القصة السادسة : منارة الإسكندرية
صفة منارة الإسكندرية
يقال أنه كان على جانبها الشرقي كتابة و أنها نقلت فوجد فيها بنيت هذه المنظرة قريناً ابنة مدليوس اليونانية لرصد الكواكب ، و يقال أن طولها ألف ذراع ، و كان في أعلاها تماثيل من نحاس منها تمثال قد أشار بسبابة يده اليمنى نحو الشمس أينما كان من الفلك يدور معها حيثما دار ، و منها تمثال وجهه إلى البحر ، متى صار العدو ، على نحو من ليلة سمع له صوت هائل يعلم به أهل البلاد و المدينة طروق العدو و منها تمثال كلما مر من الليل ساعة صوت صوتاً هائلاً مطرباً ، و يقال أنه كان بأعلاها مرآة ترى منها القسطنطينية و بينهما عرص البحر ، فكلما جهز الروم جيشاً رؤي فيها .
و حكى المسعودي أن هذه المنارة كانت في وسط الإسكندرية و أنها تعد من بنيان العالم العجيب ، بناها بعض البطالمة من ملوك اليونان بعد الإسكندر ، لما كان بينهم و بين الروم من الحروب في البر و البحر ، فجعلوا هذه المنارة مرقباً و جعلوا في أعلاها مرآة من الأحجار المشفة يشاهد فيها مراكب البحر ، إذا أقبلت من رومية على مسافة تعجز الأبصار على إدراكها فاحتال ملك الروم لما انتفع المسلمون بمثل ذلك على الوليد بن عبد الملك ، بأن أنفذ أحد خواصه و معه جماعة إلى بعض ثغور الشام ، على أنه راغب في الإسلام فوصل إلى الوليد و أظهر الإسلام ، و أخرج كنوزاً و دفائن كانت في الشام مما حمله على أن صدقه ثم قال لهم ، إن تحت هذه المنارة من الأموال و الدخائر و الأسلحة دفنها الإسكندر ، فجهز جماعة من ثقاته إلى الإسكندرية فهدم ثلث المنارة و أزال المرآة ثم فطن الناس أنها مكيدة و استشعر ذلك فيما بينهم فهرب في مركب كانت موعودة إليه ثم بنى ما هدم بالجص و الآجر و النور . و طول هذه المنارة في الوقت الذي وضع فيه هذا الكتاب ، و هو سنة ثلاث و ثلاثين و ثلاثمائة ، مائتان و ثلاثون ذراعاً و كان طولها قديماً نحو من أربعمائة ذراع و كان أحمد بن طيلون – و المقصود أحمد بن طولون- قد بنى في أعلاها قبة من الخشب ثم هدمت و بنى مكانها مسجداً في أيام الملك الكامل صاحب مصر...
مقتبس من كتاب تحفة الألباب و نخبة الإعجاب