سبل الانام الى دار السلام
ابصر القوم قصدهم وبذلوا في الطلب جهدهم وعلموا ان العلائق عوائق وان المخف هو السائق فخففوا انفسهم واظهرهم من اثقال الاشغال لعلمهم بأن الطريق كثير المزالق هذه سنة الكرام في طلب ذي الجلال والاكرام فأين المقتدرون هذه سبيل هداة الامام ودار السلام فأين المهتدون عاقنا والله عن اقتفاء اثارهم والتعلق بأذيال غبارهم فصول الكلام والطعام وشغل القلب والجوارح بكسب الحطام والاثار استفزنا في سبيل الله فثبطنا ودعينا الى الجناب العالي فأبينا ان لهم دنية لا تشتاق الى العالي ولا تنافس في طلب الغالي ولا تأنف من الهواء ولا تبالي
مالي والتفريط مالي قد حال بالتفريط حالي كم ذا اعلل بالمنى كم ذا اسوف بالمحال اين التزود للرحيل فقد دنا وقت ارتحالي يا ليت احبابي الذين هم من الدنيا سوا لي يرثون لي من علة قد صرت بها كالخلال قال الحبيب وقد رأى ما بي من الداء العضال من داؤه الهجران لا يشفيه منه سوى الوصال
الداء والدواء
قد ثبت في الحكمة ان شفاء الامراض قصد اسبابها فمن استشفى لمرضه بغير ذلك فقد اتى البيوت من غير ابوابها فمن كان داؤه المعصية فشفاؤه الطاعة ومن كان داؤه الغفلة فشفاؤه اليقظة ومن كان داؤه كثرة الاشتغال فشفاؤه في تفريغ البال من تفرغ من هموم الدنيا قلبه قل تعبه وتوفر من العبادة نصيبه واتصل الى الله مسيره وارتفع في الجنة مصيره وتمكن من الذكر والفكر والورع والزهد والاحتراس من غوائل النفس ووساوس الشيطان ومن كثر في الدنيا شغله اسود قلبه واظلم طريقه وكثرهمه ونصب بدنه وصار مهون الوقت طائش العقل معقود اللسان عن الذكر مقيد الجوارح عن الطاعة من قلبه في كل واد شعبه ومن عمره لكل شغل حصة فاستعذ بالله من فضول الاعمال والهموم فكل ما شغل العبد عن الرب فهو مشئوم ومن فاته القرب من مولاه فهو لو جازت يداه نعيم الخلد محروم كل العافية في الذكر والطاعة وكل البلاء في الغفلة والمخالفة وكل الشفاء في الانابة والتوبة متى اردت ان تعلم اي الدارين اولى بك فانظر اي
الحالين اغلب عليك فاذا اصحاب الطاعة الجنة اولى بهم واصحاب المعصية النار اولى بهم ولا تخادع نفسك في صحة النظر فجهل الانسان بنفسه اضر الضرر واعظم الخطر وانظر بعين التفكير والاعتبار لو ان طبيبا نصرانيا عفاك عن شرب الماء البارد لاجل مرض من امراض الجسد لاطعته في ترك ما نهاك عنه وانت تعلم ان الطبيب قد يصدق وقد يكذب ويصيب ويخطىء وينصح ويغش فما بالك لا تترك ما نهاك عنه انصح الناصحين واصدق القائلين لاجل مرض القلب الذي اذا لم تشف منه فأنت من اهلك الهالكين لا تقدر على التخلص من بلوى المعصية الا بالتخلص من سجن الغفلة ولا تتخلص من الغفلة الابتضمير البطن وتفريغ القلب ومواصلة الذكر فجوع بطنك وارفض شغلك واذكر ربك يعتزلك شيطانك ان الشيطان حامل على العصيان والعصيان جنون ومن لم يحضره الشيطان فليس بمجنون طوبى لمن كان كلامه مناجاة الله وعمله معاملة مع الله وفكره في تدبر الله والاعتبار بصنع الله ونيته خالصة لوجه الله يزاحم العلماء بركبتيه ويقبض على العلم بكلتى يديه عبادته مؤسسة على القواعد وعلى تصحيح العقائد الا رب من قد انحل الزهد جسمه كثير صلاة دائم الصوم عابد
يروم وصالا وهو بالطرق جاهل اذا جهل المقصود قد خاب قاصد قليل من الاعمال بالعلم نافع كثير من الاعمال بالجهل فاسد
فضل العلم والعلماء
