عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 21-01-2013, 06:53 AM   #4
معلومات العضو
أحمد سالم ,

افتراضي

ولا يجوز أن يخبو نورُ هذه الدعوة المباركة زمنًا ما بزعم استتباب التوحيد في قلوب النَّاس، ألم تسمع جؤار إمام الحنفاء الموحِّدين إبراهيم الخليل -عليه الصلاة والسلام-، وقد خاف على نفسه الشرك، فقال : {رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ**،

قال مغيرة بن مِقسم: « كان إبراهيم التيمي يقصُّ ويقول في قصصه: « من يأمن من البلاء بعد خليل الله إبراهيم حين يقول: رب واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنامَ؟!» (1).

قال الشيخ مبارك الميلي رحمه الله: :

« فلا تَرَكَ النبي صلى الله عليه وسلم التنديدَ بالأصنام وهو وحيد .

ولا ذَهَل عنه وهو مَحصور بالشِّعبِ ثلاث سنوات شديدات .

ولا نَسِيهُ وهو مختفٍ في هجرتهِ، والعدوُّ مشتدٌ في طلبهِ .

ولا قطعَ الحديثَ عنه وهو ظاهرٌ بمدينته بين أنصارهِ .

ولا غلقَ باب الخوض فيه بعد فتح مكة .

ولا شُغِلَ عنهُ وهو يُجاهِدُ وينتصرُ ويكرُّ ولا يفرُّ .

ولا اكتفى بطلب البيعة على القتالِ عن تكرير عرضِ البيعةِ على التوحيدِ ونبذِ الشِّرْكِ.

وهذه سيرتُه المدوَّنة، وأحاديثُهُ الـمُصَحَّحَةُ، فتتبَّعْها تَجِدْ تصديقَ ما ادَّعيناهُ، وتفصيلَ ما أجملنا » (2).

ثم هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يَبْلُغُه – أيّام قوة التوحيد وعزِّ الإسلام – أن صَنمًا يعبد باليمن يدعى ذُو الخَلَصَةِ، فيقضُّ ذلك مضجعه ويغْتَمُّ له قلبهُ، فيُرسل إليه واحدًا من أهل اليمن،

قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه:
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ألا تُريحُني من ذِي الخَلَصَةِ؟
قلت: بلى ؛ فانطلقتُ في خمسينَ ومائة فارس من أحمسَ – وكانوا أصحاب خيل – وكنتُ لا أثبت على الخيل ؛ فذكرتُ ذلك للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فضَرب يده في صدري حَتَّى رأيتُ أثرَ يده في صدري،
وقال: اللهم ثبِّتهُ، واجعله هاديًا مهديًا.
قال: فما وقعتُ عن فرسٍ بعدُ !
قال: وكان ذو الخَلَصة بيتًا باليمنِ لِخَثْعَمَ وبَجِيلَةَ، فيه نُصُبٌ تُعْبَدُ، يقال له الكعبة،
قال: فأتاها فحرَّقَها بالنار وكسَرَها،
قال: ولما قدم جريرٌ اليمنَ كان بها رجلٌ يستقسم بالأزلامِ،
فقيل له : إنَّ رسولَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم هاهنا، فإن قدِرَ عليكَ ضرَبَ عُنُقَكَ،
قال: فبينما هو يضربُ بها؛ إذ وقف عليه جرير، فقال: لَتَكْسِرَنَّها ، ولتَشهَدَنَّ أن لا إله إلا الله، أو لأَضْرِبَنَّ عنقَكَ،
قال: فكسرها وشهدَ، ثُمَّ بعث جريرٌ رجلاً من أحمسَ يُكنى أبا أرطأة إلى النَّبي صلى الله عليه وسلم يُبَشِّرُهُ بذلكَ،
فلمَّا أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلمَ قال: يا رسول الله ! والذي بعثك بالحقِّ ما جئتُ حتى تركتُها كأنها جملٌ أجرب (3).،
قال: فبرَّك النبيُّ صلى الله عليه وسلمَ على خيل أحمس ورجالها خمس مرَّات » (4).

فائدتان:

1 – قال ابن حجر عند قول رسول الله صلى الله عليه وسلّم: « ألا تُريحُنِي» : « المراد بالراحة راحة القلب، وما كان شيءٌ أتعب لقلب النبيِّ صلى الله عليه وسلم من بقاء ما يُشرَك به من دون الله تعالى » (5).

2 – كان من عادته صلى الله عليه وسلم إذا ألحَّ في الدعاء دعا ثلاثًا، كما جاء عن ابن مسعود وغيرهِ، وهاهنا دعا النَّبي صلى الله عليه وسلم خمساً لمعنى اقتضى ذلك، وهو أنّّ جَنَابَ التوحيد أعظم ما دُعي له ونُصرَ، فافهم !(6)

----
(1) رواه ابن جرير في تفسيره (7/460-ط دار الكتب العلمية) .
(2) رسالة الشرك ومظاهره (ص :19) .
(3) المراد أنَّها صارت مثل الجمل المطليِّ بالقطران من جربه ، إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق، قاله الخطابي . فتح الباري (8/83) .
(4) رواه البخاري (4355-4357) ، ومسلم (136-137) وغيرهما .
(5) الفتح (8/72) .
(6) انظر : الفتح (8/ 74) .

يتيع إن شاء الله تعالى
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة