اختي الحبيبة ام سلمى اهلا بك مجددا من الضروري الاشارة الى نقطة في منتهى الاهمية ، قبل الاجابة عن اسئلتك ان في حديثنا عن المشاكل النفسية الناتجة عن ظروف خاصة ومشاكل معقدة ، فإن هذا لا يعني ان من يمر بهذه الظروف ويحمل انعكاساتها وسلبياتها في نفسيته وتؤثر على سلوكه ونظرته الى نفسه والآخرين - بأنه شخص ذو مشاكل نفسية ابدا ، فالمشاكل والعقبات والاحزان والاوجاع لم تكن يوما جزءا من مكونات الانسان انما امور مضافة ، من الممكن التخلص منها ان تعقيدات الحياة وما فيها من بشر يجعل من الصعب على النفسيات الا تهتز وانما يبقى الانسان محتفظا بكيانه وشخصيته فيستطيع السيطرة على نفسه 1 / من هو برأيك يا أستاذة فاديا الانسان السليم نفسيا واجتماعيا ..؟ الانسان السليم نفسيا ، ليس الانسان الذي لا يعاني من مشاكل نفسية واجتماعية خلال تعامله مع نفسه ومع الغير وانما الانسان القادر على رؤية نفسه منفصلا عن مشاكله واوجاعه وهمومه - انا لست مشاكلي - الانسان السليم هو الانسان القادر على التواصل والتعاطي مع كل انواع البشر من حوله ، الاصدقاء والاعداء هو الانسان الذي يدرك ان لكل شيء وقتا ولكل شيء زمنا فلا يعيش حياته ملثما بين دفاتر الماضي ، ساكنا متفرجا ، غائبا في احلام المستقبل هو الانسان الذي يواجه الاساءات بالرقي بنفسه والسمو بها - ولا يعمد الى الانتقام ولا يفكر فيه ، فالحكيم لا يعضّ كلبا عضّه هو الذي يتسامح مع نفسه قبل ان يتسامح مع الغير ، فكلما تعرض لطعنة او اذى ، عالج نفسه من جروحها وطوّرها وتطور بها ، وانشغل بنفسه عن الآخرين هو الانسان الذي يفهم ان كسر عظام الآخرين اهون من كسر قلوبهم ، فالانسان لا يملك الا قلبا واحدا ...وبالمقابل يحمل 206 عظمة هو الانسان الذي يفهم ان العفو والتسامح مع الآخرين لا يعني ألا يتألم ولا يندم ولا يحزن ولا يشعر بالقهر بل يكظم هذه المشاعر ويستسلم لما حدث ، فالاستسلام لا يعني الضعف والخنوع ، وانما يعني هنا ان الشخص صمد طويلا ثم ترك امرا لا فائدة تُرجى منه وهو انتصار الانسان السليم هو الانسان الذي يفهم ان معادلة توازنه النفسي تحكمها علاقته بنفسه ونظرته لها ، وليس ما يتعلق بالآخرين السليم هو الذي ان ارتكب خطأ حاول تصحيحه او تحمل مسؤولية الاعتراف به والاعتذار عنه ، وليس قويا من يستسلم لوحش تأنيب الضمير ويهمله ويتظاهر بأنه يعيش على اتم ما يكون ، لا احد يكون سعيدا وجزء فيه مختلف مع الآخر . السليم هو من ينفض عن نفسه مشاعر الكراهية والحقد التي تؤذيه دون ان تؤذي احدا اخر . 2 / كيف يمكن التعامل مع الأشخاص ممن عندهم مشاكل نفسية ..؟ أولاً / كمرحلة علاجية ..؟ من الافضل عدم التبرع بعلاج مريض يعاني من مشاكل نفسية لأن هذا يحتاج احترافا وتدريبا ، وانما التعامل معه بثبات هو افضل ما يمكن فعله في حالة عدم الاحتراف مع معرفتك ان من يقابلك لا شك يعاني مشاكل نفسية . التنظيم والتعامل معه بنظام حتى في طرح المشكلات ومناقشة الحلول ان النظام امر رائع يساعد كثيرا في التخلص من المتاعب النفسية لأنه يساعد المرء على تنظيم افكاره ليعرف اسباب مشكلاته وطرق حلها النظام الشكلي يعطي انطباعا نفسيا جيدا على هذا المريض ان يعتاد النظام ، لأن حياة الفوضى هي ما يتعبه اصلا هناك اوقات للكلام وللطعام ، للخروج وللجلوس تنظيم اهتماماته لمساعدته على التخلص من المرحلة التي هو فيها ثانياً / كحماية من التصادم معهم ..؟ بفضل الابتعاد عنهم وعدم الانشغال بهمومهم على الاغلب وانما ان كان الشخص يهمك ، فينبغي ان تتركيه على راحته يتصرف بالطريقة التي يراها مناسبة ( بحدود طبعا ) للحماية من التصادم مع هؤلاء - الذين يعانون مشاكل نفسية - والذين يهمونك عليك ان تحملي العصا من الوسط، ولا تتواصلي معهم الا بنظام وغير ذلك من الامور الهامة فلا تغرقي نفسك بالاهتمام بهم ولا تنفعلي ولا تتأثري كلما انقلب تصرفهم تجاهك - حتى لا يتأثر حالك وتدخلين هالتهم فتصبحي لعبة مستقبلة للمشاعر التي يريدون تركها فيك ، ويذهبون بلا حدود ثم تصبحين انت من هو بحاجة الى علاج وبنفس الوقت الا تهمليهم وتتعمدي تطنيشهم وعدم الاهتمام بهم وبوجودهم ان معظم المرضى اصحاب المشاكل النفسية هم ضحايا التجاهل وعدم الاكتراث بوجودهم وشعورهم بالصغر والدونية - هذه ام أسباب المشاكل النفسية لاحقا ، وحتى تعظيم الذات هي داء منقلبة عن هذه المشاعر الدفينة واهمالهم ، يقلب شجون الذكرى الأليمة هذه ويجرحهم ، بل يثير حنقهم ، وقد تتفاجئين بردود أفعالهم واتهاماتهم وانما خير الامور الوسط ، فلا تبالغي بالاهتمام بهم فتؤكدي بداخلهم مشاعر العظمة والقدرة على السيطرة على مشاعر البشر ولا تهمليهم فيشعرون بالتلاشي ويعودون الى عقدتهم الأساسية . لا تستعملي أساليب الخطاب ( انت ، كتابك ، كلامك ، فعلت ، قلت ، ذهبت ) ان مثل هذه الأساليب تعيدهم الى انفسهم لأنك ( تخاطبي الجزء الدفين فيهم والصورة الحقيقية لهم ) ، وهذا ما يُشعرهم بالاستفزاز لأن كل ما يتعلق بصورتهم الحقيقية يرونه زجرا واهمالا وتوبيخا ( تبعا للماضي ) ، ولهذا اختار عقلهم الباطن الانفصال عن تلك الحقيقة وبالتالي سيسفسرون كلامك غير ما تقصدينه خاطبيهم بوظيفتهم لأن هذا يعزز بداخلهم قيمتهم ويجعلهم اقدر على الاستماع لما تريدين ان تقوليه مثلا ...ليس هذا غريب عن المهندس،.... الاستاذ ...... او خاطبيهم باسم العائلة ، اعرف ان الامر مضحكا ، ولكن عليك ان يتم ذلك بصورة عفوية طبيعية فأنت لا تتعاملين مع شخص طبيعي ، قد يكرهك هذا الانسان لعدة سنوات ضوئية اذا شعر او تخيل ان هناك تحقيرا لذاته في كلامك بالمناسبة معظم المرضى الذين يعانون من تعظيم الذات او الدونية والصغر ( وجهان لعملة واحدة ) هم مرضى يعانون من اضطراب ذهني الا انه لقلة مراجعي العيادات من هذا النوع ، فإنهم يعيشون بيننا ونعاني منهم ، ولا يصنّفون ضمن المرضى ولذلك نركز حديثنا عن هؤلاء خصيصا وبالمناسبة ايضا ستشعرين ايضا أن لديهم اهتمام لا مثيل له ، بشجرة العائلة او الوظيفة وذلك لأنهم يبحثون عما يؤكد وجودهم وقيمتهم الانسانية والكيانية فهم يتحدثون عن اعمالهم لدرجة قد تصدقين فيها انه على وشك التسلق الى المنصب الرئاسي او النيابي وهم دائمو البحث عن اصولهم العرقية ويستعملون اسماء عائلات مختلفة كل مرة ، حسب النسب الذي يريدون ان ينسبوا صورتهم اليه او حسبما وصلت آخر اكتشافاتهم في شجرة العائلة انا اتحدث عن بعض الظواهر فقط التي تلازمهم .... والتي تقيك من التصادم معهم ، او التصادم مع نفسك ان انت صدقت ما يتخيلونه عن انفسهم ...وقد يكون الاهتمام على شكل آخر