حكم قتل الوالد ولده لابن عثيمين
الرَّابِعُ: عَدَمُ الْوِلاَدَةِ* فَلاَ يُقْتَلُ أَحَدُ الأَْبَوَيْنِ وَإِنْ عَلاَ بِالْوَلَدِ وَإِنْ سَفَلَ* وَيُقْتَلُ الْوَلَدُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا.
قوله: «الرابع: عدم الولادة» أي: بأن لا يكون القاتل والداً للمقتول* سواء كان من جهة الأبوة* أم من جهة الأمومة* فإنه لا يقتل به* ولهذا قال المؤلف:
«فلا يقتل أحد الأبوين وإن علا بالولد وإن سفل» المراد بالأبوين الأب والأم* وغلب الأب؛ لأنه ذكر* والذكر أفضل.
وهل يمكننا أن نجعلها من باب التركيب فنقول: الأَبَمَان؟ لا؛ لأن العرب ما قالوها* ولم يقولوا في الشمس والقمر: قمشان* بل قالوا: القمران* وقالوا في أبي بكر وعمر: العمران.
فلا يقتل الأب أو الأم وإن علوا بالولد وإن نزل.
مثاله: رجل ـ والعياذ بالله ـ حنق على ولده* وصار في قلبه حقد عليه* فجاء يوماً من الأيام وقتله عمداً فهل يقتل؟ لا.
مثال آخر: أبو أم «جد» قال لابن ابنته: أعطني ألف ريال؛ لأنني محتاج* فرفض ابن البنت* فغضب الجد فقتله* فهل يقتل؟ لا.
والدليل الحديث المشهور: «لا يقتل والد بولده» [(24)] هذا من الأثر* ومن النظر أن الوالد سببٌ في إيجاد الولد* فلا ينبغي أن يكون الولد سبباً في إعدامه.
ولننظر في هذه الأدلة* أما الحديث فقد ضعفه كثير من أهل العلم* فلا يقاوم العمومات الدالة على وجوب القصاص* وأما تعليلهم النظري فالجواب عنه أن الابن ليس هو السبب في إعدام أبيه* بل الوالد هو السبب في إعدام نفسه بفعله جناية القتل.
والصواب: أنه يقتل بالولد* والإمام مالك ـ رحمه الله ـ اختار ذلك* إلاّ أنه قيده بما إذا كان عمداً* لا شبهة فيه إطلاقاً* بأن جاء بالولد وأضجعه وأخذ سكيناً وذبحه* فهذا أمر لا يتطرق إليه الاحتمال* بخلاف ما إذا كان الأمر يتطرق إليه الاحتمال فإنه لا يقتص منه* قال: لأن قتل الوالد ولده أمر بعيد* فلا يمكن أن نقتص منه إلاّ إذا علمنا علم اليقين أنه أراد قتله.
والراجح في هذه المسألة: أن الوالد يقتل بالولد* والأدلة التي استدلوا بها ضعيفة لا تقاوم النصوص الصحيحة الصريحة الدالة على العموم* ثم إنه لو تهاون الناس بهذا لكان كل واحد يحمل على ولده* لا سيما إذا كان والداً بعيداً* كالجد من الأم* أو ما أشبه ذلك ويقتله ما دام أنه لن يقتص منه.
قوله: «ويقتل الولد بكل منهما» يعني لو قتل الولد والده فإنه يقتل لعمومات الأدلة* ولأن هذا قطع رحمه بالقتل فيقطع بالقتل* وابن البنت هل يقتل بجده من أمِّه؟ نعم.
فهذه أربعة شروط* وهناك شرط خامس وهو أن تكون الجناية عمداً وعدواناً.
واشترط بعضهم شرطاً آخر* وهو ألا يكون القاتل هو السلطان* فإن كان القاتل هو السلطان فإنه لا يقتل؛ لأن قتل السلطان فيه مفسدة عظيمة* وهي الفوضى وضياع الأمة* وإنما يقال لهذا السلطان الذي قتل عمداً وعدواناً: إن جزاءك جهنم خالداً فيها* وغضب الله عليك* ولعنك* وأعد لك جهنم وساءت مصيراً* أما ما يتعلق بدنيانا فإننا لا نفسد دنيانا من أجل فرد من الناس.
وهذا التعليل قد يكون فيه حكمة؛ ولأن من ولاة الأمور فيما سبق من الزمان من يقتلون الناس عمداً* ومع ذلك ما قُتلوا* وما أظن أن أحداً سكت عن المطالبة بالقصاص لو حصل له* ولكني أرى أن تعليلهم عليل؛ لأن النصوص الواردة عامة* ولو فتح الباب للسلاطين الظلمة لاعتدوا على الناس يقتلونهم عمداً وعدواناً* وبدون أي سبب* وبكل جرأة على الله وعلى خلقه والعياذ بالله* والمسألة تحتاج إلى نظر دقيق.
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18245.shtml
__________________