المجلس الرابع عشر التقوى
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه يجب على العبد في عبوديته وكما يحبه الرب ويرتضيه أنعم بما لا يحصره الحساب ولا يحصيه ولا يسعه الكتاب ولا يحويه كم ذنب قد غفره ولولا الغفران لحاق العذاب بجانبه أحمده على اللاحق والسابق من أياديه حمدا يوجب المزيد من كرم الحق لحامديه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أزاحم بها على باب الجنة داخليه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اصطفاه الله من خلقه فسبحان مصطفيه وارتضاه لتبليغ رسالته فتعالى جد مرتضيه فشمر عن ساق الجد في مجاهدة أعداء الله ومعانديه حتى اتسق قمر الإيمان في فلك الإسلام ووضح الحق لناظريه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وحزبه ومحبيه خصوصا على الإمام أبي بكر الصديق خليفة رسول الله صلى الله عليه و سلم على أمته وصديقه ومواليه وعلى الإمام أمير المؤ منين عمر بن الخطاب ولي رسول الله صلى الله عليه و سلم ومصافيه
وعلى الإمام أمير المؤمنين عثمان بن عفان صهر رسول الله ومواسيه وعلى الإمام علي بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه و سلم ومواخيه وعلى سائر الصحابة وتابعيه قال الله تعالى في كتابه أمرا لعباده المؤمنين بالتقوى بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون جاء في التفسير معناه أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وقال عمر رضي الله عنه لكعب الأحبار يا كعب حدثني عن التقوى فقال يا أمير المؤمنين هل أخذت طريقا ذا شوك قال نعم قال فما صنعت قال حذرت وشمرت قال فكذلك التقوى وقال النبي صلى الله عليه و سلم لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع مالا بأس به حذر إلى ما به بأس ليس التقوى أحصن جنة يحصن بها الخائفون وخشية الله أوثق عروة يمسك بها المتمسكون وأداء فريضة الله واجتناب محارم الله أنجح وسيلة توسل بها إلى الله المتوسلون طوبى لمن كانت الجنة مثابه وهي مثاب المتقين وشراب الرحيق والتنسيم والكافور والزنجبيل شرابه وهو شراب الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وهم رفقاؤه وأصحابه
إنما يجازي بمثل هذا الجزاء من هو من المتقين الذين أقاموا الدين بشرائطه المشروعة واقتدوا في الملة الإسلامية بآياتها المتبوعة فإذا صلى أحضر قلبه مع بدنه في تذكر وتدبر أذكاره وأحسن أدبه بين يدي عالم أسراره وإذا تصدق أخرج الطيب من كسبه لا يريد عليه جزاء إلا ابتغاء وجه ربه وإذا حج أخلص النية لله في قصده قبل الخروج من أهله وأنفق إلى مرجعه من طيب المال وحله واجتنب الحرام لما ورد عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من حج بمال حرام فقال لبيك قال الله له لا لبيك ولا سعديك وحجك مردود عليك حتى ترد ما في يديك وإذا صام صان نظره عما لا يحل له عليه النظر وصان لسانه عن الكلام الزور والهذر وصان سمعه عن يحرم الاستماع إليه وصان لسانه عن تمزيق أعراض المسلمين فكم أفسدت الغيبة من أعمال الصالحين وكم أحبطت من أجور العاملين وكم جلبت من سخط رب العالمين فالغيبة فاكهة الأرزلين وسلاح العاجزين مضغة طالما لفظها المتقين نغمة طالما مجها أسماع الأكرمين فرحم الله إمرءا لم يفسد عبادة يهديها إلى حضرة العزيز الرحيم بلقمة حرام تعقب طعام الزقوم وشراب الحميم فهي كلمة ما استحلاها إلا طبع لئيم وفي البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله في أن يدع طعامه وشرابه في
هذا الحديث دليل على أن العامل يكون بصلاح ظاهره معمورا وقد سقط عن عين الله حتى ما يزن عنده نقيرا فإذا كان يوم القيامة ظهر للخلائق من أمره ما كان مستورا وظهرت مخبآت الصدور على صفحات الوجوه رقما مسطورا وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا ليت شعري ماذا أقول إذا ما وقفت في القامة مكبلا مأسورا ثم قدمت للحساب ذليلا وأتيت كتابا مسطرا منشورا وأتي بالأعمال توزن بالذر فما غادروا هناك فقيرا وبدا لي من فوق وجهي سوء فعلي محررا مسطورا ثم نودي علي هذا فلان كان لله عاصيا مستورا فضحته اليوم الذنوب وحساب محرر تحريرا وأتى بالسعير أسمع منها تغيظا وزفيرا ما احتيالي في ذلك الموقف المهول ومن ذا يذود عني السعيرا ليس لي غير حسن ظني بربي خائفا من عذابه مستجيرا وتعطف بجبر كسري فقد أصبح قلبي مما جنا مسكورا