابة من اليهود نبي الله - صلى الله عليه وسلم - يوماً؛ فقالوا ... الحديث نحوه، دون قوله:
"وإن اجتمعتا جميعاً؛ كان منها ومنه". أخرجه أحمد (1/ 278) .
وإسناده حسن في الشواهد والمتابعات.
والحديث صحيح بلا ريب؛ دون الزيادة التي في الطريق الأولى؛ فإني لم أجد لها شاهداً يقويها، فلعل ذلك يمكننا من ترجيح أن (مسلماً) الذي في طريقها هو (ابن كيسان) الضعيف!
وأما الحديث بدونها؛ فقد أخرجه أبو الشيخ (221/ 2) ، وأحمد (1/ 465) من طريق أبي كدينة عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه، عن عبد الله بن مسعود به؛ دون الزيادة.
ورجاله ثقات.
وأخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما" من حديث أنس مرفوعاً؛ دون الزيادة أيضاً، وقد سبق تخريجه برقم (1342) من "الصحيحة".
وأخرجه مسلم أيضاً (1/ 173-276) ، وأبو عوانة (1/ 293-294) ، والطحاوي في "مشكل الآثار" (3/ 275-276) ، والحاكم (1/ 481) - فوهم! - من حديث ثوبان؛ دونها.
__________
(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن بخطه: " ك (3 / 481) ". (الناشر)
(1) مخطوط محفوظ في " المكتبة الظاهرية " بدمشق في جزأين صغيرين
4777 - (لا تسأل المرأة زوجها الطلاق في غير كنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها من مسيرة أربعين عاماً) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف
أخرجه ابن ماجه (1/ 632) ، وعنه الضياء في "المختارة" (63/ 10/ 1) عن جعفر بن يحيى بن ثوبان عن عمه عمارة بن ثوبان عن عطاء عن ابن عباس مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ كما قال البوصيري في "زوائده" (124/ 4 و 128/ 2) ؛ وعلته جعفر هذا وعمه؛ قال الذهبي:
"قال ابن المديني، مجهول. قلت: وعمه لين".
(الكنه) : جوهر الشيء وغايته.
4857 - (تياسروا في الصداق؛ إن الرجل يعطي المرأة حتى يبقى ذلك في نفسه عليها حسيكة، وحتى يقول: ما جئتك حتى سقت إليك علق القربة) (1) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (6/ 174/ 10398) : أخبرنا ابن جريج قال: حدثني ابن أبي الحسين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، ورجاله ثقات رجال الشيخين، ولكنه معضل أو مرسل؛ فإن ابن أبي الحسين - واسمه عبد الله بن عبد الرحمن المكي - مشهور بالرواية عن التابعين؛ أمثال نافع بن جبير بن مطعم ومجاهد وعكرمة وغيرهم، ولم يذكروا له رواية عن أحد من الصحابة؛ سوى أبي الطفيل عامر بن واثلة، وهو من صغارهم، ولد عام أحد، وهو آخر من مات من الصحابة.
__________
(1) كتب الشيخ - رحمه الله - فوق هذا المتن: " كلفت إليك علق القربة: عبد 10399 "!
يشير إلى أنه ورد موقوفا على عمر: عند عبد الرزاق بالرقم المذكور. (الناشر)
5085 - (إذا حملت المرأة؛ فلها أجر الصائم القائم القانت المخبت المجاهد في سبيل الله عز وجل، فإذا ضربها الطلق؛ فلا يدري أحد من الخلائق ما لها من الأجر، فإذا وضعت؛ فلها بكل وضعة عتق نسمة) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع
أخرجه ابن حبان في "الضعفاء" (1/ 233) ، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 274) من طريق ابن عدي، وهذا في "كامله" (ق 90/ 1) ؛ كلاهما عن الحسن بن محمد البلخي: حدثنا عوف الأعرابي عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعاً. وقال ابن حبان: "هذا الحديث لا أصل له"؛ واتهم به البلخي هذا وسبق كلامه فيه آنفاً. وقال ابن عدي:
"هذا منكر، والحسن ليس بمعروف، منكر الحديث عن الثقات".
ولم يتكلم السيوطي في "اللآلي" (2/ 175) على الحديث بشيء، فلا أدري؛ أسقط كلامه عليه من الناسخ، أم أنه أقر ابن الجوزي على وضعه؟ والأول هو الأقرب عندي. والله أعلم.
5457 - (إن نطفة الرجل بيضاء غليظة، فمنها يكون العظام والعصب، وإن نطفة المرأة صفراء رقيقة، فمنها يكون الدم واللحم) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف
أخرجه أحمد (1/ 465) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (10/ 213/ 10360) من طريقين عن عطاء بن السائب عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه قال: قال عبد الله:
مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل الناس يقولون: هذا رسول الله. فقال يهودي: إن كان رسول الله فسأسأله عن شيء، فإن كان نبياً علمه. فقال: يا أبا القاسم! أخبرني؛ أمن نطفة الرجل يخلق الإنسان أم من نطفة المرأة؟ فقال: ... فذكره. والسياق للطبراني؛ وزاد أحمد:
فقام اليهودي فقال: هكذا كان يقول من قبلك.
ومن هذا الوجه: رواه البزار في "مسنده - كشف الأستار) (ق 218/ 1 - المصورة) - ولم يسق لفظه -، وقال:
"لا نعلم رواه عن القاسم هكذا إلا عطاء، وعنه إلا أبو كدينة"!
قلت: اسمه يحيى بن المهلب البجلي، وهو صدوق من رجال البخاري؛ لكنه قد توبع؛ فإنه عند الطبراني عن حمزة الزيات - وهو من رجال مسلم - عن عطاء بن السائب.
فالعلة من عطاء؛ فإنه كان اختلط.
وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (8/ 241) ، فقال:
"رواه أحمد، والطبراني، والبزار بإسنادين، وفي أحد إسناديه عامر بن مدرك، وثقه ابن حبان، وضعفه غيره، وبقية رجاله ثقات، وفي إسناد الجماعة عطاء بن السائب، وقد اختلط"!
قلت: في هذا التخريج تسامح كبير لا يعبر عن الواقع! فإن رواية عامر بن مدرك - عند البزار - ليس فيها هذا التفصيل الذي في رواية عطاء؛ فإن لفظ عامر:
"ماء الرجل أبيض غليظ، وماء المرأة أصفر رقيق، فأيهما علا؛ غلب الشبه".
وعامر هذا - وإن كان لين الحديث؛ فإن - لحديثه شواهد في "صحيح مسلم" وغيره، خرجت بعضها في "الصحيحة" (1342) ؛ بخلاف حديث عطاء؛ فإن ما فيه من العظام والعصب، واللحم والدم؛ لم يرد في شيء من تلك الشواهد، فكان منكراً، ولذلك؛ خرجته هنا.
ولحديث عامر شاهد من حديث ابن عباس نحوه؛ وزاد في آخره:
"وإن اجتمعا؛ كان منها ومنه". قالوا: صدقت.
أخرجه البزار (2375) : حدثنا السكن بن سعيد: حدثنا أبو عامر عبد الملك ابن عمرو: حدثنا إبراهيم بن طهمان عن مسلم عن مجاهد عن ابن عباس به. وقال:
"لا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا من هذا الوجه، وقد روي عن غيره من وجوه، وفي حديث ابن عباس زيادة".
قلت: يشير إلى ما ذكرت من الزيادة فيما أظن. وفي ثبوتها نظر عندي؛ لمخالفته للأحاديث الصحيحة المشار إليها آنفاً (1) .
وأيضاً فـ (مسلم) الراوي عن مجاهد؛ إن كان هو (الملائي الأعور) ؛ فهو ضعيف، وإن كان هو (مسلماً البطين) ؛ فهو ثقة، وقد روى كلاهما عن مجاهد؛ كما في "تهذيب المزي".
فمن الصعب - والحالة هذه - تحديد هذه - تحديد المراد منهما هنا، وبخاصة أنهما لم يذكرا في شيوخ إبراهيم بن طهمان؛ لكن الحديث بالأول منهما أشبه. والله أعلم.
والسكن بن سعيد - شيخ البزار - لم أعرفه!
5545 - «تَعَيَّشُوا بِنِسَائِكِمْ، فَإِنَّ الرَّجُلَ يَعِيشَ مَعَ امْرَأَتِهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَإِنْ شَاءَ أَفْسَدَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَصْلَحَهَا، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلْعٍ، إِنْ بُلَّ شَهْرَيْنِ لَمْ يَلِنْ، وَإِنْ أُقِيمَ لَمْ يَسْتَقِمْ، فَعَاشِرُوهُنَّ بِأَخْلاقِهِنَّ» .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضَعِيفٌ.
أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ «مُسْنَدُ الشَّامِيِّينَ» (ص 484_485) : حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ ثَنَا أبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَخِيهِ مَحْفُوظِ عَنْ ابْنِ عَائِذٍ قَالَ قَالَ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبٍ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:. . . . . . فَذَكَرَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ. نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَأَبُوهُ لَمْ أَعْرِفْهُمَا. وَالأَوَّلُ أَوْرَدَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ
(4 / 1 / 473) فقالَ: «نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةَ أبُو إِبْرَاهِيمَ الْحَضْرَمِيُّ الْحِمْصِيُّ. رَوَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ. رَوَى عَنْهُ أبُو أَيُّوبَ الْبَهْرَانِيُّ سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمْصِيُّ» .
وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ عَمْرُو بْنُ إِسْحَاقَ كَمَا تَرَى، فَهُوَ مَجْهُولٌ.
وَأمَّا أَبُوهُ خُزَيْمَةَ، فَلَم يُتَرْجِمْهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَلا غَيْرُهُ فِيمَا عَلِمْتُ، مَعَ أنَّهُ ذَكَرَهُ فِي التَّهْذِيبِ فِي الرُّوَاةِ عَنْ نَصْرِ بْنِ عَلْقَمَةَ، فَقَالَ:
«رَوَى عَنْهُ ابْنُ أَخِيهِ خُزَيْمَةُ بْنُ جُنَادَةَ بْنِ مَحْفُوظٍ نُسْخَةًً كَبِيْرَةً» .
وَقَدْ رَوَى لَهُ الطَّبَرَانِيُّ حَدِيثَاً آخَرَ (ص 468) بِهَذَا الإِسْنَادِ، وَوَقَعَ فِيهِ:
«أَبُو عَلْقَمَةَ نَصْرُ بْنُ خُزَيْمَةُ بْنُ جُنَادَةَ» .
5628 - (خيرُ ما أَعَدَّتِ المرأةُ: الطاعةُ للزَّوْجِ، والاعترافُ بحقّهِ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " (10 / 355 / 10702) ،
وابن عبد البر في " التمهيد " (3 / 328) من طريق هشام بن يوسف قال: حدثنا
القاسم بن فياض عن خلاد بن عبد الرحمن بن جعدة عن سعيد بن المسيب:
أنه سمع ابن عباس يقول:
إن امرأة قالت: يا رسول الله! ما خير ما أعدت المرأة؟ قال:
" الطاعة. . . ". إلخ؛ والسياق لابن عبد البر. ولفظ الطبراني:
" ما جزاء غزو المرأة؟ ". والباقي مثله.
وهكذا ذكره الهيثمي في " المجمع " (4 / 314 - 315) من رواية الطبراني
وقال:
" وفيه القاسم بن فياض، وهو ضعيف، وقد وثِّق، وفيه من لم أعرفه ".
قلت: كل رواته مترجمون في " التهذيب "؛ ما عدا شيخ الطبراني فيه: أبو
خليفة الفضل بن الحباب، وهو ثقة حافظ، مترجم في " التذكرة " وغيره، على أنه
متابَع عند ابن عبد البر، فليس فيه من لا يعرف!
نعم؛ يمكن أن يوصف بذلك ابن فياض هذا نفسه؛ فقد قال فيه ابن المديني:
" إسناده مجهول، ولم يرو عنه غير هشام ".
ولذلك؛ جزم الحافظ ابن حجر في " التقريب " بأنه مجهول. وذكر في
" التهذيب " أن ابن معين قال:
" ضعيف ". وعن أبي داود:
" هو ثقة ". وقال النسائي:
" ليس بالقوي ".
وذكره ابن حبان في " الثقات "! ثم ذكره في " الضعفاء " (2 / 313) ،
وقال:
" يروي عنه هشام بن يوسف قاضي صنعاء، كان ممن ينفرد بالمناكير عن
المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره ".
ولقد أساء محقق " التمهيد " محمد التائب السعيدي في تعليقه على هذا
الحديث؛ فإنه لم يذكر في ترجمة ابن فياض هذا سوى توثيق أبي داود إياه، وعزاه
لـ " تهذيب التهذيب " و " الخلاصة "!
5726 - (لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ؛ مَا قَعَدَتْ ما حَضَرَ غَداؤه وعَشَاؤُه حتى يَفْرُغَ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
أخرجه البزار (ص 154 - زوائده) : حدثنا حمدان بن علي: ثنا عبد الرحمن: ثنا فضيل: ثنا موسى بن عقبة عن عبيد بن سلمان عن أبيه عن معاذ بن جبل مرفوعاً. وقال الهيثمي في الزوائد ":
" عبيد؛ لا أعرفه، وأبوه؛ لا أعرف له من معاذ سماعاً ".
وكذا قال في " المجمع " (4 / 309) ، وقلده المناوي، ثم الأعظمي في " كشف الأستار " (2 / 180 / 1471) ، وتعقبه الحافظ، فقال عقب كلام " الزوائد ":
" قلت بل عبيد معروف، والإسناد حسن ".
قلت: وهو كما قال، فإن رجاله ثقات رجال الشيخين، " غير عبيد بن سلمان - وهو الأغر -؛ قال ابن أبي حاتم (2 / 2 / 407) عن أبيه: " لا أعلم في حديثه إنكاراً، يحول من كتاب الضعفاء " الذي ألَّفَهُ البخاري إلى الثقات ".
وذكره ابن حبان في " الثقات " (7 / 156) ، وقال في التقريب ":
" صدوق ".
وفضيل؛ هو ابن عياض.
وعبد الرحمن؛ هو ابن مهدي.
وحمدان؛ الظاهر أنه محمد بن علي بن عبد الله بن مهران، أبو جعفر الوراق؛ قال الخطيب (3 / 61) :
" يعرف ب (حمدان) ، وكان فاضلاً حافظاً عارفاً ثقة، من نبلاء أصحاب أحمد، قال الدارقطني: ثقة. مات سنة 171 ".
قلت: ولعله قد توبع عند الطبراني؛ فقد عزاه إليه الهيثمي.
هذا ما كنت كتبته في " الصحيحة " قبل سنين، وفي هذه السنة يسر الله لنا طبع المجلد الخامس منه بعد صبر طويل وإلحاح شديد من أهل العلم وطلابه، ولما قُدِّمت إليَّ التجربة الأولى منه لتصحيحها؛ وقفت عند هذه الجملة الأخيرة وما فيها من الرجاء والترقب؛ فإن " المعجم الكبير " للطبراني لم يكن مطبوعاً يومئذٍ. والمجلد الذي فيه أحاديث معاذ لا يوجد في مخطوطات المكتبة الظاهرية التي استفتدت منها ما لم يستفده أحد غيري في الحصر الحاضر فيما أعلم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
ثم يسر الله للأخ الفاضل حمدي السلفي أن قام بطبعه جزاه الله خيراً، وبذلك قدم لعلماء السنة وطلاب علم الحديث كنزاً ثميناً طالما كانت نفوس المحبين للحديث النبوي متشوقة للوقوف علهي والاستفادة منه، ولعلي أنا من أكثر المستفيدين منه إن لم أكن أكثرهم على الإطلاق، وهذا هو المثال بين يديك أيها القارئ الكريم؛ فإني ما كدت أقف عند الجملة المشار إليها آنفا حتى سارعت بالرجوع لمراجعة الحديث في (مسند معاذ) من " المعجم الكبير "، لأجد فيه ما كنت رجوته:
فقد قال الطبراني (20 / 160 / 333) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل: حدثني محمد بن أبي بكر المقدمي: ثنا فضيل بن سليمان النميري: ثنا موسى بن عقبة. . . بالإسيناد المتقدم عن البزار.
فهذا إسناد صحيح إلى الفضيل، ومتابعة قوية لحمدان وعبد الرحمن من عبد الله بن أحمج ومحمد بن أبي بكر المقدمي، وهما ثقتان مشهوران.
بيد أن الفائدة التي جنيعها من مراجعة " المعجم " أعظم بكثير من فائدة تحقق ما ترقبته من المتابعة، ألا وهي أنني اكتشفت بذلك خطأً وقعت فيه، لعله جرني إليه خطأ وقع فيه الحافظ من قبلي، وهو تحسينه إسناد البزار كما رأيت!
ذلك؛ أنني لما تكلمت على رجال إسناد البزار؛ قلت في فضيل - الراوي عن موسى بن عقبة -: إنه فضيل بن عياض. وما ذاك إلا لأن الراوي عنه عبد الرحمن. وقلت فيه: إن ابن مهدي؛ لأنهم ذكروا أنه يروي عن ابن عياض، ولم يذكروا ذلك في ترجمة فضيل بن سليمان. وكنت على علم بأن هذا روى عن موسى بن عقبة، وأنه من المحتمل أن يكون هو صاحب هذا الحديث؛ ولكني وجدت نفسي لا تميل إلى تبني هذا الاحتمال؛ لأنه يتنافي مع تتحسين الحافظ لإسناده، فإنه ضعيف عنده؛ كما يدل على ذلك قوله في " التقريب ":
" صدوق، له خطأ كثير ".
وفي ظني أنه لولا هيبة " الصحيح " لربما قال الحافظ فيه أكثر مما قال! فمثل هذا يكون عند الحافظ من المرتبة الخامسة، التي يكون حديث أصحابها ضعيفاً يمكن الاستشهاد به كما هو معروف عند أهل العلم، فلما رأيته حسَّن إسناد حديث فضيل مِلْتُ إلى تبني أنه فضيل بن عياض.
والآن وقد حصحص الحق، وتبين أنه ليس به، وأنه فضيل بن سليمان النميري؛ لم يبق هناك وجه للقول بتحسين إسناده؛ فإن النميري بكاد أقوال الأئمة تتفق على تضعيفه، وهاكها كما جاءت في " تهذيب التهذيب ":
" قال ابن معين: ليس بثقة. وقال أبو زرعة: ليِّن الحديث، روى عنه ابن المديني وكان من المتشددين. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه؛ ليس بالقوي. وقال أبو داود: كان عبد الرحمن لا يحدث عنه. وقال النسائي: ليس بالقوي. وذكره ابن حبان في " الثقات ". وقال صالح جزرة: منكر الحديث، روى عن موسى بن عقبة مناكير. وقال ابن معين في رواية: ليس هو بشئ، ولا يكتب أحاديثه. وقال الساجي: كان صدوقاً، وعنده مناكير. وقال ابن قانع: ضعيف ".
قلت: فأنت ترى أنهم أجمعوا على تضعيفه، على اختلاف عباراتهم
وألفاظهم، ولم يوثقه أحد منهم غير ابن حبان، ولا يخفى على أهل العلم أنه لا قيمة لتوثيقه إذا تفرد؛ فكيف إذا خالف؟ !
فإن قيل: فقد أخرج له الشيخان.
فنقول: نعم، وقد خالفهما الأئمة المذكورون، فلعل إخراجهما اختياراً منهما لبعض أحاديثه أو استئهادا ومتابعة، وقد صرح الحافظ بشيء من هذا في خصوص البخاري؛ فقال في " مقدمة فتح الباري " (ص 435) :
" ليس له في البخاري سوى أحاديث توبع عليها. . . ". ثم ذكرها.
وبناء على ما تقدم أخرجتُ الحديثَ من " الصحيحة " إلى " الضعيفة "؛ لأنني لم أجد ما يشهد له. والله أعلم.
5733 - (جَزاءُ غَزْوًةِ المرأةِ: طاعةُ الزوْجِ، واعترافٌ بِحَقِّهِ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه البخاري في «التاريخ الكبير» (4 / 1 / 162 / 725) : قال علي: نا هشام بن يوسف: حدثني القاسم بن فياض من جندة عن خلاد بن عن الرحمن بن جندة عن سعيد بن المسيب سمع ابن عباس:
قالت امرأة: يا رسول الله! ما جزاء غزوة المرأة؟ قال: «طاعة الزوج. . .» إلخ.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، رجاله كلهم ثقات؛ غير القاسم بن فياض؛ فهو مجهول؛ كما قال الحافظ في «التقريب» ، وفي ترجمته أورده البخاري ساكتاً عنه.
وهو من الأدلة الكثيرة على أن من سكت عنه البخاري فليس ذلك منه توثيقاً له عند أهل العلم؛ خلافاً لمن لا علم عنده بهذا الفن من المعاصرين، وبخاصة إذا ضعفه غيره؛ كهذا؛ فقد أورده ابن حبان في كتابه «الضعفاء» وقال (2 / 213) :
«كان ممن ينفرد بالمناكير عن المشاهير، فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج بخبره» . ثم روي عن ابن معين أنه قال فيه:
«ليس بشيء» .
ثم تناقض ابن حبان فيه، فأورده في «الثقات» أيضاً (7 / 334) ! ومن الظاهر أن ذلك كان منه قبل أن يسبر حديثه ويعرفه بناء على قاعدته في التوثيق
المجهولين، وقد قال ابن المديني في حديث آخر له:
«إسناده مجهول، ولم يرو عنه غير هشام» .
انظر «المشكاة» (3578 ـ التحقيق الثاني) .
وضعفه ابن معين في رواية ابن أبي حاتم عنه، وقال النسائي:
«ليس بالقوي» ، واستنكر الحديث المشار إليه. وشذَّ أبو داود فقال فيه:
«ثقة» !
والحديث أخرجه الطبراني في «المعجم الكبير» (10 / 355 / 10702)
من طريق أخرى عن علي بن المديني به. وقال الهيثمي (4 / 315) :
«وفيه القاسم بن فياض، وهو ضعيف وقد وثق، وفيه من لم أعرفهم» !
كذا قال! وغير القاسم كلهم ثقات حفاظ.
وقد روي الحديث مطولاً نحوه من طريق أخرى عن ابن عباس وغيره، وسيأتي (6245) .
5878 - (إن هذا لا يصلح. يعني: شرط المرأة لزوجها أن لا تتزوج بعده) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
رواه الطبراني في " الصغير " (ص 238) و " الكبير " (2 / 29 / 1186 و 25 / 267 / 102) : حدثنا يحيى بن عثمان: ثنا نعيم بن حماد: ثنا عبد الله بن إدريس عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن أم مبشر الأنصارية: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت: إني اشترطت لزوجي أن لا أتزوج بعده؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم:. . . فذكره. وقال:
" لم يروه عن الأعمش إلا عبد الله بن إدريس، تفرد به نعيم ". قلت: وهو ضعيف، لكثرة خطئه، وأما قول الهيثمي (4 / 255) : " رواه الطبراني في " الكبير " و " الصغير "، ورجاله رجال (الصحيح) ".
ففيه تساهل كبير؛ لأن يحيى بن عثمان - وهو السهمي المصري -؛ لم يرو له
في أحد " الصحيحين " مطلقا، ونعيم بن حماد؛ إنما أخرج له البخاري مقرونا؛ كما قال المنذري في " خاتمة الترغيب "، ثم هو ضعيف من قبل حفظه؛ كما يشير إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب ":
" صدوق يخطئ كثيرا ".
5944 - (ليس على المرأة حُرُمٌ إلا في وجهها) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (12 / 370 / 13375) و ((المعجم الأوسط)) (2 / 78 / 1 / 6258) : حدثنا محمد بن زكريا الغلابي: ثنا عبد الله بن رجاء: ثنا أيوب بن محمد أبو الجمل عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره. وقال:
((لم يرفع هذا الحديث إلا أيوب أبو الجمل، تفرد به عبد الله بن رجاء)) .
قلت: وهو صدوق يهم قليلاً؛ كما في ((التقريب)) .
لكن الراوي عنه الغلابي متهم بالكذب؛ لكنه قد توبع، فالعلة من أبي الجمل.
فقد أخرجه العقيلي في ((الضعفاء)) (1 / 116) ، وابن عدي في ((الكامل)) (1 / 349) ، ومن طريقه البيهقي (5 / 47) ، والخطيب في ((التاريخ)) (7 / 9) من طريقين عن عبد الله بن رجاء به. وذكر الخطيب عن الدارقطني أنه قال:
((لم يرفعه غير أبي الجمل وكان ضعيفاً، وغيره يرويه موقوفاً)) . وقال البيهقي:
((وأيوب بن محمد أبو الجمل؛ ضعيف عند أهل العلم بالحديث؛ فقد ضعفه يحيى بن معين وغيره، وقد روي الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعاً، والمحفوظ موقوف)) .
ثم رواه هو من طريق هشام بن حسان عن عبيد الله به موقوفاً على ابن عمر. وقال عقبه:
((هكذا رواه الدراوردي وغيره موقوفاً على ابن عمر)) .
قلت: وهو يلتقي مع ما صح عن ابن عمر موقوفاً ومرفوعاً بلفظ:
((لا تنتقب المرأة المحرمة، ولا تلبس القفازين)) .
رواه البخاري وغيره، وهو مخرج في ((الإرواء)) (1012) .
والحديث، قال الهيثمي في ((المجمع)) (3 / 219) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) و ((الأوسط)) ، وفيه أيوب بن محمد اليمامي، وهو ضعيف)) .
(تنبيه) : قوله: ((حُرُم)) ؛ كذا في كل المصادر المتقدمة، ومنها ((ضعفاء العقيلي)) ؛ لكن المعلق عليه الدكتور القلعجي صححه بزعمه إلى ((إحرام)) !
معتمداً في ذلك - كما قال - على ((الميزان)) ! وكذلك وقع في ((الجامعين)) ! والظاهر أنه رواية بالمعنى، أو غفلة عنه؛ ففي ((النهاية)) :
((و (الحُرم) ؛ بضم الحاء وسكون الراء: الإحرام بالحج. وبالكسر: الرجل المحرم. يقال: أنت حل، وأنت حرم. والإحرام: مصدر أحرم الرجل يحرم إحراماً إذا أهل بالحج أو العمرة وباشر أسبابهما وشروطهما؛ من خلع المخيط واجتناب الأشياء التي منعه الشرع منها؛ كالطيب والنكاح والصيد وغير ذلك)) .
والحديث من طريق هشام بن حسان الموقوف عند البيهقي؛ هو عنده من طريق علي بن عمر الحافظ: ثنا الحسين بن إسماعيل: ثنا أبو الأشعث: ثنا حماد بن زيد عن هشام بن حسان.
وعلي بن عمر الحافظ؛ هو الإمام الدارقطني، وقد أخرجه في ((سننه)) (260) بهذا الإسناد؛ لكن وقع فيه مرفوعاً هكذا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:. . . فذكره!
فالظاهر أن رفعه فيه خطأ مطبعي.
والخلاصة: أن الحديث صحيح موقوفاً. وقد قال ابن الهمام في ((فتح القدير))
(2 / 405) :
((ولا شك في ثبوته موقوفاً)) .
قلت: ويشهد له قول عائشة رضي الله عنها:
((المحرمة تلبس من الثياب ما شاءت؛ إلا ثوباً مسه ورس أو زعفران، ولا تتبرقع، ولا تتلثم، وتسدل الثوب على وجهها إن شاءت)) .
أخرجه البيهقي في ((سننه)) (5 / 47) بسند صحيح عنها. قلت: وهذا القول منها يدل على أمرين اثنين:
الأول: أنه لا يجوز للمحرمة أن تتبرقع وأن تتلثم. وهذا يوافق حديث ابن عمر المار آنفاً:
((لا تنتقب المرأة المحرمة. . .)) .
فما يفعله كثير من المحرمات السعوديات في الحج والعمرة من الانتقاب أو التلثم خلاف الشرع. ولعل ذلك بسبب تشديد علماء تلك البلاد على النساء في إيجابهم عليهن أن يسترن وجوههن، وتحريمهم عليهن أن يراهن الرجال.
والآخر: أنه لا يجب على المحرمة أن تسدل الثوب على وجهها؛ لقولها:
((إن شاءت)) . وهذه فائدة هامة من أم المؤمنين، على أولئك العلماء أن يتمسكوا بها، وأن يبثوها بين طلبة العلم؛ لأن أكثرهم عنها غافلون ولمدلولها مخالفون.
وأيضاً: فهي تدل على أن ما روي عنها أنها كانت تسدل هي ومن كان معها
من المحرمات على وجوههن؛ أن ذلك كان منهن عملاً بالأفضل والأستر والأحشم. وهو الذي كنا ذهبنا إليه في كتاب ((حجاب المرأة المسلمة)) في فصل خاص عقدته فيه، فلم يعجب ذلك كثيراً من العلماء السعوديين وغيرهم، فحملوا علينا حملات شعواء حتى نسبنا بعضهم إلى أنني من الدعاة إلى السفور! ولم يصدهم عن ذلك تلك الشروط القاسية التي وضعتها لحجاب المرأة المسلمة، والتي لا يقوم بها كثير من النساء حتى من زوجات بعض الشيوخ الكبار! هدانا الله وإياهم سواء الصراط.
وأنا الآن في صدد تهيئة رد عليهم، وبيان غلوهم في الدين في هذه المسألة في مقدمة الطبعة الجديدة للكتاب المذكور: ((الحجاب)) . يسرها الله لي، وتقبلها مني، ونفع بها إخواني المسلمين (*) .
__________
(*) طبع الكتاب في حياة الشيخ - رحمه الله - بعنوان: ((جلباب المرأة المسلمة. . .)) ، ثم طبع الرد المشار إليه في كتاب خاص بعد وفاته بعنوان: ((الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد. . .)) . (الناشر) .
5957 - (إذا توفيت المرأة، فأرادوا أن يغسلوها، فليبدأوا ببطنها، فليمسح بطنها مسحاً رقيقاً إن لم تكن حُبلى، فإن كانت حُبلى؛ فلا تحركنها، فإن أردت غسلها فابدئي بسفلتها، فألقي على عورتها ثوباً ستيراً، ثم خذي كرسفاً فاغسليها، فأحسني غسلها، ثم أدخلي يدك من تحت الثوب، فامسحيها بكرسف ثلاث مرات، فأحسني مسحها قبل أن توضئيها، ثم وضئيها بماء فيه سدر، ولتفرغ الماء امرأة وهي قائمة لا تلي شيئاً غيره حتى تنقي بالسدر وأنت تغسلين، وليل غسلها أولى النساء بها، وإلا؛ فامرأة ورعة، فإن كانت صغيرة أو ضعيفة؛ فلتلها امرأة ورعة مسلمةٌ، فإذا فرغت من غسل سفلتها غسلاً نقياً بماء وسدر؛ فلتوضئها وضوء الصلاة؛ فهذا بيان وضوئها، ثم اغسليها بعد ذلك ثلاث مرات بماء وسدر، فابدئي برأسها قبل كل شيءٍ فأنقي غسله من السدر بالماء، ولا تسرحي رأسها بمشط، فإن حدث بها حدث بعد الغسلات الثلاث؛ فاجعليها خمساً، فإن حدث في الخامسة؛ فاجعليها سبعاً، وكل ذلك فليكن وتراً بماء وسدر، فإن كان في الخامسة أو الثالثة؛ فاجعلي فيه شيئاً من كافور وشيئاً من سدر، ثم اجعلي ذلك في جر جديد، ثم أقعديها فأفرغي عليها وابدئي برأسها حتى تبلغي رجليها، فإذا فرغت منها؛ فألقي عليها ثوباً نظيفاً، ثم أدخلي يدك من وراء الثوب فانزعيه عنها، ثم احشي سفلتها كرسفاً واحشي كرسفها من طيبها، ثم خذي سبيةً طويلةً مغسولةً فاربطيها على عجزها كما تربط على النطاق، ثم اعقديها بين فخذيها وضمي فخذيها، ثم ألقي طرف السبية عن عجزها إلى قريب من ركبتيها، فهذا شأن سفلتها، ثم طيبيها وكفنيها واطوي شعرها ثلاثة أقرن: قصةً وقرنين، ولا تشبهيها بالرجال، وليكن كفنها في خمسة أثواب: أحدها الإزار تلفي به فخذيها، ولا تنقضي من شعرها شيئاً بنورةٍ ولا غيرها، وما يسقط من شعرها؛ فاغسليه، ثم اغرزيه في شعر رأسها، وطيبي شعر رأسها، فأحسني تطييبه ولا تغسليها بماء مسخن واخمريها وما تكفنيها به بسبع نبذات إن شئت، واجعلي كل شيءٍ منها وتراً، وإن بدا لكِ أن تخمديها في نعشها فاجعليه وتراً. هذا شأن كفنها ورأسها، وإن كانت محدورةً أو مخصوفةً أو أشباه ذلك، فخذي خرقةً واحدةً واغمسيها في الماء واجعلي تتبعي كل شيءٍ منها، ولا تحركيها؛ فإني أخشى أن يتنفس منها شيءٌ لا يستطاع ردُهُ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه الطبراني في ((المعجم الكبير)) (25 / 124) من طريق جنيد ابن أبي وهرة، وليث؛ كلاهما عن عبد الملك بن أبي بشير عن حفصة بنت سيرين عن أم سليم أم أنس قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:. . . فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف من الطريقين؛ ففي الأولى جنيد - وهو ابن العلاء -؛ مختلف فيه؛ فقال البخاري في ((التاريخ)) (2 / 1 / 236) في ترجمته:
((قال أبو أسامة: كان صاحبي أوثق مني)) . وقال ابن أبي حاتم (1 / 1 / 528) عن أبيه:
((صالح الحديث)) .
وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (6 / 150) . ثم أورده في ((الضعفاء)) (1 / 211) ، وقال:
((كان يدلس عن محمد بن أبي قيس المصلوب، ويروي ما سمع منه عن شيوخه، فاستحق مجانبة حديثه على الأحوال كلها؛ لأن ابن أبي القيس كان يضع الحديث)) . وقال الذهبي في ((الميزان)) :
((له حديث في غسل الميت طويل منكر)) .
قلت: يعني: هذا. وأقره الحافظ في ((اللسان)) ، وقال:
((قال الأزدي: لين الحديث)) .
قلت: وفي الطريق الأخرى ليث - وهو ابن أبي سليم الحمصي -؛ وهو ضعيف مختلط، ولا أستبعد أن يكون جنيد بن العلاء تلقاه عنه ثم دلسه، فيرجع الحديث إلى طريق واحدة.
والحديث، قال الهيثمي (3 / 22) :
((رواه الطبراني في ((الكبير)) بإسنادين، في أحدهما ليث بن أبي سليم؛ وهو مدلس، ولكنه ثقة، وفي الآخر جنيد؛ وقد وثق، وفيه بعض كلام)) .
وأقول: لا أعلم أحداً رمى ليثاً بالتدليس، وإنما بالاختلاط. وكذلك لا أعلم من أطلق فيه التوثيق. فراجع أقوال أئمة الجرح والتعديل فيه في ((التهذيب)) .
5958 - (أفعمياوان أنتما؟ ! ألستما تبصرانه؟ !) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي في ((الكبرى)) (2 / 224 - 225 - المصورة) وأحمد وغيرهم؛ كأبي يعلى في ((مسنده)) (6922) ، ومن طريقه ابن حبان (1968) ومن طريق غيره أيضاً (1457) ، والطبراني في ((الكبير)) (23 / 302 / 678 و 400 / 956) ، وابن سعد في ((الطبقات)) (8 / 175 - 176) كلهم من طريق نبهان عن أم سلمة قالت:
كنت: أنا وميمونة عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فجاء ابن أم مكتوم يستأذن - وذلك بعد أن ضرب الحجاب - فقال:
((قوما)) . فقلنا: إنه مكفوف لا يبصرنا. فقال:. . . فذكره. وقال النسائي:
((ما نعلم أحداً روى عن نبهان غير الزهري)) . وأقره المزي في ((التهذيب)) .
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ لجهالة نبهان هذا، كما كنت بينته في ((الإرواء)) (1769، 1806) بزيادة في تخريج الحديث في الموضع الثاني، وإنما أعدت تخريجه هنا لأمرين.
الأول: أن بعض ذوي الأهواء والمتشددين في موضوع وجه المرأة وكفيها، القائلين بأن ذلك منها عورة احتجوا بهذا الحديث؛ مغترين بتصحيح من صححه؛ كالترمذي وغيره من المتقدمين، وكالحافظ العسقلاني من المتأخرين! فأقول:
كانت حجتي - ولا تزال - في تضعيف هذا الحديث جهالة نبهان هذا؛ كما صرح بها ابن حزم، وأقره الذهبي في ((الضعفاء)) .
ثم رأيت فائدة هامة في كتاب ((شرح منتهى الإرادات)) للشيخ منصور بن يونس البهوتى، فأحببت أن أسجلها هنا؛ لعزتها: قال رحمه الله تعالى (3 / 6) بعد أن ذكر الحديث برواية أبي داود:
((وقال أحمد: نبهان روى حديثين عجيبين: هذا الحديث. والآخر:
((إذا كان لإحداكن مكاتب؛ فلتحتجب منه)) . كأنه أشار إلى ضعف حديثه؛ إذ لم يرو إلا هذين الحديثين المخالفين للأصول. وقال ابن عبد البر: نبهان مجهول، لا يعرف إلا برواية الزهري عنه هذا الحديث (1) ، وحديث فاطمة صحيح؛ فالحجة به لازمة. . .)) .
قلت: وهذه الفائدة قد ذكرها الشيخ البهوتي في كتابه الآخر: ((منار السبيل)) (2 / 140) الذي خرجت أحاديثه في كتابي ((إرواء الغليل)) ، وقد فاتني ذكرها في التخريج؛ لأن الذي نسخ الأحاديث منه لم يذكرها مع الحديث. ولكل أجل كتاب.
فإن قيل: كيف قال ابن عبد البر: ((لا يعرف إلا برواية الزهري عنه)) ؛ وقد ذكر الحافظ له راوياً آخر عنه، وهو محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة؟ قلت: نعم؛ هو تابع في ذلك لابن أبي حاتم؛ خِلَافًا للبخاري في " التاريخ " (4 / 2 / 135) ؛ فإنه لم يذكر غير الزهري، وتبعه ابن حبان في " ثقاته " (5 / 586) ، وهذا هو الصواب. وذلك؛ لأن حديث المكاتب الذي أشار أحمد إلى إنكاره بتعجبه منه ومن حديث الترجمة على نبهان مولى أم سلمة مدار طريقه
على الزهري عنه.
ومنها: طريق سفيان الثوري عند أبي داود والبيهقي وغيرهما.
لكن خالف قبيصة بن عقبة فقال: عن سفيان عن محمد بن عبد الرحمن عن مكاتب مولى أم سلمة يقال له: نبهان. . . فذكر الحديث.
أخرجه الطبراني (23 / 2 5 3 / 677) . فأسقط الزهري وجعل محله محمداً هذا. قال البيهقي (15 / 327) :
" وذكر محمد. بن يحيى الذهلي أن محمد بن عبد الرحمن مولى آل طلحة روى عن الزهري قال: كان لأم سلمة مكاتب يقال له: نبهان. ورواه محمد بق يوسف عن سفيان عنه. فعاد الحديث إلى رواية الزهري ".
قلت: ومما لا شك فيه أن ما رواه الجماعة مع محمد بن يوسف هذا - وهو الفريابي - أولى بالقبول من رواية قبيصة، وبخاصة أنه قد تكلم في روايته عن سفيان؛ فقال ابن معين:
" قبيصة؛ ثقة في كل شيء إلا في سفيان؛ فإنه سمع منه وهو صغير ".
وقال أحمد نحوه. انظر " التهذيب ". ولذلك؛ قال البيهقي:
" وحديث نبهان قد ذكر فيه معمر لسماع الزهري من نبهان، إلا أن الشيخ لم يخرجا حديثه في " الصحيح "، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما؛ إذ لم يخرج من حد الجهالة برواية عدل عنه، وقد روى غير الزهري عنه إن كان مَحْفُوظًا. . . ".
ثم ذكر رواية قبيصة، وقد عرفناك شذوذها. وذكر عن الشافعي أنه قال:
" لم أر من ارتضيت من أهل العلم يثبت هذا الحديث ".
إذا عرفت ما تقدم يتبين لك خطأ قول الذهبي في ترجمة نبهان هذا من
" الكاشف ": " ثقة "! ! ولعل الأصل! : " وثق "؛ كما هي عادته فيمن تفرد بتوثيقه ابن حبان، ولم يكن روى عنه جمع من " الثقات "، ثم انحرف ذلك على اَلنَّاسِخ
أو الطابع إلى: " ثقة "؛ لأنه مخالف لإيراده إياه في " الضعفاء " وإقراره لتجهيل! ابن حزم إياه. وقد وافقه على ذلك ابن عبد البر، وَسَبَقَهُمَا البيهقي كما تقدم، وتبعهم الحافظ في " التقريب "؛ فقال فيه:
" مقبول "؛ أي: إذا توبع، وإلا؛ فهو لين الحديث؛ كما نصبى عليه وفي مقدمة
" بالتقريب ". وقال في " التلخيص " (3 / 148) :
" وثق "؛ أي: لا يوثق به.
إذا تبين لك ما ذكرنا من التحقيق؛ فلا يهمنك تصحيح من صحح الحديث؛ فإنه إما لتساهل عرف به كالترمذي وابن حبان، وإما لشبهة تعلق بها؛ كقول الحافظ في " الفتح " (9 / 337) :
" وإسناده قوي، وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان، وليست بعلة قادحة؛ فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة، ولم يجرحه أحد؛ لا ترد روايته "!
كذا قال! وليس يخفى على البصير أن وصف الزهري لنبهان بما ذكر ليس له علاقة بالتوثيق بوجه من الوجوه مُطْلَقًا، وهل هو إلا كما لو قال: " عبد فلان، أو " أخو فلان "؛ بل و " ابن فلان " ونحو ذلك من الأوصاف التي لا تسمن ولا تغني من جوع في التعديل والتوثيق! وكل من له معرفة بهذا العلم وتتبع لتراجم الرواة يجد أمثلة كثيرة من هذا النوع؛ مثل أبي الأحوص مولى بني كعب، وأبي عثمان ابن سنة الخزاعي الكعبي؛ فقد روى عنهما الزهري، ومع ذلك لم يوثقهما الحافظ؛ بل قال فيهما كما قال في نبهان:
" مقبول "؛ أي: غير مقبول إلا إذا توبع! هذا هو مراده كما تقدم.
وما أحسن ما قال ابن القطان في أبي الأحوص هذا في " الوهم والإيهام " (2 /
183 / 2) :
" لا يعرف له خال، ولا قضى له بالثقة قول الزهري: سمعت أبا الأحوص يحدث في مجلس سعيد بن المسيب ". وأقره الذهبي في " الميزان ".
قلت: وفي قول ابن القطان رد مباشر على تقوية الحافظ لحديث نبهان بكلامه السابق، وإن كان ابن القطان متقدماً عليه في الزمن، ولكنه حافظ ماهر نقاد، فإذا كان الزهري إذا حَدَّثَ عن أبي الأحوص وقد سمعه يحدث في مجلس ابن المسيب؛ لا يلزم منه أن أبا الأحوص ثقة؛ فمن باب أولى أنه لا يلزم من وصف الزهري لنبهان بأنه مكاتب أم سلمة أنه ثقة، كما هو ظاهر لا يخفى على أهل النهى.
ومما سبق؛ تعلم خطأ تجويد إسناد الحديث من المعلق على " مسند أبي يعلى "،
ثم في تعليقه على " موارد اَلظَّمْآن " (6 / 258 - 261) وكأنه كان مُتَأَثِّرًا بتقوية
الحافظ لإسناده غير مفكر فيما تقتضيه الصناعة الحديثية، وكذلك فعل جمهور ممن ذهب إلى القول بأن وجه المرأة عورة؛ كالشيخ التويجري وغيره من المقلدين حَدِيثًا وَفِقْهًا! ولعلهم ظنوا لما رأوا تصحيح من صححه ممن سبقت الإشارة إليه أنه لا خلاف في ذلك، وذلك لضيق عطنهم، وعدم درايتهم بأقوال المضعفين، وعلى رأسهم الإمام أحمد ثم البيهقي وابن عبد البر! ولعل بعضهم عرف ذلك ثم تجاهله لغاية في نفسه، ومنهم - مع الأسف - الشيخ عبد القادر السندي في " رسالة الحجاب " (ص 49 / الطبعة الخامسة) ؛ فقد صرح بأن إسناده صحيح، ونقل كلام الحافظ في تقوية إسناده، وكلامه في " تهذيب التهذيب "، وكذا كلام المزي في " تهذيبه "، وليس فيها أكثر مما سبق بيانه: أنه روى عن نبهان محمد بن عبد الرحمن أَيْضًا، وأنه وثقه ابن حبان، وعزا إلى المزي - بناء على ذكره هذا الحديث وحديث المكاتب في ترجمة نبهان وتصحيح الترمذي لهما - أنه ثقة يحتج بحديثه! وفيه تحميل لصنيع المزي ما لا يريده؛ فإن كتابه خاص بذكر ما قيل في المترجم من توثيق أو تجريح، وليس أنه يذكر فيه ما يتبناه هو لنفسه، ألا ترى أن الحافظ كما حكى توثيق ابن حبان في " اَلتَّهْذِيب " لم يتبنه في " التقريب " فلم يوثقه فيه؛ بل لينه كما تقدم بيانه، والسبب هو ما ذكرته!
هذا؛ وإنما نسبت المذكور إلى تجاهل علة الحديث لأمرين اثنين ذكرت آنِفًا أحدهما. والآخر: أنه عزا الحديث للبيهقي بالجزء والصفحة (7 / 91 - 92) ، وهناك لا بد أنه رأى تعقب ابن التركماني للبيهقي بقوله:
" قلت: في سنده نبهان، سكت عنه البيهقي هنا، وقال في (أبواب المكاتب) :
" صاحبا (الصحيح) لم يخرجا عنه، وكأنه لم يثبت عدالته عندهما. . . .) إلى آخر كلامه المتقدم منا، وإذ الأمر كذلك؛ فلا بد أنه رجع إلى الأبواب المشار إليها،
ووقف على من ينبهه إن كان غَافِلًا على كون نبهان لم يصح أنه روى عنه غير الزهري، وأنه لذلك مجهول عند البيهقي، فكان عليه أن يبينه ولا يكتمه، وأن يجيب عنه إن كان لديه جواب!
وقد وقفت له على تدليس آخر أرجو أن لا يكون بقصد منه، وهو أنه لما نقل عن المزي الحديثين اللذين أحدهما هذا والآخر حديث المكاتب؛ قال - عن المزي طَبْعًا -:
" وأخرجه النسائي من وجوه أخرى. انتهى كلام الإمام المزي ".
وكل من قرأ هذا التخريج لا يفهم منه إلا أن له طُرُقًا أخرى عن غير نبهان يتقوى بها! والواقع يشهد أنه ليس كذلك، ولا هو قصد النسائي ولا المزي؛ فإن تمام كلام النسائي عنده:
" وأخرجه النسائي من وجوه أخر عن الزهري ".
فإذن؛ هذه الوجوه مدارها على الزهري عن نبهان، فلا تعطي للحديث قوة؛ خِلَافًا لما رمى إليه بحذفه زيادة " عن الزهري "!
وكنت أود أن يكون حذفه إياها إنما وقع منه سَهْوًا، ولكني رَأَيْته قد أعادها مرة أخرى في الصفحة ذاتها! والله المستعان.
ثم إنني لا أستبعد منه - وهذا بعض ما فعل - أو من غيره من المقلدين أن يكونوا قد وقفوا على قول الحافظ في مكان آخر من " الفتح " (1 / 550) عقب الحديث:
" وهو حديث مختلف في صحته ".
فإن فيه تَنْبِيهًا وَحَافِزًا على معرفة أسباب الخلاف، ثم اختيار ما هو أقرب إلى الصواب، وهذا ما أنا في صدده بإعانة الله تعالى وتوفيقه.
هذا هو الأمر الأول.
والآخر: أن الحديث مع ضعف إسناده، منكر في متنه؛ لِمُخَالَفَتِهِ حديث فاطمة بنت قيس أخت الضحاك بن قيس رضي الله عنهما في قصة طلاقها من زوجها، وفيه:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تنتقل إلى أم شريك، ثم أرسل إليها: إن أم شريك يأتيها المهاجرون الأولون، فانطلقي إلى ابن أم مكتوم الأعمى؛ فإنك إذا وضعت خمارك لم يرك، فانطلقت إليه. . . الحديث.
رواه مسلم (4 / 196) وغيره، وهو مخرج في " الإرواء " (1804) .
فهو مخالف لحديث نبهان من وجهين:
الأول: إذنه صلى الله عليه وسلم لفاطمة بأن تقضي عدتها عند ابن أم مكتوم. وفي حديث نبهان أنه قال لأم سلمة وميمونة حين دخل ابن أم مكتوم: " قوما "!
والآخر: أن إذنه صلى الله عليه وسلم لها يستلزم جواز نظرها إلى ابن أم مكتوم، وفي حديث نبهان: " ألستما تبصرانه؟ ! ".
ولذلك؛ قال في " شرح منتهى الإرادات " (3 / 6) :
" ويباح لامرأة نظر من رجل إلى غير عورة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لفاطمة بنت قيس. . . (فذكر الحديث) . وقالت عائشة:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد ". متفق عليه.
ولأنهن لو منعن النظر؛ لوجب على الرجال الحجاب كما وجب على النساء؛ لئلا ينظرن إليهم ".
ثم ذكر حديث نبهان وتضعيف أحمد وابن عبد البر إياه - كما تقدم - ونقله عنه، ثم قال:
" وحديث فاطمة صحيح، فالحجة به لازمة. ثم يحتمل أن حديث نبهان خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بذلك قال أحمد وأبو داود ".
قلت: وهذا الجمع إنما يصار إليه لو صح الحديث، وإذ لا؛ فلا.
(تنبيه) : لقد أورد الحديث مختصرا " تفسير ابن كثير ": الحلبيان؛ زاعمين
أنه حديث صحيح! وكم لهما من مثل هذا التصحيح الذي لا يشهد له علم الحديث ولا فقهه، وإن كان لهما هنا عذر وإنما هو التقليد، ومعلوم أنه لا يقلد إلا جاهل! ولكن لا يسعه إلا ذلك!
ومثلهما ذاك الحائر المتفقه المسمى محمد أديب كلكل في كتابه: " فقه النظر
في الإسلام "! فقد زاد عليهما أنه قال عقب الحديث (ص 132) :
" وهذه القصة تؤيدها رواية أخرى في " الموطأ " للإمام مالك رضي الله عنه
أن رَجُلًا أعمى دخل على عَائِشَة رضي الله عنها، فاحتجبت منه. فقيل لها: لماذا تحتجبين منه وهو لا ينظر إليك؟ قالت: لكني أنظر إليه "!
قلت: وهذا كذب على " موطأ الإمام مالك " رحمه الله؛ فإنه ليس فيه يَقِينًا؛ فقد قلبته - للتأكد - صفحة صفحة، ودققت فيه حَدِيثًا حَدِيثًا وَأَثَرًا أَثَرًا، فلم أجد لَهُ أَثَرًا! بل ولا أظن أن له أَصْلَا في شيء من دواوين السنة التي تروي الأحاديث والآثار بالأسانيد، ويمكن أن يكون المؤلف نقلها من بعض كتب المتأخرين التي تَرْوِي من الروايات ما لا سنام لها ولا خطام! والله المستعان.
ثم رأيت هذا اَلْأَثَر قد ذكره ابن القطان في " النظر في أحكام النظر " (ق 63 / 2) فقال:
" وروي عن مالك: واحتجبت عائشة رضي الله عنها من أعمى. . . " إلخ.
فهذا يعني أنه ليس في " الموطأ " كما هو ظاهره، ونحوه قول الحافظ في
" التلخيص " عقب ما نقلته عنه آنِفًا من التوثيق:
" وعند مالك. . . ". ولعل قوله: " وعند " محرف من: " وعن ". والله أعلم.
__________
(1) قلت: قد أشار ابن عبد البر إلى هذا الحديث في كتابه العظيم ((التمهيد)) وقال (16 / 236) :
((لم يروه إلا نبهان مولى أم سلمة، وليس بمعروف بحمل العلم، ولا يعرف إلا بهذا الحديث وحديث آخر)) .
5970 - (النظرة الأولى خطأ، والثانية عمد، والثالثة تُدَمّر. نَظَرُ المؤمن إلى محاسن المرأة سهم من سهام إبليس! مسموم، من تركها من خشية الله، ورجا ما عنده؛ أثابه اَللَّه بذلك عبادة تبلُغُه لذّتها) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع.
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " (6 / 101) من طريق أبي مهدي
عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن ابن عمر مَرْفُوعًا.
قلت: وهذا موضوع؛ آفته أبو مهدي - واسمه سعيد بن سنان الحمصي -؛ وهو متهم بالوضع، وقد تقدمت له أحاديث (294، 555، 604، 616، 957، 1115) .
"رواه البزار، وفيه الهيثم بن محمد بن حفص؛ وهو ضعيف، ويعقوب بن
محمد الزهري؛ ضعيف أيضاً ".
قلت: هو متابع عند سائر مخرجيه من غير واحد؛ فالعلة من الهيثم وأبيه.
6020 - (يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ! اتَّقِيْنَ اللهَ، والتمِسوا مَرْضاةَ أزواجِكُنًّ؛
فإن الْمَرْأَةَ لَوْ تَعْلَمُ ما حَقُّ زوجِها، لم تزلْ قائمةً مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع.
أخرجه البزار في مسنده المعروف بـ "البحر الزخار" (2/ 290 - 291)
ومن طريقه أبو نعيم في "أخبار أصبهان" (2/47) من طريق الحكم بن يعلى بن
عطاء المحاربي قال: نا عبد الغفار بن القاسم عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن
سلمة عن علي عن رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره. وقال البزار:
"لا يروى عن علي إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو موضوع؛ آفته عبد الغفار هذا، قال علي بن المديني وأبو داود:
"كان يضع الحديث".
والحكم: متروك، وبه أعله الهيثمي في "المجمع" (4/309) ، ثم الحافظ ابن
حجر في "زوائد مسند البزار" (ص 154) ! فقصَّرا؛ لأن شيخه عبد الغفار شر منه
- كماسبق -.
وللشطر الثاني منه شاهد من حديث معاذ مرفوعاً بلفظ:
"لَوْ تَعْلَمُ الْمَرْأَةُ حَقَّ الزَّوْجِ مَا قَعَدَتْ مَا حَضَرَ غَدَاؤُهُ وَعَشَاؤُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهُ ".
أخرجه البزار (2/ 180/ 1471 - كشف الأستار) ، والطبراني في "المعجم
الكبير" (20/160/333) من طريق فضيل بن سليمان النُّمَيري: ثنا موسى بن عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بن سُلَيْمَانَ الأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بن جَبَلٍ ... به. قال الهيثمي:
"رواه البزار والطبراني، وفيه عبيد (الأصل: عبيدة) بن سليمان الأغر؛ ولم
أعرفه، ولا أعرف لأبيه من معاذ سماعاً، وبقية رجاله ثقات ".
وتعقبه الحافظ في "زوائده " بقوله:
"قلت: بل عبيد معروف، والإسناد حسن "!
كذا قال! وفيه عندي نظر من وجهين:
الأول: أن الفضيل بن سليمان النميري - وإن كان من رجال الشيخين؛ فقد -
ضعفه جمهور الأئمة، ولم يوثقه غير ابن حبان (7/316 -317) ! فشذ؛ ولذلك
أورده الذهبي في "الضعفاء " وقال (515/4958) :
"فيه لين. قال أبو حاتم وغيره: ليس بالقوي. وقال أبو زرعة: لين. وقال ابن
معين: ليس بثقة".
وذكر مثله في "الكاشف ". وقال الحافظ نفسه في "التقريب ":
"صدوق، له خطأ كثير".
قلت: فمثله لا يحتج به؛ وإنما يستشهد به، وقد قال الحافظ في "مقدمة فتح
الباري " (ص 435) :
"ليس له في "البخاري" سوى أحاديث؛ توبع عليها".
ثم ذكرها، مع بيان من تابعه عليها.
والوجه الآخر: أن المعروف إنما هو (عبيد بن سلمان الأغر) ؛ كذلك هو في
"التهذيب " وغيره، فإن كان هو هذا؛ فيكون قوله في هذا الإسناد: " ... سليمان ... "؛
من أوهام النميري. والله أعلم.
6043 - (إذا تَطَيَّبَت المرأةُ لغيرِ زوجِها فإنما هو نارٌ في شَنَار) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط " (2/166/2/7539) : حدثنا
محمد بن أبان: ثنا عبد القدوس بن محمد: حدثتني أمي حبيبة بنت منصور:
حدثتني أم سليمة بنت شعيب بن الحبحاب عن أبيها عن أنس بن مالك: أن
رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ... فذكره، وقال:
"لا يروى عن شعيب إلا بهذا الإسناد".
قلت: وهو ضعيف مجهول؛ حبيبة وأم سليمة لم أجد لهما ذكراً في شيء
من كتب الرواة، ولا ذكرهما الذهبي في (فصل النساء المجهولات) من آخر
"الميزان"، ولذا قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (5/157) :
"رواه الطبراني في "الأوسط "، وفيه امرأتان لم أعرفهما، وبقية رجاله
ثقات ".
وقد وجدت للحديث شاهداً، ولكنه موقوف، وإسناده واهٍ، يرويه نعيم بن
حماد: ثنا بقية بن الوليد عن يزيدَ بنِ عبد الله الجهني عن أنس بن مالك رضي
الله عنه قال:
دخلت على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معها (1) ، فقال الرجل: يا أم
المؤمنين! حدثينا عن الزلزلة؟ فأعرضت عنه بوجهها. قال أنس: فقلت لها:
حدثينا يا أم المؤمنين عن الزلزلة؟ فقالت: يا أنس! إن حدثتك عنها عشت حزيناً،
وبعثت وذلك الحزن في قلبك. فقلت: يا أماه! حدثينا؟ فقالت:
إن المرأة إذا خلعت ثيابها في غير بيت زوجها، هتكت ما بينها وبين الله عز
وجل من حجاب.
وإن تطيبت لغير زوجها كان عليها ناراً وشناراً.
فإذا استحلوا الزنا، وشربوا الخمور بعد هذا، وضربوا المعازف؛ غار الله في
سمائه، فقال للأرض: تزلزلي بهم، فإن تابوا ونزعوا، وإلا؛ هَدَمَها عليهم.
فقال أنس: عقوبة لهم؟ قالت: رحمة وبركة وموعظة للمؤمنين، ونكالاً
وسخطة وعذاباً للكافرين.
قال أنس: فما سمعت بعد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثاً أنا أشد به فرحاً مني بهذا
الحديث، بل أعيش فرحاً، وأبعث حين أبعث وذلك الفرح في قلبي - أو قال: في
نفسي -. أخرجه الحاكم (4/516) وقال:
"صحيح على شرط مسلم "! وتعقبه الذهبي بقوله:
9 قلت: بل أحسبه موضوعأً على أنس، ونعيم منكر الحديث إلى الغاية، مع
أن البخاري روى عنه ". قلت: هذا الإطلاق يوهم أن البخاري روى له محتجاً به، وليس كذلك؛ فإنه
إنما روى له مقروناً بغيره؛ كما قال الذهبي في "الميزان "، والحافظ في "التهذيب "،
وغيرهما ممن تقدم أو تأخر، مع قلة ما روى عنه، فقد قال الحافظ في "مقدمة
الفتح " (ص 447) :
"لقيه البخاري، ولكنه لم يخرج عنه في "الصحيح " سوى موضع أو موضعين،
وعلق له أشياء أخر، وروى له مسلم في المقدمة موضعاً واحداً ... ".
ثم حكى اختلاف العلماء فيه: ما بين موثِّق، ومضعِّف، وناسب له إلى
الوضع، وبسط أقوالهم في "التهذيب "، ويتلخص منها ما قاله في "التقريب ":
"صدوق يخطئ كثيراً".
قلت: ولذلك فإن الشيخ التويجري لم يصب في تعقبه - في كتابه "الصارم
المشهور" (ص 33) - الحافط الذهبيَّ - بعد أن نقل عنه ما تقدم -:
"قلت: وهذا تحامل من الذهبي على نعيم بن حماد، ولم يكن بهذه المثابة،
وإنما أنكر عليه بعض أحاديثه لا كلَّها ... ".
قلت: أوَ لا يكفي هذا في تضعيف ما تفرد به من الحديث؟! ثم قال:
"وروى عنه البخاري في "صحيحه " ومسلم في مقدمة (صحيحه) ".
قلت: قد عرفت قلة ما روى عنه البخاري، وأنه لم يحتج به. وكذلك يقال
في رواية مسلم له في "المقدمة"؛ فإنه:
أولاً: لم يرو لى فيها حديثاً مرفوعاً إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما في تجريح عمرو بن
عبيد المعتزلي، فقد روى فيها (1/17) من طريقين عنه بسنده عن يونس بن عبيد
قال: "كان عمرو بن عبيد يكذب في الحديث ".
وثانياً: أنه روى له هذا في الشواهد؛ فقد أتبعه بالرواية بسندين آخرين عن
غير يونس تكذيبَ عمرو بن عبيد.
فإذن؛ لا قيمة لرواية الشيخين لنعيم بن حماد، وبخاصة بعد ثبوت جرح
جمع له لسوء حفظه، وكثرة وهمه، وكذلك لا قيمة لتوثيق من وثقه، الذي
جنح إليه التويجري معرضاً عن قاعدة علماء الحديث: "الجرح مقدم على
التعديل "، ولا غرابة في ذلك؛ فإنه حديث عهد بهذا العلم الشريف؛ كما يدل
عليه كتابُه هذا، وكثرة الأحاديث الضعيفة التي فيه ساكتاً عنها، ومغرراً قرّاء
كتابه بها، ظنّاً منهم أنه لا يسكت عن الضعيف!
وإن مما يؤكد ما ذكرته أمرين اثنين:
الأول: أنه وقف عند جوابه عن إعلال الذهبي الحديث بنعيم بن حماد، فرد
عليه بما عرفت وهاءه، ثم أتبعه بقوله:
"وأيضاً، فلم ينفرد نعيم بهذا الحديث، بل قد تابعه عليه محمد بن ناصح،
رواه عن بقية بن الوليد بنحوه. رواه ابن أبي الدنيا، فبرئ نعيم من عهدته. والله
أعلم ".
وأقول: كلا؛ لأن التبرئة لا تَحَقَّقُ إلا إذا ثبتت عدالة محمد بن ناصح هذا؛
لاحتمال أن يكون مجهولاً، أو يسرق الحديث أو غير ذلك من العلل القادحة، وقد
ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/324) برواية محمد بن الليث (الأصل:
أبي الليث) الجوهري وابن أبي الدنيا، قال: "وغيرهما"، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. والأمر الآخر: أننا لو سلمنا جدلاً بالتبرئة المذكورة؛ فإنه يرد على الشيخ
مؤاخذتان هامتان:
الأولى: أن في الإسنادين علتين فوق نعيم بن حماد:
1 - بقية بن الوليد: فإنه مدلس وقد عنعنه من طريق نعيم كما رأيت، ومن
طريق محمد بن ناصح كما سترى. ومن المعروف في علم المصطلح أن العنعنة من
المدلس علة تقدح في ثبوت الحديث، وبخاصة إذا كان من مثل بقية الذي قال فيه
أبو مسهر:
(أحاديث بقية ليست نقية؛ فكن منها على تقية ".
2 - يزيد بن عبد الله الجهني: الظاهرأنه من شيوخ بقية المجهولين، فإنه لا
يعرف إلا بروايته عنه، ولم أجد له ذكراً في شيء من كتب الرجال القديمة
الأصول؛ مثل: "تاريخ البخاري" و "الجرح والتعديل" وغيرهما، وإنما ذكره الذهبي
في "الميزان "، وساق له برواية بقية عنه عن هاشم الأوقص عَنْ ابْنِ عُمَرَ مرفوعاً:
، من اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفي ثمنه درهم حرام ... " الحديث، وقد
سبق تخريجه برقم (844) ، وذكرت هناك أن بقية اضطرب في إسناده؛ فراجعه.
والمقصود: أن الذهبي لم يذكر في ترجمة الجهني هذا غير هذا الحديث،
وقال فيه: "لا يصح ". ووافقه العسقلاني.
قلت: فهو مجهول العين؛ فلا أدري أعلم الشيخ التويجري بهاتين العلتين أم
تجاهلهما؟! وسواء كان هذا أو ذاك: أفيجوز لمثله أن يتطاول على الحافظ الذهبي وأن
ينسبه إلى التحامل! وهو من هو في هذا العلم ونقد الرواة والمتون؟!
ومما سبق تعلم أن تصحيح الحاكم لهذا الإسناد على شرط مسلم هو من
أفحش أخطائه الكثيرة في "مستدركه "!
والمؤاخذة الأخرى: أنه دلس على القراء: فأوهمهم بالمتابعة التي ادعاها أنها
متابعة تامة مطابقة لسياق نعيم بن حماد إسناداً ومتناً، وليس كذلك، وبيانه من
وجهين:
الأول: أن ابن أبي الدنيا قال: حدثنا محمد بن ناصح: حدثنا بقية بن
الوليد عن يزيد بن عبد الله الجهني: حدثني أبو العلاء عن أنس بن مالك: أنه
دخل على عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ورجل معه، فقال لها الرجل: يا أم المؤمنين!
حدثينا عن الزلزلة؛ فقالت:
إذا استباحوا الزنا ... إلخ.
هكذا ساقه ابن القيم رحمه الله في كتابه "إغاثة اللهفان من مصائد
الشيطان " (ص 264 - طبعة الحلبي) ، ومنه نقل الشيخ التويجري - فيما أظن -،
ومن عادته أن لا يعزو إلى المصدر الذي نقل عنه، وهذا من سيئات مؤلفاته،
وبخاصة إذا كان المصدر مما لم يطبع بعد؛ ككتاب ابن أبي الدنيا هذا، وأظنه "ذم
الملاهي، له، وقد كنت استنسخته من نسخة مخطوطة الظاهرية، ثم تبين أن فيها
خرماً في منتصفها، فأهملته، ثم لا أدري أين بقيت المنسوخة.
والمقصود أن محمد بن ناصح زاد في الإسناد: (أبو العلاء) بين الجهني
وأنس. فمن أبو العلاء هذا؟ لا أدري، ولا الشيخ نفسه يدري! وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى في سرد الكنى" (1/405 - 409) فيمن يكنى بأبي العلاء - جمعاً
كثيراً من الرواة، ثلاثة منهم رووا عن أنس:
1 - يزيد بن درهم: عن أنس.
2 - صَبيح الهذلي: رأى أنساً، لين.
3 - موسى القتبي: سمع أنساً.
1 - أما يزيد بن درهم: فهو مختلف فيه؛ فوثقه الفلاس، وقال ابن معين:
"ليس بشيء ". انظر "الميزان " و"اللسان ".
2 - وأما صَبيح الهذلي: فله ترجمة في "التاريخ الكبير" (2/2/325) - وهو
عمدة الذهبي في قوله: "رأى أنساً "، وتمامه عنده: " ... ينبذ له في جرة" -،
وذكره ابن حبان في "الثقات " (4/385) :
"يروي عن أنس بن مالك، وعنه حماد بن سلمة وعبد العزيز بن المختار".
3 - وأما موسى القُتَبي: فذكره البخاري وابن أبي حاتم برواية حماد بن سلمة
عنه، ولا أستبعد أن يكون الذي قبله، ويكون "صبيح " لقباً له. ولعل عدم ذكر
ابن حبالت له بترجمة مفردة يشعر بذلك. والله أعلم.
وجملة القول: أن أبا العلاء في سند ابن أبي الدنيا لا يعرف من هو من بين
هؤلاء الثلاثة. فإن كان أحدهم؛ فليس فيهم من تطمئن النفس للثقة بعدالته
وحفظه.
هذا هو الوجه الأول مما يؤاخذ عليه الشيخ.
والوجه الآخر: - وهو الأهم -: أنه ليس في رواية ابن أبي الدنيا الفقرتان
الأوليان المتعلقتان بالمرأة تخلع ثيابها وتَطَيَّبُ لغير زوجها - وهما موضع الشاهد في
بحث الشيخ -، فلو أن سند الرواية كان صحيحاً؛ لم يجز للشيخ ولا لغيره - هدانا
الله وإياه - أن يوهم القراء ما تقدمت الإشارة إليه، كما هو ظاهر. والله المستعان.
لكن مما يجب التنبيه عليه، أن الشطر الأول من حديث عائشة المتعلق
بالمرأة تخلع ثيابها قد صح من طريق أخرى عنها، ومن حديث أم الدرداء أيضاً،
وهما مخرجان في كتابي "آداب الزفاف في السنة المطهرة" (ص 140 - 141/
الطبعة الجديدة - عمان) ، فاقتضى التنبيه، وأن سوق حديث عائشة من رواية نعيم
ابن حماد؛ إنما كان من أجل أن فيه الفقرة الثانية الشاهدة لحديث الترجمة ...
فاستلزم ذلك تحقيق الكلام فيه، وبيان أنه لا يصبح شاهداً؛ لوقفه ووهائه. والله
ولي التوفيق.
ثم إن الذي في نسخة "الأوسط " المصورة: "أم سليمة"، وفي نسخة "مجمع
البحرين في زوائد المعجمين" المصورة من مكتبة الحرم المكي: "أمي سليمة"، ولما
لم نجد لها ترجمة؛ لم نتمكن من معرفة الراجح منهما. والله أعلم.
ومن الغريب أن الشيخ التويجري حين يحاول تقوية حديث عائشة بدفاعه
عن نعيم بن حماد لا يَشْعُرُ أنه يقيم الحجة به على نفسه لقول أنس عنها:
" فأعرضت بوجهها عنه "؛ لأن الإعراض بالوجه في مثل هذه الحالة لا يتبادر
لذهن العربي إلا أن الوجه مكشوف! ولكني لا أستبعد على الشيخ أن يسلط عليه
معول التأويل حتى يخرجه عن دلالته الظاهرة؛ كما فعل في غيره من النصوص
الصريحة الدلالة على خلاف رأيه!
__________
(1) كذا، رفي رواية ابن أبي الدنيا الآتية: " معه " ... ولعلها الصواب.
6073 - (لا تكونُ المرأةُ حَكَمَاً تقضي بين الناس) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه الديلمي (3/174) من طريق علي بن المديني: حدثنا عبد الكريم
البصري عن عمر بن زيد بن مهران عن عطاء عن عائشة قالت: قال رسول الله
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد مظلم؛ عمر بن زيد بن مهران لم أعرفه، ومن المحتمل أن
يكون الذي في "كامل ابن عدي" (5/1687) :
"عمربن يزيد المدائني، منكر الحديث عن عطاء وغيره".
وعبد الكريم البصري: هو من طبقة عبد الكريم بن روح بن عنبسة أبي سعيد
البصري مولى عثمان، وهو ضعيف. فيحتمل أن يكون هو هذا.
والحديث في "الجامع الكبير" أيضاً!
6110 - (مَن نظرَ إلى فرجِ امرأةٍ؛ لم تَحِلَّ له أمُّها ولا ابنتُها) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه ابن أبي شيبة في "المصنف " (4/165) : جرير بن عبد الحميد
عن حجاج عن أبي هانئ قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره.
قلت: وهذا إسناد ضعيف مرسل، أبو هانئ هذا لم أعرفه، وقد ذكر الذهبي
في "المقتنى" خمسة بهذه الكنية وسماهم، ولم يتبين لي أنه منهم، وكلام
البيهقي الآتي يشعر بأنه مجهول لا يعرف.
والحجاج الظاهر أنه ابن أرطاة، وبه جزم البيهقي، وهو كوفي، وكذا الراوي
عنه جرير بن عبد الحميد، قال البيهقي في (باب الزنا لا يحرم الحلال) من "السنن
الكبرى، (7/ 170) :
"وأما الذي يروى فيه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا نظر الرجل إلى فرج المرأة؛ حرمت عليه أمها وابنتها"؛ فإنه إنما رواه الحجاج بن أرطاة عن أبي هانئ، أو أم هانئ عن
النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وهذا منقطع، ومجهول، وضعيف، الحجاج بن أرطاة لا يحتج به فيما
يسنده، فكيف بما يرسله عمن لا يعرف؟! ".
وجزم الحافظ في "الفتح " (9/156) بأنه حديث ضعيف، وعزاه لابن أبي
شيبة من حديث أم هانئ؛ كذا وقع فيه: (أم هانئ) ... والصواب: (أبو هانئ) - كما
سبق عن "المصنف " -، وكذلك وقع في "الدر المنثورة (2/136) معزواً لابن أبي
شيبة، ووقع عند البيهقي معلقاً على الشك: (أبي هانئ، أو: أم هانئ) - كما
رأيت -، فإن كان محفوظاً؛ ففيه إشارة إلى أن الراوي لم يحفظه جيداً، ولعل ذلك
من الحجاج أو من شيخه الذي أسقطه من الإسناد؛ فإنه مشهور بالتدليس. والله
أعلم.
6111 - (إذا نكحَ الرجلُ المرأةَ فلا يحلُّ له أن يتزوّج أمَّها دَخَلَ
بالابنةِ أو لم يدخُلْ، وإذا تزوجَ الأمَّ فلم يدخلْ بها ثم طَلَّقها؛ فإن شاءَ
تزوجَ الابنةَ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
قال السيوطي في "الدر المنثور" (2/135) :
"أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في
"سننه " من طريقين عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قال: ... " فذ كره.
وأقول: لقد كنت خرجت الحديث في "الإرواء" (6/286/1879) بلفظ:
"أيما رجل نكح امرأة ... " الحديث، وبينت علته، وذكرت من ضعفه من الأئمة بما
يغني عن إعادة ذلك هنا، وإنما أوردته هنا بتخريج السيوطي المذكور لفوائد جديدة
وغيرها من الأمور الآتية:
أولاً: اقتصر السيوطي في "الجامع الكبير" في تخريجه على البيهقي فقط!
وفي ذلك دلالة على أنه قد يوجد في الكتاب غير الختص بالحديث من الفواثد ما
لا يوجد في المختص فيه.
ثانياً: أخرجه عبد الرزاق في (المصنف " (6/276/10821 و278/10830)
مفرقاً في موضعين، قال: أخبرني من سمع المثنى بن الصباح عن عمرو بن
شعيب ... به، وقد وصله ابن جرير والبيهقي من طريق ابن المبارك قال: أخبرنا
المثنى ابن الصباح ... به. وقد تابعه ابن لهيعة عن عمرو، كما كنت خرجته
هناك، ومنهم الترمذي وقال:
"لا يصح ... ، والمثنى وابن لهيعة يضعفان في الحديث ".
ثالثاً: حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده حسن؛ كما تقرر عند المحققين
من أهل العلم إذا ثبت السند إليه، فقد يقول قائل: ألا يتقوى حديثه هذا بمتابعة
المثنى لابن لهيعة؟ وما وجه جزم الترمذي مع ذلك بأنه لا يصح؟
قلت: الجواب: قال الحافظ في (تخريج أحاديث الكشاف " (4/ 41) عقب
قول الترمذي المذكور:
"ويشبه أن يكون ابن لهيعة أخذه عن المثنى؛ لأن أبا حاتم قال: "لم يسمع
ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئاً؛ فلهذا لم يرتق هذا الحديث إلى درجة
الحسن".
رابعاً: وخفي هذا التحقيق من الحافظ والإعلال من ابن أبي حاتم على
الشيخ أحمد شاكر رحمه الله؛ فذهب في تعليقه على "تفسير ابن جرير" (8/146)
إلى تقوية الحديث بمتابعة ابن لهيعة هذه، ولم يتنبّه إلى أن مدارها على ابن المثنى!
ويؤكد ذلك ما في "التهذيب ":
"وقال أحمد بن حنبل: كتب (ابن لهيعة) عن المثنى بن الصباح عن عمرو
ابن شعيب، فكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب "!
قلت: والظاهر أن ذلك كان عن نسيان منه؛ كما أشار إلى ذلك ابن عدي في
آخر ترجمته إياه (4/154) ، وذكر فيها هذا الحديث فيما استنكر عليه. وهذا هو
السبب في خلو (مسند ابن عمرو) في "مسند أحمد" من رواية ابن الهيعة عن
عمرو بن شعيب. مع أن فيه من رواية آخرين عنه، منهم المثنى كما تقدم. فخذها
فائدة قد لا تجدها في غير هذا المكان.
خامساً: لم يكتف أحمد شاكر بها سبق ذكره عنه؛ بل قال في المثنى:
"نرى أن حديثه حسن؛ لأنه اختلط أخيراً، كما فصلناه في "المسند" في
الحديث 6893 ".
قلت: وإذا رجع القارئ إلى المكان المشار إليه؛ وجد أنه ذكر تضعيفه عن أبي
حاتم وأبي زرعة وابن سعد والنسائي وغيرهم، وقد اختلط في آخر عمره ... قال
بعد أن نقل عن البخاري اختلاطه:
"ولعل هذا أعدل ما قيل فيه ".
فأقول: لو سلمنا بهذا؛ فمن المعلوم أن حديث المختلط ضعيف عند، المحدثين:
إلا إذا حدث به قبل الاختلاط، وكان هو في نفسه ثقة، وكل من الأمرين هنا غير
متحقق؛ أما الأول: فلأنه لا يدرى هل حدث بهذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده؟
والأخر: فلأنهم قد أجمعوا على تضعيفه إلا رواية عن ابن معين، لكنه في
روايتين أخريين عنه ضعفه، فهذا أولى بالاعتماد؛ لموافقته لأقوال الأئمة الآخرين،
فإنها مجمعة على تضعيفه، وإن اختلفت عباراتهم؛ ولذلك قال ابن عدي في آخر
ترجمته (6/425) :
"وقد ضعفه الأئمة المتقدمون، والضعف على حديثه بَيِّن ".
بل قد ضعفه جدّاً بعضهم، فقال النسائي وابن الجنيد:
"متروك الحديث ". وقال الساجي:
"ضعيف الحديث جدّاً، حدث بمناكير يطول ذكرها".
قلت: فكيف يستقيم تحسين حديث من هذا حاله؟!
سادساً: وأنكر مما سبق ما وقع في تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن "
(5/106 -107) :
" أخرجه في الصحيحين "!
وهذا وهم محض، ولعله من بعض النساخ. والله أعلم.
6243 - (عِنْدَ أُمِّكَ قِرَّ؛ فَإِنَّ لَكَ مِنَ الأَجْرِ عِنْدَهَا مِثْلَ مَا لَكَ فِي
الْجِهَادِ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع.
أخرجه عبد الرزاق (8/463) ، وعنه الطبراني (11/410) عن يحيى بن
العلاء عن رشدين بن كريب - مولى ابن عباس - عن أبيه عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ قال:
جاء رجل وأمه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو يريد الجهاد، وأمه تمنعه، فقال: ...
فذ كره. قال:
وجاءه رجل آخر، فقال: إني نذرت أن أنحر نفسي! فشغل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
فذهب الرجل، فوجد يريد أن ينحر نفسه، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
"الحمد لله الذي جعل في أمتي من يوفي النذر، ويخاف {يوماً كان شره
مستطيراً** هل لك من مال؟ "، قال: نعم. قال: "اهد مائة ناقة، واجعلها في
ثلاث سنين، فإنك لا تجد من يأخذها منك معاً ".
ثم جاءته امرأة فقالت: إني رسولة النساء إليك ... الحديث مثل رواية مندل ابن علي العنزي المذكورة في الحديث الذي قبله.
قلت: وهذا موضوع؛ أفته يحيى بن العلاء فإنه كان يضع الحديث، وقد
تقدمت له أحاديث فراجعه في (فهارس الرواة المترجم لهم) .
وشيخه رشدين ضعيف، وبه فقط أعله الهيثمي في مواضع من "المجمع"
(4/189 و 306 و5/322) وقال في الموضع الأول:
"وهو ضعيف جداً جداً "!
كذا فيه بتكرار جداً، فلعله من الناسخ أو الطابع؛ فإنه غير معهود منه،
وإعلاله بيحيى بن العلاء أولى كما لا يخفى على العلماء، فلعله لم يتنبه له.
وأسوأ منه سكوت المعلق الأعظمي على "المصنف"؛ فلم يعله لا بهذا ولا بذاك،
وهذا مما لا يجوز له باتفاقهم؛ لأنه من كتمان العلم، وهذا إن كان منهم، وإلا
ففاقد الشيء لايعطيه!!
ويغني عن هذا الحديث الموضوع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
" الزمها؛ فعقد الجنة عند رجليها".
وهو مخرج في "المشكاة" (4939) ، و"الإرواء" (1199) .
6382 - (إِذَا مَاتَتِ الْمَرْأَةُ مَعَ الرِّجَالِ لَيْسَ مَعَهُمُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا،
وَالرَّجُلُ مَعَ النِّسَاءِ لَيْسَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ غَيْرُهُ، فَإِنَّهُمَا يُيَمَّمَانِ وَيُدْفَنَانِ،
وَهُمَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ لاَ يَجِدِ الْمَاءَ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
موضوع.
أخرجه أبو داود في "المراسيل" (298/414) ، ومن طريقه البيهقي
في "السنن" (3/398) : حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ - يَعْنِى ابْنَ عَيَّاشٍ -
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِى سَهْلٍ عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... فذكره، وقال
البيهقي: «هَذَا مُرْسَلٌ» .
كذا قال ولم يزد، وهو ذهول عن كونه مرسلاً موضوعاً، آفته محمد بن أبي
سهل هذا، فقد جزم أبو حاتم وغيره بأن محمد بن أبي سهل هذا هو محمد بن سعيد
الشامي الكذاب المصلوب في الزندقة، وخفي ذلك على ابن حبان، فذكره في
"الثقات" (7/408) ، وبخلاف صنعه في محمد بن سعيد، فذكره في "الضعفاء"،
انظر تعليقي على ترجمته في كتابي الجديد: "تيسير الانتفاع " وقد تحرف اسم محمد
ابن أبي سهل في "مصنف عبد الرزاق" (3/413/6135) إلى (محمد الزهري) !
وأشار النووي إلى الحديث في "المجموع" (5/151) ، ولم يزد أيضاً على قوله:
"رواه البيهقي مرسلاً "!
قلت: وهارون بن عباد - هو: أبو موسى الأزدي الأنطاكي - لم يذكروا له راوياً
غير أبي داود ومحمد بن وضاح القرطبي، ولم يوثقه أحد، ولذا قال الحافظ:
"مقبول".
لكن تابعه عبد الرزاق - كما تقدم -. وقد خالفهما أبو بكر بن أبي شيبة فقال
في "مصنفه" (3/248) : حدثنا أبو بكر بن عياش عن ليث عن عطاء في المرأة
تموت مع الرجال؟ قال:
"تيمم، ثم تدفن في ثيابها. قال: والرجل كذلك ".
قلت: فلعل هذا الاختلاف في الإسناد إنما هو من أبي بكر بن عياش، فإنه
مع كونه من رجال البخاري، فهو قد تكلم فيه من قبل حفظه.
وقد روي مرفوعاً من طريقين آخرين واهيين:
أحدهما: عن نُعَيْم بن حَمَّادٍ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْخَالِقِ بن زَيْدِ بن وَاقِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَطِيَّةَ بن قَيْسٍ عَنْ بُسْرِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ سِنَانِ بن عَرَفَةَ - وَلَهُ صُحْبَةٌ - عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ مَعَ النِّسَاءِ وَالْمَرْأَةِ تَمُوتُ ... إلخ.
أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (7/119 - 120) .
قلت: وعبد الخالق هذا، قال البخاري:
"منكر الحديث". وقال النسائي:
"ليس بثقة". وبه أعله الهيثمي (3/23) ، إلا أنه قال:
"وهو ضعيف".
قلت: ونعيم بن حماد: ضعيف أيضاً، بل قد اتهمه بعضهم - كما تقدم مراراً -.
وإذا عرفت ما تقدم، فإيراد سنان هذا في "الصحابة" لهذا الحديث الواهي
إسناده مما لا يخفى فساده، وبخاصة مع السكوت عن بيان وهائه، كما فعل الحافظ
في "الإصابة"، وقد عزاه للبارودي وابن السكن أيضاً من طريق بسر بن عبيد الله!
لم يذكر ما دونه من الإسناد المبين لضعفه! فقد يتوهم منه الكثيرون أنه ثابت!
لأن بسراً هذا ثقة، إلا لابتدأ بإسناده من الموضوع الضعيف منه - كما عليه عرف
العلماء وعملهم ومنهم الحافظ نفسه - ولذلك فقد أحسن الذهبي حين قال في
"التجريد" (1/241) :
"سنان بن غرفة له صحبة. روى عنه بسر بن عبيد الله إن صح".
فأشار رحمه الله إلى أنه لا يصح.
والطريق الآخر: يرويه بشر بن عون الدمشقي: حدثنا بكار بن تميم عن
مكحول عن وائلة بن الأسقع مرفوعاً ... به مقتصراً على جملة المرأة فقط.
أخرجه ابن عساكر في "التاريخ" (3/347) مع حديثين آخرين بهذا الإسناد.
وبشر بن عون وبكار بن تميم، قال ابن أبي حاتم عن أبيه:
"مجهولان".
والأول أورده ابن حبان في "الضعفاء" (1/190) وقال:
"يروي عن بكار بن تميم عن مكحول عن وائلة نسخة فيها ستمائة حديث،
كلها موضوعة، لا يجوز الاحتجاج به بحال ".
ثم ساق له أحاديث ثلاثة أخرى، وتقدم أحدها برقم (5756) .
واعلم أن الآثار في هذا الباب مختلفة، فبعضها بمعنى هذا الحديث. وفي
بعضها أن المرأة يصب عليها الماء صباً فوق الثياب صباً. وروى ابن أبي شيبة
والبيهقي من طريق مطر عن نافع عَنْ ابْنِ عُمَرَ:
في المرأة تموت مع الرجال؟ قال: تغمس في الماء. ولفظ البيهقي:
ترمس في ثيابها.
6391 - (كَانَت المرأةُ إذا جاءت النبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم [مُهاجِرَةٌ] حَلَّفَها عمرُ
باَللَّهِ مَا خَرَجَتْ رَغْبَة بأرضٍ عَنْ أَرْض، وباللَّهِ مَا خَرَجَتْ اِلْتِمَاس دُنْيَا،
وَباللَّهِ مَا خَرَجَتْ إِلَّا حُبّاً لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
أخرجه ابن جرير في "التفسير" (28/44) ، والبزار (3/75/2272)
- والسياق له -،من طريق قيس بن الربيع، عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن
حصين عن أبي نصر [الأسدي] عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ في قوله تبارك وتعالى: {إذا
جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن** ، قال: ... فذكره.
وقال:
" لا يروى عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ إلا بهذا الإسناد، وأبو نصر لم يرو عنه إلا خليفة ".
قلت: وذكره البخاري في "الكنى" (76/725) ، وابن أبي حاتم (4/2/448
- 449) برواية خليفة هذا عنه، وسكت عنه البخاري، وقال ابن أبي حاتم:
"سئل أبو زرعة عنه؟ فقال: كوفي ثقة".
قلت: إذا كان لا يعرف إلا برواية خليفة، فمن الصعب أن تعرف ثقته،
وكأنه لذلك قال الذهبي في "المغني:
"لا يعرف". وقال الحافظ في "التقريب":
"مجهول".
وقد روى له البخاري معلقاً في "صحيحه" أثراً آخر عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ، فقال عقبه:
"ويذكر عن أبي نصر أن ابن عباس ... " وقال (9/153) :
"وأبو نصر هذا لم يعرف بسماعه من ابن عباس".
وقيس بن الربيع مختلف فيه، والراجح فيه أنه - كما قال الذهبي في "المغني" -:
"صدوق سيء الحفظ".
ونحوه قول الحافظ في "التقريب":
"صدوق، تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه فحدث به".
قلت: فقول السيوطي في "الدر المنثور" (6/208) بعدما عزاه لجمع غير المذكوريْن:
"بسند حسن"، لا يخفى ضعفه.
وقد صدّره الحافظ ابن رجب في "شرح الأربعين" (ص 9) بصيغة:
"روي"، مشيراً لضعف إسناده، فأصاب.
وقال الهيثمي في "المجمع" (7/123) :
"رواه البزار، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري، وضعَّفه غيرهما،
وبقية رجاله ثقات".
وتعقبه الحافظ في "مختصر الزوائد" فقال (2/112) :
قلت: أعله الشيخ بـ (قيس) ، وقد ذكر البخاري أن (أبا نصر) لم يسمع من
ابن عباس، فهي العلة ".
6392 - (قال لقد زَوَّجْتُكِ غيرَ دجَّالٍ. يعني علياً) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
ضعيف.
أخرجه العقيلي في "الضعفاء" (4/165) من طريق قيس بن
الربيع عن موسى بن قيس عن حُجر بن عنبس قال:
لما زوج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فاطمة من علي رضي الله تعالى عنهما قال: ... فذكره.
أورده في ترجمة موسى بن قيس - وهو الحضرمي - هذا، وقال:
"يلقب عصفور الجنة، من الغلاة في الرفض، يحدث بأحاديث رديئة بواطيل".
قلت: تفرد العقيلي برميه بالرفض، وما رواه عنه أن الثوري قال له: أيهما
أحب إليك أبو بكر أو علي؟ قال: قلت: علي. فهذا - وإن كنا لا نوافقه عليه - ليس رفضاً، فكثير من السلف كانوا يفضلون علياً، فليس هذا بالذي يقدح فيه، ولا
سيما وقد روى عبد الله بن أحمد في "العلل" (1/125 و241) عن أبيه أنه قال فيه:
"ما أعلم إلا خيراً ".
ولذلك لم يضعفه أحد، بل صرّح بتوثيقه جمع من المتقدمين والمتأخرين،
وفي "ثقات ابن شاهين" (305/1291) ما نصه:
"وقال ابن نمير: موسى بن قيس. قال: كان ثقة، روى عنه الناس، وهو
حضرمي ".
وهذا الحديث المرفوع هو الوحيد الذي ذكره العقيلي في ترجمته، وكان من
الممكن أن يدان به، أو أنه كان سالماً من علة ممن دونه أو فوقه. والواقع خلاف
ذلك، فإنه دونه - كما هو ظاهر - قيس بن الربيع، وفيه ضعف معروف، وكان له
ابن يدس فِي حَدِيثِه ما ليس منه.
وقد خالفه في متنه أبو نعيم الفضل بن دكين، فرواه عن موسى بن قيس ...
بلفظ:
"وهي لك يا علي! لستُ بدجال ".
أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (8/19 - 20) .
وتابعه عبد الله بن داود - وهو الخريبي -: ثنا موسى بن قيس ... به.
أخرجه البزار (2/151/1406) وقال:
"وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لستُ بدجال" يدل على أنه كان وعده، فقال: إني لا أخلف
الوعد".
ذكر ابن سعد نحوه.
قلت وهذا اللفظ من هذين الثقتين وهو الصحيح عن موسى بن قيس، وهو
مخالف للفظ قيس بن الربيع، فهو منكر، وقد كنت خرجت رواية عبد الله بن داود
من طريق الطبراني عن البزار، لكنها بلفظ:
"هي لك، على أن تحسن صحبتها".
قلت: خرجتها في "الصحيحة" (رقم 166) ، مصححاً إسناده. ثم تبينت
أنني كنت واهماً لأسباب:
الأول: أن هذا اللفظ مخالف لرواية البزار المذكورة، من ناحيتين:
إحداهما: أنه ليس عنده " "على أن تحسن صحبتها".
والأخرى: عنده ما ليس عند الطبراني: "لستُ بدجال". وهي أصح بداهة
لموافقتها لرواية ابن سعد.
والثاني: أن الهيثمي ذكر في "المجمع" (9/204) رواية الطبراني، دون زيادة
"على أن تحسن صحبتها". وكذلك ذكرها الحافظ في ترجمة حُجر بن قيس هذا
من "الإصابة"، فخشيت أن تكون هذه الزيادة مدرجة في كتاب الطبراني من
بعض النساخ.
والثالث: أن حجر بن عنبس، ويقال: ابن قيس، لم تثبت صحبته، فقال
الحافظ في "الإصابة" عقب الحديث:
"قلت: اتفقوا على أن حجر بن عنبس لم ير النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فكأنه سمع هذا من
بعض الصحابة".
قلت: هذا محتمل، كما يحتمل أن يكون سمعه من بعض التابعين، ولهذا
الاحتمال، جعل المحدثون الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف - كما هو معلوم -، بخلاف مرسل الصحابي فهو حجة، لأنه يغلب على الظن أنه تلقاه عن
صحابي مثله. فلما تبين لي أنه ليس بصحابي، رجعت عن تصحيح إسناده، والله
تعالى هو الهادي.
والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من طريق العقيلي، وقال:
"حديث موضوع، وضعه موسى بن قيس ... ".
قلت: وهذا من غلوائه، فإن موسى هذا لم يتهمه أحد بوضع، بل قد وثقه
جمع، وبهذا تعقبه السيوطي في "اللآلي" (1/365) ، وانظر "التهذيب"، و"تيسير
الانتفاع"، فالحديث علته الإرسال. والله تعالى أعلم.
6403 - (لَا تَزَالُ الْمَرْأَةُ تَلْعَنُهَا الْمَلَائِكَةُ، أَوْ يَلْعَنُهَا اللَّهُ وَمَلَائِكَتُهُ،
وَخُزَّانُ الرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ مَا انْتَهَكَتْ مِنْ مَعَاصِي اللَّهِ شَيْئاً) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر.
أخرجه البزار في "مسنده" (1/73/110) من طريق فُضَيْلِ بْنِ
سُلَيْمَانَ: أَنْبَأَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَلْمَانَ الْأَغَرِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ ... مرفوعاً.
قلت: وهذا إسناد ضعيف، وله ثلال علل:
الأولى: عبيد بن سليمان الأغر: اختلف فيه الشيخان: البخاري وأبو حاتم،
فليَّنه الأول، وقال أبو حاتم:
"بل يحول من (الضعفاء) " - كما في "الميزان" -. ونصه في "الجرح" (2/2/
407) :
"لا أرى فِي حَدِيثِه إنكاراً، يحوَّل من "كتاب الضعفاء" الذي ألفه البخاري".
وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/156) .
والثانية: فضيل بن سليمان: فإنه مع كونه من رجال الشيخين، فإنه كثير
الخطأ - كما قال الحافظ في "التقريب" -. ولم يذكر فيه الذهبي في "الكاشف" إلا
أقوال الجارحين، ولعله هو علة هذا الإسناد.
والثالثة: النكارة في المتن: فإن فيه مبالغة ظاهرة، غير معروفة في الأحاديث
الصحيحة، فإن اللعنة لا يستحقها من ارتكب شيئاً ما من المعاصي،ولا معنى
لتخصيص النساء بها. والله تعالى أعلم.