عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 26-05-2012, 04:30 PM   #23
معلومات العضو
شذى الاسلام
إشراقة إدارة متجددة

افتراضي

وكان من شرفهن ونبلهن أنهن آثرن اللَّه ورسوله وله، ولم تمل واحدة منهن إلى اختيار الدنيا. وكذلك لم يقع منهن ما يقع بين الضرائر مع كثرتهن إلا شيء يسير من بعضهن حسب اقتضاء البشرية، ثم عاتب اللَّه عليه فلم يعدن له مرة أخرى، وهو الذي ذكره اللَّه في سورة التحريم بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ** [التحريم: 1] إلى تمام الآية الخامسة. وأخيراً أرى أنه لا حاجة إلى البحث في موضوع مبدأ تعدد الزوجات، فمن نظر في حياة سكان أوروبا الذين يصدر منهن النكير الشديد على هذا المبدأ، ونظر إلى ما يقاسون من الشقاوة والمرارة، وما يأتون من الفضائح والجرائم الشنيعة، وما يواجهون من البلايا والقلاقل لانحرافهم عن هذا المبدأ كفى له ذلك عن البحث والاستدلال، فحياتهم أصدق شاهد على عدالة هذا المبدأ، وإن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار. الصفات والأخلاق كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز من جمال خَلقه وكمال خُلقه بما لا يحيط بوصفه البيان، وكان من أثره أن القلوب فاضت بإجلاله، والرجال تفانوا في حياطته وإكباره، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه إلى حد الهيام ولم يبالوا أن تندق أعناقهم ولا يخدش له ظفر، وما أحبوه كذلك إلا لأن أنصبته من الكمال الذي يعشق عادة لم يرزق بمثلها بشر - وفيما يلي نورد ملخص الروايات في بيان جماله وكماله مع اعتراف العجز عن الإحاطة. جمال الخلق: قالت أم معبد الخزاعية عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - وهي تصفه لزوجها، حين مر بخيمتها مهاجراً - ظاهر الوضاءة، أبلج الوجه، حسن الخلق لم تعبه تجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشعاره وطف، وفي صوته صحل، وفي عنقه سطح، أحور، أكحل، أزج، أقرن، شديد سواد الشعر، إذا صمت علاه الوقار، وإن تكلم علاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحسنه وأحلاه من قريب، حلو المنطق، فضل، لا نزر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظمن يتحدرن، ربعة، لا تقحمه عين من قصر ولا تشنؤه من طول، غصن بين غصنين، فهو أنظر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له رفقاء يحفون به، إذا قال استمعوا لقوله، وإذا أمر تبادروا إلى أمره، محفود، محشود، لا عابس ولا مفند. وقال علي بن أبي طالب - وهو ينعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم - لم يكن بالطويل الممغط، ولا القصير المتردد، وكان ربعة من القوم، لم يكن بالجعد القطط، ولا بالسبط، وكان جعداً رجلاً، ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم، وكان في الوجه تدوير، وكان أبيض مشرباً، أدعج العينين، أهدب الأشفار، جليل المشاش والكتد، دقيق المسربة، أجرد، شثن الكفين والقدمين، إذا مشى تقلع كأنما يمشي في صبب، وإذا التفت التفت معاً، بين كتفيه خاتم النبوة، وهو خاتم النبيين، أجود الناس كفاً، وأجرأ الناس صدراً، وأصدق الناس لهجة، وأوفى الناس ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابه، ومن خالطه معرفة أحبه، يقول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية عنه أنه كان ضخم الرأس، ضخم الكراديس، طويل المسربة إذا مشى تكفأ تكفياً كأنما ينحط من صبب. وقال جابر بن سمرة كان ضليع الفم، أشكل العين منهوس العقبين. وقال أبو الطفيل كان أبيض، مليح الوجه، مقصداً. وقال أنس بن مالك كان بسط الكفين، وقال: كان أزهر اللون، ليس بأبيض أمهق، ولا آدم، قبض وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. وقال: إنما كان شيء - أي من الشيب - في صدغيه. وفي رواية وفي الرأس نبذ. وقال أبو جحيفة رأيت بياضاً تحت شفته السفلى، العنفقة. وقال عبد اللَّه بن بسر كان في عنفقته شعرات بيض. وقال البراء كان مربوعاً بعيد ما بين المنكبين، له شعر يبلغ شحمة أذنيه، رأيته في حلة حمراء، لم أر شيئاً قط أحسن منه. وكان يسدل شعره أولاً لحبه موافقة أهل الكتاب، ثم فرق رأسه بعد. قال البراء كان أحسن الناس وجهاً، وأحسنهم خلقاً. وسئل أكان وجه النبي صلى الله عليه وسلم مثل السيف؟ قال: لا بل مثل القمر. وفي رواية كان وجهه مستديراً. وقالت الربيع بنت معوذ لو رأيت رأيت الشمس طالعة. وقال جابر بن سمرة رأيته في ليلة إضحيان فجعلت أنظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وإلى القمر - وعليه حلة حمراء - فإذا هو أحسن عندي من القمر. وقال أبو هريرة ما رأيت شيئاً أحسن من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كأن الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، كأنما الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا، وإنه لغير مكترث. وقال كعب بن مالك كان إذا سر أستار وجهه، حتى كأنه قطعة قمر. وعرق مرة وهو عند عائشة فجعلت تبرق أسارير وجهه، فتمثلت له بقول أبي كبير الهذلي: وإذا نظرت إلى أسرة وجهه برقت كبرق العارض المتهلل وكان أبو بكر إذا رآه يقول: أمين مصطفى بالخبر يدعو كضوء البدر زايله الظلام وكان عمر ينشد قول زهير في هرم بن أسد: لو كنت من شيء سوى البشر كنت المضيء كليلة البدر ثم يقول لذلك كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وكان إذا غضب أحمر وجهه، حتى كأنما فقىء في وجنيته حب الرمان. وقال جابر بن سمرة كان في ساقيه حموشة، وكان لا يضحك إلا تبسماً. وكنت إذا نظرت إليه قتل أكحل العينين، وليس بأكحل. قال ابن عباس كان أفلج الثنيتين، إذا تكلم رؤى كالنور يخرج من بين ثناياه. وأما عنقه فكأنه جيد دمية في صفاء الفضة، وكان في أشفاره غطف، وفي لحيته كثافة، وكان واسع الجبين، أزج الحواجب في غير قرن بينهما، أقنى العرنين، سهل الخدين، من لبته إلى سرته شعر يجري كالقضيب، ليس في بطنه ولا صدره شعر غيره، أشعر الذراعين والمنكبين، سواء البطن والصدر، مسيح الصدر عريضه، طويل الزند، رحب الراحة، سبط القصب، خمصان الإخمصين سائل الأطراف، إذا زال زال قلعاً، يخطو تكفياً ويمشي هوناً. وقال أنس ما مسست حريراً ولا ديباجاً ألين من كف النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا شممت ريحاً قط أو عرفاً قط، وفي رواية ما شممت عنبراً قط ولا مسكاً ولا شيئاً أطيب من ريح أو عرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم . وقال أبو جحيفة أخذت بيده، فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب رائحة من المسك. وقال جابر بن سمرة - وكان صبياً - مسح خدي فوجدت ليده برداً أو ريحاً كأنما أخرجها من جونة عطار. وقال أنس كأن عرقه اللؤلؤ. وقالت أم سليم هو من أطيب الطيب. وقال جابر لم يسلك طريقاً فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه. أو قال: من ريح عرقه. وكان بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحمامة، يشبه جسده، وكان عند ناغض كتفه اليسرى، جمعاً عليه خيلان كأمثال الثآليل. كمال النفس ومكارم الأخلاق: كان النبي صلى الله عليه وسلم يمتاز بفصاحة اللسان، وبلاغة القول، وكان من ذلك بالمحل الأفضل، والموضع الذي لا يجهل، سلاسة طبع، ونصاعة لفظ وجزالة قول، وصحة معان، وقلة تكلف، أوتي جوامع الكلم، وخص ببدائع الحكم، وعلم ألسنة العرب، يخاطب كل قبيلة بلسانها، ويحاورها بلغتها، اجتمعت له قوة عارضة البادية وجزالتها، ونصاعة ألفاظ الحاضرة ورونق كلامها إلى التأييد الإلهي الذي مدده الوحي. وكان الحلم والاحتمال، والعفو عند المقدرة، والصبر على المكاره، صفات أدبه اللَّه بها، وكل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، ولكنه صلى الله عليه وسلم لم يزد مع كثرة الأذى إلا صبراً، وعلى إسراف الجاهل إلا حلما، قالت عائشة ما خير رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه، وما انتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة اللَّه فينتقم للَّه بها.

يتبع000
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة