قال الشيخ العلاّمة محمد بن صالح العثيمين
رحمه الله تعالى في مجموع فتاويه ورسائله
في مسألة العذر بالجهل :
(218) سُئل فضيلة الشيخ رحمه الله :
هل يجوز أن نطلق على شخص بعينه
أنه كافر ؟
فأجاب بقوله : نعم يجوز لنا أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر،
إذا تحققت فيه أسباب الكفر،
فلو أننا رأينا رجلًا ينكر الرسالة،
أو رجلًا يبيح التحاكم إلى الطاغوت،
أو رجلًا يبيح الحكم بغير ما أنزل الله،
ويقول : إنه خير من حكم الله بعد أن تقوم الحجة عليه، فإننا نحكم عليه بأنه كافر فإذا وجدت أسباب الكفر وتحققت الشروط وانتفت الموانع فإننا نكفر الشخص بعينه ونلزمه بالرجوع إلى الإسلام أو القتل . والله أعلم .
(219) سُئل فضيلة الشيخ :
هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين
إذا ارتكب مكفرًا ؟
فأجاب قائلًا : إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد،
فيعامل معاملة المرتد في الدنيا
هذا باعتبار أحكام الدنيا
أما أحكام الآخرة فتُذكر على العموم لا على الخصوص
ولهذا قال أهل السنة : لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي، صَلَّى الله عَلَيْهِ وسَلَّمَ .
وكذا نقول : من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين، إذ أن الحكم المعلق بالأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه .
(220) وسُئل فضيلة الشيخ : عن شروط الحكم بتكفير المسلم ؟
وحكم من عمل شيئًا مكفرًا مازحًا ؟
فأجاب - رحمه الله تعالى - بقوله :
للحكم بتكفير المسلم شرطان :
أحدهما : أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء
مما يكفر .
الثاني : انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالمًا بذلك قاصدًا له،
فإن كان جاهلًا لم يكفر .
لقوله تعالى : ** ومَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى ويَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمِنين نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وسَاءَتْ مَصِيرًا ** .
وقوله : ** وما كَانَ الله لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ **
وقوله : ** وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ** .
لكن إن فرط بترك التعلم والتبين، لم يعذر،
مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت،
ولا يبحث فإنه لا يكون معذورًا حينئذ .
وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك، مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان،
ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه، كقول صاحب البعير الذي أضلها،
ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقًا بالشجرة فأخذه،
وقال : اللهم أنت عبدي وأنا ربك
" أخطأ من شدة الفرح » .
لكن من عمل شيئًا مكفرًا مازحًا فإنه يكفر لأنه قصد ذلك، كما نص عليه أهل العلم .
(221) وسُئل فضيلته : عن حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك ؟
فأجاب بقوله : الجهل بالحكم فيما يكفر كالجهل بالحكم فيما يفسق،
فكما أن الجاهل بما يفسق يعذر بجهله فكذلك الجاهل بما يكفر يعذر بجهله ولا فرق
لأن الله عز وجل يقول : ** وما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وأَهْلُهَا ظَالِمُونَ ** .
ويقول الله تعالى :
** وما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا ** .
وهذا يشمل كل ما يعذب عليه الإنسان
ويقول الله عز وجل : ** وما كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ
إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ** .
لكن إذا كان هذا الجاهل مفرطًا في التعلم ولم يسأل ولم يبحث فهذا محل نظر .
فالجهال بما يكفر وبما يفسق إما أن لا يكون منهم تفريط وليس على بالهم إلا أن هذا العمل مباح فهؤلاء يعذرون، ولكن يدعون للحق فإن أصروا حكم عليهم بما يقتضيه هذا الإصرار،
وأما إذا كان الإنسان يسمع أن هذا محرم أو أن هذا مؤد للشرك ولكنه تهاون أو استكبر فهذا لا يعذر بجهله .
مجموع الفتاوى ( م 2 ص 124 - 127 )