من احب ان يكون للانبياء وارثا وفي مزارعهم حارثا فليتعلم العلم النافع وهو علم الدين ففي الحديث العلماء ورثة الانبياء وليحضر مجالس العلماء فإنها رياض الجنة ومن احب ان يعلم ما نصيبه من عناية الله فلينظر ما نصيبه من الفقه في دين الله ففي الحديث من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ومن سأل عن طريق تبلغه الجنة فليمش الى مجلس العلم ففي الحديث من سلك طريقا يلتمس فيها علما سلك الله به طريقا الى الجنة ومن احب الا ينقطع عمله بعد موته فلينشر العلم بالتدوين والتعليم ففي الحديث اذا مات الانسان انقطع عمله الا من ثلاث صدقة جارية او علم ينتفع به او ولد صالح يدعو له
وفي الاثر عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه اذا مات العالم انثلم في الاسلام ثلمة لا يسدها الا خلف مثله وعن ابي الاسود قال الملوك حكام على الناس والعلماء حكام على الملوك وقال فتح الموصلي اليس المريض اذا منع من الطعام والشراب والدواء يموت قيل له بلى قال فكذلك القلب اذا منع عنه العلم والحكمة ثلاثة ايام يموت وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه من حدث بحديث فعمل به فله اجر مثل ذلك العمل وقال الحسن لولا العلماء لصار الناس امثلهم امثال البهائم فيا من خلقه الله انسانا لا تجعل نفسك بقلة العلم بهيمة ونافس في اعلاء قيمتك بالعلم من ليس له علم فليس له قيمة اغتنم تعلم العلم واحضر مجالسه فمن ليس بعالم ولا متعلم فهو بمنزله البهيمة وليست فطرته سليمة يا طالب المجد والجلالة والرفعة والمكرمات والشرف تعلم العلم واحتسبه لوجه الله لا للمعاش والحرف وخذه من فوق فالعلوم لنا انفعه ما روى عن السلف
العلم در اذا افادك في الدين وما لم يفيد كالصدف ان جهلنا العلم فما نحن بجهله معذورين وان تعلمنا ولم نعمل به كنا على ذلك مؤاخذين وان عملنا وعملنا واخلصنا لم نكن بالقول واثقين فما لنا عن التنبه لهذا الخطر العظيم غافلين فكأننا بصحائف اعمالنا عند حضور اجالنا وقد طويت ثم كأننا يوم بها يوم القيامة وقد نشرت وكأننا بسوءاتنا يوم القيامة وقد كشفت فيا خجلتنا يوم الوقوف بين يدي الله ويا حسرتنا على ما فرطنا في جنب الله كفى بالمسيء جزاء على اساءته ان يفوته بياض وجوه المحسنين وعلو درجات المقربين فكيف وقد اوجب لنفسه سوء الحساب واليم العذاب والفضيحة على رءوس الخلائق والتوبيخ على التقصير بين يدي الخالق واغوثاه بالله يفوتنا الخير ونحصل على الشر تدركنا العقوبة ولا نحصل الاجر هذا والله هو الخسران المبين اللهم يا من لا يرضى لنا بدون رضاه عنا ولا يحب لنا الا ما يحبه منا انقذنا من ورطات الهالكين واصلحنا بما اصلحت به عبادك الصالحين ونجنا بمفازات المتقين برحمتك يا ارحم الراحمين
المجلس الرابع دعاء
اللهم انك افترضت علينا ما لا تطيق اداءه الا بتوفيقك فوفقنا لاداء ما افترضته وحرمت علينا ما لا نمتنع من مواقعته الا بحفظك فاحفظنا عن مواقعة ما حرمته فلا نعتمد الا عليك اللهم ارحمنا برحمة تغنينا بها عن رحمة الراحمين وارض عنا رضى لا تسخط علينا بعد أبدا الآبدين يا طالب الخيرات اين انت عن باب الغني الحميد يا خائف الشر هلا لجأت الى ركن القوي الشديد يا من قد اعتكرت على قلبه الهموم لم لا تروح بذكر الحميد المجيد
استغاثة
يا من قد اخطأت وتجاوزت الحد استغث بمن هو اقرب اليك من حبل الوريد هو الذي يفعل ما يشاء ويحكم بما يريد من حكم بشقاوته فذاك الشقي ومن قضى بسعادته فذاك السعيد
رب الاخرة والاولى ليس لاحد سواه مولى اذا حكم فلا معقب لحكمه واذا قطع فلا مسبب لقطعه يقضي فلا يقضى دافع فلا مانع وهو الصانع لكل صنعة وصانع كل الوجوه لعز قهرك خاضع والكل في صدقات جودك طامع يا معشر الفقراء اموا بابه فهناك فضل للبرايا واسع يعطي العطاء فلا يمانع مانع يقضي القضاء فلا يدافع دافع ما للعباد عليه حق واجب كلا ولا مسعى لديه ضائع يا سائلي عن رتبة الحب الذي من حلمنا فهو الامام البارع الزم طريق الذكر عمرك دائبا فالذكر في القلب المحبة زارع
من شروط الذكر
الذكر لله له شرطان حضور القلب في تحريره وبذل الجسد في تكثيره فان احببت ان تكون في الراسخين الاقدام في هذا المقام فحرر الذكر على الاحسان وكثره بقدر الامكان يا للرجال الاقنى سموا الى نيل العلا لا يزهيه مطامع قدم همام ماجد متقدم بهم جسور فاتك مسارع يغشى بصدره بنحره والوجه منه ابلغ مستنير ساطع سمع العدو بذكره فتزعزعت اركانه وعراه ذل قامع
هذي صفات الذاكرين ونيلها صعب المرارة على النفوس وشامع فتتبلوا للذكر وانتدبوا له فالذكر درع في الكريهة مانع ومتى عقلتم فاعلموا وتحققوا ان العدو على حماكم طالع اللهم نور بصائرنا بنور هدايتك حتى ننظر بعين الاعتبار في عجائب صنعتك فكم قد فطرت من بدائع النسم وابرزت الى الوجود من بحر العدم فنشهد ان لا اله الا انت كما وحدت نفسك في قديم القدم وحدوا لله معشر العارفينا فلتوحيده الشواهد فينا وصفوه بكل ما هو اهل ان تكونوا به واصفينا واذا ما رجوتموه فكونوا منه ايضا مع الرجا خائفينا وبأبواب بره لا تزالوا فوق اقدام شكره واقفينا لتكونوا من بحر معروفه الزاجر مهما اردتم غارقينا
جزاء المنقطعين
الى الله يلزم العبد منابات عبد مثله مترددا بسعيه اليه عاكفا بخدمته عليه فلا يلبث ان يعرف حق ملازمته وبحقه بألطاف كرامته فكيف لمن انقطع الى الله الذي له ما في السموات والارض وما بينهما وما تحت الثرى لقد حاز المنقطع الى الله كنوز الغنى وفاز الطالب من الله بلوغ المنى
يا سائلي عن مطلبها من حازه حاز المنى اسع فديتك ما سأوضحه وضحا بينا وجد ولا تشرك وكن بضمان ربك موقنا وانقد لطاعته تقدك الى المسرة والهنا من ادخل الله على قلبه مسلاة رضاه فقد تمت افراحه ومن ستره الله بستر التوبة النصوح فقد امن افتضاحه يا من له النعم الغزار على الخلائق ليس تحصى هب لي رضاك فيها مدى املي واقصى
معرفة الله بأصول ثلاثة
لا تطلب الحياة الا بالعافية ولا تتم العافية الا بالرضا وانما يرضى الله على من تاب من مخالفته من اهل مرافقته من لم يلزم نفسه بتقوى الله فهو لئيم ومن لم يرض بما قسم الله له فهو عديم الشأن كله في ان تفهم عن الله ثلاثة اصول اولها ان تعرف الله بماتعرف به اليك بما هو اهله وتعرف ما فرض الله عليك معرفته من احكام شرعية ثانيهما ان تطيعه في فعل الواجبات وترك المحرمات ثالثهما ان تشتاق الى ما شوق اليه وتخاف ما خوف منه فاذا أحكمت هذه الاصول لم يتاخر عنك الوصول
لان العالم بصفات الله واحكامه اعلم العالمين والعامل بطاعة الله فيما امره نهاه أعمل العاملين ذهب الزاهدون بالراحة وحصل العابدون على المثوبة ونجا الورعون من المناقشة وتحضر المتقون من العقوبة وفاز المتقربون من القرب والقرب من الله نطام رغائب الطالبين وغاية مطالب الراغبين وليس للقرب من الله نهاية تنتهي اليها المساعي فطالب القرب على قدم الجد في الدنيا ساع لا تستقر به دار ولا يقر له قرار كلما بلغ من القرب غاية علم بأن له وراءها عليه اخرى فهو سائر الى الله ابدا لا يفتر اللهم عطشنا بالشوق الى لقائك واسلكنا في سلك اوليائك واعقبنا جبرا لا يعقبه كسر واغننا غنى ليس معه فقر وخر لنا واختر لنا في كل ما تقضي من امر واحفظنا في انفسنا واهلينا وذرياتنا واهل ملتنا من كل ما يسوءنا واجعلنا في كل انواع الطاعة اليك مقربين وفيما عندك راغبين والى ما اعددت لأوليائك متقبلين وصل على نبيك محمد واله وصحبه اجمعين