عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 21-01-2013, 06:52 AM   #2
معلومات العضو
أحمد سالم ,

افتراضي

ولمَّا كان التوحيد بمثابةِ الأساس من البنيانِ، والجذور من الشجرة ، كان أول أَمرٍ يصادف الناس عند افتتاحهم للمصحف من بدايته ، وذلك هو قوله سبحانه : **يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ** [البقرة: 21] (1).


ثُمَّ بعد هذا مباشرة النهي عمَّا يضاد التوحيد، ألا وهو الشرك؛ وذلك قوله سبحانه: **فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ**[البقرة: 22].


وهذه فائدة جليلة؛ لأنَّ الله عز وجل لم يأمرنا بعبادته فحسب، بل ونَهانا أيضًا عما ينقض ذلك، ألا وهو عبادة غيره، فقلِّب النَّظر في كتاب ربِّكَ حُكمًا مطَّرِدًا،

فمنه قول الله عزَّ وجلَّ:**وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ** [البقرة:163].،

ومنه قوله: **وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ**[النحل: 36]،

ومنه قوله: **وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ**[الأنبياء: 25 ] ،

وقوله: **وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا**[النساء :36] الآية .


قال الشيخ مبارك الميلي – أمين جمعية العلماء المسلمين الجزائريين رحمه الله - : « فلم يكتف في الشهادتين بالتوحيد المُجرَّد، حتَّى صرَّح بنفي التعدُّد، وحصر التشريع في شخص المرسَل بالتبليغ » (2).

والشرك هو أُولَى المحَرَّمات الَّتي ينهى الله عنها ، كما في قوله جلَّ وعلا:**قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا** [الأنعام :151] الآية.

وأول وصية قدمها لقمان لابنه أن قال: **يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ**.[لقمان :13] .


واهتمامات الناس تتفاوت، وإنَّما تُعلم عنهم عند حشرجة الروح، في وصية الميت للحيِّ.

فمنهم من يُوصي زوجته بماله، ومنهم من يُوصي حبيبه بوظيفته وسلطانه، ومنهم من يُوصي ولدَه بإخوانه ...

وأفضلهم من يُوصي العبدَ بربِّه، ولذلك كان التوحيدُ وصيةَ الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عند موتِهم، قال الله تعالى: **وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133)** [البقرة : 132-133] (3).

ولهذا كان الدعاة إلى التوحيد أفضل الدعاة وأشرفهم، لأنَّ الدعوة إلى التوحيد هي دعوة إلى أعلى درجات الإيمان، فعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « الإيمان بضعٌ وسبعون، أو بضعٌ وستون شعبة، فأفضلها لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريقِ، والحياءُ شعبةٌ من شُعبِ الإيمان » (4).

قال النووي رحمه الله : « وقد نَبَّهَ صلى الله عليه وسلم على أنَّ أفضلها التوحيد المتعيّن على كل أحد، والذي لا يصح شيءٌ من الشُّعب إلَّا بعد صحَّته » (5) .

قلت. بل هذه الشُّعب لا تنبت في قلب امرئ، ولا تثمر على جوارحه إلَّا بحسب ما قام بالعبد لهذه الكلمة الطيَّبة من معانٍ .

---------
(1) كان العلاَّمة حمَّاد بن مُحمَّد الأنصاري رحمه الله يُنبِّهنا على هذه الفائدة العظيمة .
(2) رسالة الشرك ومظاهره (ص :20) .
(3) انظر : تخريج الوصايا من خبايا الزوايا لصديق خان (ص: 74) .
(4) رواه مسلم (58) .
(5) صحيح مسلم بشرح النووي(1/280-ط دار أبي حيان).
رواه البخاري (52) ، ومسلم (1599) .

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة