5786 - ( كان الذي أصاب سليمان بن داود عليه السلام في سبب امرأة من أهله يقال لها جرادة . وكانت أحب نسائه إليه ، وكان إذا أراد أن يأتي نساءه أو يدخل الخلاء ؛ أعطاهم الخاتم ، فجاء أناس من أهل الجرادة يخاصمون قوماً إلى سليمان عليه السلام ، فكان هوى سليمان أن يكون الحق لأهل الجرادة فيقضي لهم ، فعوقب حين لم يكن هواه فيهم واحداً ، فجاء حين أراد الله أن يبتليه فأعطاها الخاتم ، ودخل الخلاء ، وتمثل الشيطان في صورة سليمان ، قال : هاتي خاتمي . فأعطته خاتمه ، فلما لبسه ؛ دانت له الشياطين والإنس والجن ، وكل شيء . . . الحديث بطوله ؛ وفيه : أن الشيطان كان يأتي نساء سليمان وهن حيض ) .
قال الألباني في السلسلة الضعيفة :
منكر موقوف
. أخرجه النسائي في (( السنن الكبرى )) ( 6 / 287 / 10993 ) ، وكذا ابن أبي حاتم في (( التفسير )) ؛ كما في (( ابن كثير )) ( 4 / 36 ) ، وابن جرير ( 1 / 357 ) من طريق أبي معاوية : حدثنا الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : . . . فذكره موقوفاً عليه .
قلت : وهذا إسناد جيد ، رجاله ثقات رجال الشيخين ؛ غير المنهال بن عمرو ؛ فهو من أفراد البخاري ، وفية كلام يسير ، وقال الحافظ في (( التقريب )) :
(( صدوق ربما وهم )) .
ولذا ؛ قال الحافظ ابن كثير :
(( إسناده إلى ابن عباس قوي ؛ لكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما - إن صح عنه - من أهل الكتاب ، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام ، فالظاهر أنهم يكذبون عليه ، ولهذا ؛ كان في هذا السياق منكرات : من أشدها ذكر النساء . . . وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف رضي الله عنهم : كسعيد بن المسيب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين ، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب )) .
قلت : ويؤيد ما ذكره من التلقي : ما روى عبد الرزاق وابن المنذر ؛ كما في
(( الدر )) ( 5 / 310 ) عن ابن عباس قال :
أربع آيات من كتاب الله لم أدر ما هي ؛ حتى سألت عنهن كعب الأحبار . . . وسألته عن قوله تعالى : ( وألقينا على كرسيه جسداً ثم أناب ) ؛ قال : الشيطان أخذ خاتم سليمان عليه السلام الذي فيه ملكه . . . الحديث مختصراً (1) ؛ ليس فيه ذكر النساء . قال العلامة الآلوسي في (( تفسيره )) ( 12 / 199 ) :
(( ومعلوم أن كعباً يرويه عن كتب اليهود ، وهي لا يوثق بها ، على أن إشعار ما يأتي بأن تسخير الشياطين [ كان ] بعد الفتنة يأبى صحته هذه المقالة كما لا يخفى .
ثم إن أمر خاتم سليمان عليه السلام في غاية الشهرة بين الخواص والعوام ، ويستبعد جداً أن يكون الله تعالى قد ربط ما أعطى نبيه من الملك بذلك الخاتم ! وعندي أنه لو كان في ذلك الخاتم السر الذي يقولون ؛ لذكره الله تعالى في كتابه )) .
قلت : أو نبيه - صلى الله عليه وسلم - في حديثه . والله تعالى أعلم بحقيقة الحال .
وقال أبو حيان في (( تفسيره )) ( 7 / 397 ) :
(( نقل المفسرون في هذه الفتنة وإلقاء الجسد أقوالاً يجب براءة الأنبياء منها ، وهي مما لا يحل نقلها ، وهي من أوضاع اليهود والزنادقة )) . قال الآلوسي عقبه :
(( وكيف يجوز تمثل الشيطان بصورة نبي حتى يلتبس أمره على الناس ، ويعتقدوا أن ذلك المتصور هو النبي ! ولو أمكن وجود هذا لم يوثق بإرسال نبي . نسأل الله تعالى سلامة ديننا وعقولنا ! ومن أقبح ما فيها : تسلط الشيطان على نساء نبيه حتى وطئهن وهن حيض ! الله أكبر ! هذا بهتان عظيم ، وخطب جسيم . ونسبة الخبر إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تسلم صحتها ، وكذا لا تسلم دعوى قوة سنده إليه ، وإن قال بها من سمعت )) .
يشير إلى ما كان نقله عن ابن حجر والسيوطي أنهما قالا :
(( سنده قوي )) .
والحافظ ذكر هذا في (( تخريج الكشاف )) ( 4 / 142 ) . والسيوطي في (( الدر المنثور )) ( 5 / 310 ) ، وهما تابعان في ذلك الحافظ ابن كثير كما تقدم . ولا أوافق الآلوسي في عدم تسليمه بقوة السند ، لأنه الذي يقتضيه علم الحديث والجرح والتعديل ، لا سيما وهو موقوف ، وليس كل موقوف هو في حكم المرفوع كما هو معلوم ، وبخاصة إذا احتمل أنه من الإسرائيليات كهذا ، وهو مما نقطع به ؛ لما فيه من المخالفات للشرع كما تقدم ، وبخاصة أنه صح سنده عن ابن عباس أنه سأل كعباً كما تقدم .
ولتمام الفائدة أقول : قال أبو حيان في تمام كلامه السابق :
(( ولم يبين الله الفتنة ما هي ، ولا الجسد الذي ألقاه على كرسي سليمان ، وأقرب ما قيل فيه : أن المراد بالفتنة كونه لم يستثن في الحديث الذي قال : (( لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ، كل واحدة تأتي بفارس مجاهد في سبيل الله . ولم يقل : إن شاء الله . فطاف عليهن ، فلم تحمل إلا امرأة واحدة وجاءته بشق رجل . . . )) فالمراد بقوله : ** ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسداً ** ؛ هو هذا ، والجسد الملقى هو المولود : شق رجل )) .
وهو الذي استظهره الآلوسي وغيره ؛ كالشيخ الشنقيطي - رحمه الله - في
(( أضواء البيان )) ( 4 / 77 و 7 / 34 - 35 ) ، وقال بعد أن أشار إلى القصة :
(( لا يخفى أنه باطل لا أصل له . . . يوضح بطلانه قوله تعالى : ** إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين ** ، واعتراف الشيطان بذلك في قوله : ** إلا عبادك منهم المخلصين ** )) .
( تنبيه ) : لقد ذكر البغوي في (( تفسيره )) ( 4 / 64 ) حديث الترجمة بنحوه بقوله :
(( وروي عن سعيد بن المسيب قال : احتجب سليمان عن الناس ثلاثة أيام . . . ( الحديث وفيه : ) وذكر حديث الخاتم وأخذ الشيطان إياه كما روينا )) .
فعلق عليه المعلقان اللذان غررا بطلاب العلم بتسويد اسميهما على هذه الطبعة الجديدة من (( التفسير )) بطبعهما تحت اسم المؤلف (( إعداد وتحقيق خالد عبد الرحمن العك . مروان سوار )) ! فقالا : (( وهذا جزء من حديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ج 4 / 176 - 177 - و جـ 5 / 68 - 239 )) .
وهذا كذب صرف على (( مسند )) الإمام ، لا أدري والله هل كان ذلك قصداً منهما تشبعاً بما لم يعطيا ، أم هو الغفلة عن التحقيق المدعى والتصحيح ؟ ! لقد حاولت أن التمس لهما عذراً ، فحاولت أن أجد في صفحة التعليق وفي التي بعدها حديثاً مرفوعاً يمكن ربط التعليق به ، والاعتذار عنهما بأنهما أراداه به ، ولكنهما لم يتنبها لخطأ الطابع ، ولكني لم أجد في الصفحتين ما يمكن ربط التعليق به . والله المستعان .
__________
(1) ثم وقفت على إسناده في (( تفسير عبد الرزاق )) ( 3 / 165 - 166 ) قال : أخبرنا إسرائيل عن فرات القزاز عت سعيد بن جبير عن ابن عباس . وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .