مصير من مات على غير توبة
فأما من مات على غير توبة من أهل الكبائر فقل أن يسلم من العقوبة لكنه لا يخلد مع الكافرين وفي الجملة من دخل النار ولو ساعة من نهار فقد ذاق العذاب الأليم وليجرب العاصي بنار الدنيا فهي جزء من سبعين جزءا من نار جهنم هل له طاقة أن يضع فيها أصبعه أو شيئا من لحظة واحدة فالواجب على العبد العاصي أن يبادر الى التوبة قبل هجوم أجله وانقطاع أمله إذا كنت يا عاصي على النار لا تقوى فبادر إلى التوبة واستعمل القوى ونح أسفا من أجل ذنبك دائما فما في غدي يغني نواح ولا شكوى وقد روي في أثر أن أكثر استغاثة أهل النار من سوف كانوا يقدمون على المعصية ويؤخرون التوبة ويقولون سوف نتوب فاحتفظهم الموت على شر حالة
فألقوا في نار الجحيم ونعوذ بالله منها
تفسير آية من سورة التوبة
قال ابن جرير في قوله تعالى التائبون أي الراجعون عما يكرهه الله ويسخطه إلى ما يحبه ويرضاه وعن الحسن في قوله تعالى التائبون قال تابوا إلى الله من الذنوب كلها وقيل تابوا من الشرك وبرئوا من النفاق والتائبون على ثلاث طبقات فأدناهم التائبون من الكفر وأوسطهم التائبون من المعصية وأعلاهم التائبون من الغفلة وأما العابدون فقال ابن جرير الذين ذلوا لله خشية وتواضعا له وجدوا في خدمته وقال قتادة العابدون قوم أخذوا من أبدانهم في ليلهم وعدادهم وعن ابن عباس إنهم المقيمون الصلاة وقال الحسن هم الذين عبدوا الله باتباع أمره والعابدون أيضا على ثلاث طبقات أدناهم الموحدون وأوسطهم المطيعون وأعلاهم المتبتلون وأما الحامدون فعن ابن عباس إنهم الذين يحمدون الله على كل حال
وقال الحسن الحامدون على الإسلام والحامدون أيضا على ثلاث طبقات أدناهم القائم بالحمد الواجب كقراءة سورة الحمد في المكتوبة وأوسطهم الحامد في كل موضع يشرع فيه الحمد كالفراغ من الآكل والشرب والعطاس وأعلاهم الحامدون على كل حال مثلما كان نوح عليه السلام فسماه الله عبدا شكورا وأما السائحونففيهم أربعة أقوال قيل هم الغزاة وقيل المهاجرون وقيل طلاب العلم وقال الأكثرون هم الصائمون وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم السائحون هم الصائمون وقال ابن عباس رضي الله عنهما كلما ذكر في القرآن من السياحة فهو الصيام وقال الحسن الصائمون شهر رمضان وقالت عائشة رضي الله عنها سياحة هذه الأمة الصيام وهو مروي عنه صلى الله عليه و سلم قال سياحة أمتي الصيام
وأما الراكعون الساجدون فقال الحسن هم المصلون الصلوات المكتوبات وأما الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر فقال ابن جرير الذين يأمرون الناس بالحق ونهوهم عن كل قول او فعل نهى الله عنه والناهون عن المنكر عن الشرك وعنه الآمرون بالمعروف قال إما انهم لم يأمروا الناس بحسنة حتى كانوا من أهلها والناهون عن المنكر قال إما انهم لم ينهوا عن المنكر حتى انتهوا عنه وقال أبو العلية كل ما في القرآن من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهي من عبادة الأوثان والشياطين وقال عطاء الأمرون بالمعروف بفرائض الله وحده وتوحيده والناهون عن المنكر ترك فرائض الله وحدوده وعن الشرك به وأما الحافظون لحدود الله فقال إبن عباس يعني القائمين على طاعة الله وهو شرط شرطه الله على أهل الجهاد إذ وفوا له بشرطه وفى لهم بشرطهم أي أن بعض المجاهدين يرتكبون المحرمات من زنا وشرب خمر وغير ذلك فإذا أنكر عليهم قالوا نحن مجاهدون والجهاد يطهرنا فردت الآية عليهم أي كونوا مع الجهاد في سبيل الله حافظين لحدود الله ثم قال تعالى وبشر المؤمنين أي المصدقين بوعد الله لهم وقيل معناه وبشر من فعل التوبة وسائر هذه الأفعال وإن لم يكن من المجاهدين عباد الله فصححوا الأعمال تلحقوا بالرجال واحذروا الرجاء الكاذب فإنه محال أترجو أن تكون من الرجال بقول او بفعل أو بحال
وأنت من المفاسد في جميع الأوامر والنواهي غير خال ومن طلب الوصول بغير سير على نهج فذاك من المحال اللهم يا ذا الجلال والإكرام والعزة التي لاترام يا بديع السموات والأرض ويا من بيده القبض والبسط نسألك أن تتوب علينا وعلى العاصين وان تجعلنا من عبادك المتقين وان تجنبنا أفعال الفاسقين وأن تختم لنا بخير ولجميع المسلمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
المجلس السادس عشر صلاة القاعد
هذا تفسير حديث متفق على صحته من الأحكام اتفق على صحته علماء الإسلام وهو ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم القائم في الصلاة له مزية على القاعد فيها من سبعة أوجه الأول المشقة لأن القائم يلحقه من التعب ما لا يلحق القاعد الثاني الأدب لأن القائم في الخدمة أحسن أدبا من القاعد الثالث النشاط لأن القائم أنشط في الخدمة وأبعد من الكسل والنعاس الرابع التمكن لأن القائم أقدر على فصاحة الكلام في المناجاة وتحسين
هيئات العبادة الخامس كثرة التنوع في فنون الخدمة لأنه إذا صلى قائما فقد عبد ربه بالقيام والركوع والسجود والقعود وإذا صلى قاعدا فات نوع من الأربعة السادس أن من صلى قائما أخذ نصيبا من ترويح القلب بسبب تنقله من حال إلى حال أكثر نصيبا من القاعد وترويح القلب يعين على جودة الذكر السابع أن من صلى قائما فقد أطاع الله تعالى بقوله وقوموا لله قانتين وطاعة الأمر موجبة الأجر ولو لم تكن حكمته مفهومه فكيف وقد ظهرت الحكمة في القيام في الصلاة من وجوه كثيرة واعلم أن ورود هذا في صلاة النافلة وأما الفريضة فلا تصح صلاتها قاعدا مع القدرة على القيام ومن صلى قاعدا في الفريضة مع قدرته على القيام فهو عاص واختلف العلماء في كفره وأما النافلة فجائز فيها الجلوس مع القدرة على القيام لكن القيام أفضل لما تقدم من الوجوه وأجره نصف أجر القائم وإن كان عاجزا عن القيام لم ينقص أجره لأنه عاجز عن القيام وأنشد بعضهم في الحض على عبادة الله تعالى تطوعا اعبدوا الله ركعا وسجودا وقياما طورا وطورا قعودا واذكروه في كل حال فزاد من ذكر إسمه يلقي السعودا إن في اسم الحبيب في القلب طمعا من يذقه يود منه المزيدا لا يزال الحبيب غيبا فإن أنت ذكرته اسمه يرى مشهودا فترنم باسم الحبيب لأسما ع محبيه واتخذهم عبيدا