ذم الدنيا
ليس الذاكر من قال سبحان الله والحمد لله وقلبه مصر على الذنوب وإنما الذاكر من إذا هم بمعصية ذكر مقامه بين يدي علام الغيوب كما قال بعض السلف ليس الذاكر من همهم بلسانه وإنما الذاكر من إذا جلس في سوقه وأخذ يزن بميزانه علم ان الله مطلع عليه فلم يأخذ إلا حقا ولم يعط إلا حقا فما ينبغي للعباد أن ينشغلوا عن المنعم بشيء من نعمه ولا يلتهوا عنه بشيء من كرمه الله أحق أن نختاره على ما سواه الله مولانا وما أولى بالخير من كان الله مولاه يا ليتنا عقلنا عن الله ولو حرفا من خطابه يا ليتنا قربنا من الله ولو عرض شعره من عزيز جنابه إنما يفهم ما أقول أرباب الفطن والعقول إنما يشرب من هذا الشمول هو برداء التوفيق مشمول اسمع ما أقول فهو جميل لا يضر عنه ما يقول الجهول كل شيء شغول فهو للنفس عول عن ذكر لمولى ملكه ما يزول قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ملعونة هي الدنيا ملعون ما فيها إلا ذكر الله وعالما ومتعلما كيف لا تكون الدنيا ملعونة وهي عن ذكر الله شاغلة ولمن
نظر إليها فاتنة ولمن ركن إليك قاتلة استصحبها غاشة ولمن استنصرها خاذلة الدن حب والمعصية فخ والشيطان صياد والإنسان طائر فمتى أكب الإنسان على التقاط حلالها فيوشك ان يقع في حرامها ومتى وقع في حرامها فقد أستحوذ عليه قناصه وتعذر عليه إلا من جهة التوبة خلاصه فكيف السبيل إلى الخلاص منها ورضيعها لا يمكنه الفطام عنها والجواب عن هذا السؤال أن تستغيث بالكبير المتعال فالراجع إلى الله مستريح بالله مما سواه لأنه يستريح من الدنيا وأشغالها ومن الشياطين ووسواسها ومن الأفكار وغمومها ومن الأشغال وهمومها وغير ذلك مما الناس به في هذه الدنيا مفتونون ومعذبون وعليه في الآخرة محاسبون ومعاقبون فأريدوا وجه الله بكل أعمالكم وجاهدوا في سبيل الله بأنفسكم وأموالكم وأقبلوا عليه يقبل عليكم فإنه لا يعرض إلا عمن أعرض عنه ولا تجعلوا طلب الدنيا أكبر همكم فيطول فيها همكم وفي الآخرة يطول حسابكم على قدر مالكم قال أبو الدرداء رضي الله عنه ذو الدرهمين في الآخرة أشد حسابا من ذي الدرهم وفي الحديث التقى مؤمنان على باب الجنة مؤمن غنى ومؤمن فقير كانا في الدنيا فأدخل الفقير إلى الجنة وحبس الغني ما شاء الله أن يحبس ثم أدخل الجنة فلقيه الفقير فقال يا أخي ما أحسبك بعدي والله لقد احتبست حتى خفت عليك فقال يا أخي والله لقد احتبست بعدك محبسا فظيعا كريها وما وصلت إليك حتى سأل مني العرق ما لو ورد ألف بعير كلها أكلت حمصا لعددت عنه رواء
واعملوا أن لله عبادا شغلهم الاهتمام به عن الاهتمام لهم وتلك مرتبة المقربين الذين يتبتلون إليه تبتيلا ومنهم من لا يرفع قصة الشكوى إلا إليه وذلك مقام أصحاب اليمين الذين لم يتخذوا من دونه وكيلا اجتهد ان تكون عارفا بالله فإن عجزت فاجتهد أن تكون مريدا من الله ولا تكن الثالث تكن من الخائبين اجتهد أن تكون واصلا إلى الله فإن عجزت فكن سالكا إلى الله ولا تكن الثالث من المنقطعين اجتهد ان تكون واصلا فإن عجزت فكن سالكا إلى الله ولا تكن الثالث تكن من الجاهلين اجتهد أن تكون ممن يحبه الصالحون في الله فإن عجزت فكن ممن يحب الصالحين في الله ولا تكن الثالث تكن من الممقوتين هذه وصية مناصحة من اهتدى بهديها اهتدى هذه سفينة سلامة من اعتصم بركوبها نجا المؤمنون قوم باعوا الله أنفسهم وأموالهم ولم يقدموا عليه بسوى افتقارهم
إليه فعوضوا بما هو أعوض عليهم وأبقى لهم عاملوه رغبة فيه لا في شيء سواه فجازاهم بجنته ورضاه والله لو أن محبا صادقا يسأل بذل روحه وماله حتى ينال نظرة في نومه يسخو بها الحبيب من خياله وجدته لنفسه مهينا لنعم باله والرب تعالى يستقرض منا ربع عشر ما خولنا من مقتنى أمواله فلا نجود ثم نرجو حظوة لديه بالنعيم في وصاله هذا هو المحال والمحال لا مطمع للعاقل في مناله إنما امركم الله سبحانه بإنفاق أموالكم في سبيل مرضاته ليمتحن ماله في قلوبكم من محبته وإجلاله وخشيته ومقامه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم وفقنا الله وإياكم لمرضاته ووهبنا وإياكم من جزيل هباته وجمعنا وإياكم في دار النعيم وجنبنا وإياكم أفعال أهل الجحيم لإنه جواد كريم وصلى الله على سيدنا محمد أفضل الصلاة والتسليم
المجلس التاسع تسبيح وحمد وثناء
الحمد لله الذي خلق الإنسان من نطفة فجعله سميعا بصيرا وألزمه الحجة بإيضاح المحجة إما شاكرا وإما كفورا فمن شكر لأنعمه لقاه من كرمه نضرة وسرورا وسقاه من مدام ديمة شرابا طهورا ومن كفر أعد له سلاسل وأغلالا وسعيرا واستقبل به يوم حشره بعد عذاب قبره يوما عبوسا قمطريرا ذلك أنه اتبع غير سبيل المؤمنين وابتدع من رأيه ما ليس من شرائع الدين وترك الاعتصام بسنن المرسلين فويل له إذا قام يوم حشره من حفرته حاسرا حسيرا ولقى حسابا قد حرره عليه الحاسبان تحريراوكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا سبحان من تسبح بحمده الحركات والسكون وتشهد بحكمته الحياة والمنون ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ثم إذا دعاكم دعوة من الأرض إذا أنتم تخرجون يخرجون حفاة وعراة غرلا يرجو محسنهم من ثوابه فضلا ويخاف مسيئهم من عقابه عدلا فيومئذ لا يظلمون نقيرا وكفى بربك بذنوب عباده خبيرا بصيرا خضع لهيبته كل صعب ذلول وافتقرإلى
توفيقه كل عليهم وجهول إذا حكم فبالعدل يحكم وإذا قال فبالحق يقول وإذا سامح فالأمر يسهل وإذا ناقش فالحساب يطول فطوبى لمن كان له من سوء الحساب مجيرا لقد سعد سعادة الأبد وفاز فوزا كبيرا أحمده وأشكره ولم يزل بالحمد والشكر جديرا وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أشرب بها من سلسبيل الجنة نميرا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله إلى الخلق كلهم بشيرا ونذيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كبيرا اللهم اهد من صلاتنا وسلامنا إليه وإلى آله وأصحابه الذين جاهدوا بين يديه ما يكون حسن الجزاء عندك خصوصا على الصديق الأفضل والخليفة الأول والإمام المبجل أبي بكر الصديق الذي سبق إلى الإسلام أحرارا وعبيدا وإناثا وذكورا وعلى الفاروق الأكبر الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي أصبح به الإسلام ظاهرا وقد كان مستورا وعلى جامع الأمة على القرآن بعد إختلافها والباذل نفسه دون دينه حتى أوردها موارد تلافها أمير المؤمنين عثمان بن عفان الذي ابتلى في كتاب الله وكان البلاء صبورا وعلى أبي السبطين السيدين أبي محمد الحسن وأبي عبد الله الحسين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحائز من آيات الفرقان نصيبا موفورا وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وعلى سائر عباد الله الصالحين صلاة متصلة صباحا ومساء ورواحا وبكورا اللهم ونحن من جملة عبادك الفقراء إلى مزيد فضلك ودوام مدارك فاجعل لنا من لدنك سلطانا نصيرا حتى نجاورك في جنة عرضها السموات
والأرض حشوتها برحمتك وجعلت لباس أهلها حريرا متكئين فيها على الأرائك لا يرون شمسا ولا زمهريرا وأشركنا في صالح دعاء المسلمين وأشرك المسلمين في صالح دعائنا يا من لم يزل بكل شيء خبيرا وعلى كل شيء قديرا تنبيه العقول العاقلة يورث حرث الآخرة على حرث العاجلة وبالاستقامة على السيرة العادلة تظهر جواهر النفوس الفاضلة فطالب الإستقامة محتاج إلى طريق السلامة من سلكها بعدما عرفها وصل إلى دار الكرامة فمن عزم على سلوك طريق الجنة فليجعل دليله علوم الكتاب والسنة وإنما يهتدي بالعلم لمراد قائله خبير فلهذا ألزم أئمة السلوك الاشتغال بعلوم التفسير
تفسير أوائل سورة هود
بسم الله الرحمن الرحيم الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله سبحانه وتعالى الر قال أنا الله أرى وقال سعيد بن جبير الر حم ن هو اسم الله الرحمن وقيل الألف آلاؤه واللام لطفه والراء ربوبيته وقوله أحكمت آياته أي لم تنسخ بكتاب كما نسخت الكتب التي قبله ثم فصلت أي بينت بالأحكام والحلال والحرام وقوله تعالى من لدن حكيم خبير أي من عند حكيم بتدبير الأشياء وتقديرها خبير بما تؤول إليه عواقبها ألاتعبدوا إلا الله أي لا توحدوا ولا تطيعوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير أي قل يا محمد إنني من عند الله نذير أنذركم عقابه على معصيته وعبادة الأصنام وبشير أبشركم بثواب الله على طاعته وإخلاص عبادته وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه أي اطلبوا من ربكم مغفرة سالف ذنوبكم وتوبوا إليه بالرجوع عن مخالفته في بقية أعماركم يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى أي إذا استغفرتم ربكم وتبتم إليه بسط لكم
من الأرزاق ومد لكم في الأعمار إلى وقت الموت وهو الأجل المسمى وقيل المتاع الحسن هو أن يرضيهم بما أعطاهم وقيل هو استعمالهم بطاعته ومعرفة حقه فإن الله يحب الشاكرين وأهل الشكر في مزيد من الله تعالى وذلك قضاؤه الذي قضى وذلك يعني أنكم أيها المسلمون قد أطعتم ربكم في الاستغفار والتوبة وقد أنجز لكم ما وعد المستغفرين والتائبين من المتاع الحسن فإنه سبحانه قد عفا عنكم في أبدانكم ووسع لكم في أرزاقكم وأمنكم في أوطانكم وأعلاكم على عدوكم وشرفكم على أهل الملل وعصمكم من الردة المحبطة للعمل وستركم وجبركم وآواكم ونصركم فاعرفوا لله حق نعمته عليكم وطالبوا أنفسكم بواجب طاعته ويؤت كل ذي فضل فضله قال الضحاك ويؤت كل ذي فضل فضله من عمل سيئة كتيت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات فإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ثم يقول هلك من غلب آحاده عشرات ثم قال تعالى وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير أي وإن تعرضوا عما دعوتكم إليه من اخلاص العبادة لله والاستغفار والتوبة فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير أي كبير هوله وهو يوم القامة قال مقاتل إن لم يتوبوا في الدنيا فحبس الله عنهم المطر سبع سنين حتى أكلوا العظام والميتة وقيل معنى قوله أخاف بما يعلم وإنما عبر عن العلم بالخوف لأن العلم يوجد الخوف وأشد العصمة
على قدر علم المرء يعظم خوفه فلا عالم إلا من الله خائف فأمن مكر الله بالله جاهل وخائف مكر الله بالله عارف إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير وصف لهم نفسه بالقدرة حتى لا يعتقدوا بجهلهم عجزه فيخالفوا أمره قيستوجبوا عقابه فأعملهم بقدرته قبل حلول نقمته من جملة بره ولطفه وقدرته ورأفته فإذا كان هذا لطفه بأعدائه فكيف يكون عطفه على أوليائه قال الضحاك بن قيس رضي الله عنه قال صلى الله عليه و سلم يا أيها الناس اخلصوا أعمالكم لله فإن الله لا يقبل من العمل إلا ما خلص لوجهه ولا تقولوا هذا لله وللرحم فإنه للرحم وليس لله منه شيء ولا تقولوا هذا لله ووجوههم فإنه لوجوههم وليس لله منه شيء وعن أنس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا كان يوم القيامة صارت أمتي ثلاث فرق فرقة يعبدون الله خالصا وفرقة يعبدون الله رياء وفرقة يعبدون الله ليستأكلوا به الناس فإذا جمعهم الله قال للذي كان يستأكل به الناس بعزتي وجلالي ما أردت بعبادي قال بعزتك وجلالك أستأكل بها الناس قال لم ينفعك شيء مما جمعت انطلقوا به إلى النار ثم يقول للذي كان يعبده رياء بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي قال بعزتك وجلالتك أردت بها رياء الناس قال لم يصعد إلي منه شيء انطلقوا به إلى النار ثم يقول للذي كان يعبد خالصا بعزتي وجلالي ما أردت بعبادتي قال بعزتك وجلالتك أنت أعلم بذلك مني أردت بها وجهك وذكرك قال صدق عبدي انطلقوا به إلى الجنة
وفي حديث معاذ رضي الله عنه قال يا رسول الله أوصني قال اخلص دينك يكفيك القليل من العمل وقال يحيى بن معاذ كونوا عباد الله بأفعالكم كما زعمتم أنكم عبيد الله بأقوالكم وقال البناجي ما التنعم إلا في الإخلاص ولا قرة العين إلا في التقوى ولا راحة إلا في التسليم حدث القوم عن حقيقة الأمر فصدقوا ونظروا في علل الأعمال فدققوا ونصحوا لنا في وصاياهم وعلينا أشفقوا وتأدبوا بالعلم والعمل فلم أحكموه فضلوا فإن تقتدوا بهم تهتدوا وأن تسابقوهم تسبقوا أين البطال من الأبطال متى يدرك الأطفال مساعي الرجال بلغ الرجال نهاية الآمال في سيرهم بالشد والترحال نالوا المنى لما سمت لمناله من عزمهم هم هناك عوال لم ينكلوا في قصدهم ومسيرهم حتى أناخوا بالجناب العالي هذا هو الأمر الرشيد ومنتهى المرمى البعيد وغاية الآمال