ما الفرق بين دعاء العبادة ودعاء المسألة؟؟
1 دعاء العبادة (الثناء): ما كان فيه التمجيد والثناء على الله بأنواع العبادات ، من الصلاة والذبح والنذر والصيام وغيرها خوفاً وطمعاً رجاء رحمته وخوف عذابه وخلا من السؤال ...
ورد كثيرا في القرآن كقوله تعالى: **فلا تدع مع الله إلها آخر فتكون من المعذبين** [الشعراء: 213].
وأما دعاء المسألة فهو طلب ما ينفع الداعي من جلب نفع أو كشف ضرومن أدلته قوله تعالى:**قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ** [الأنعام: 40 - 41].
فمتى كان الدعاء مقرونا بالطلب مذكورا في صياغة الاستجابة فهو دعاء المسألة وإلا فهو دعاء العبادة.
أدلة لدعاء الثناء:
أ-عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أفْضَلُ الذِّكْرِ لا إله إِلاَّ الله وأفْضَلُ الدُّعاءِ الحَمْدُ لله»
أخرجه (التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن ماجة ــــوَابْن حبَان) :
قال شعيب الأرنؤوط : إسناده حسن
فَإِنَّ مَنْ حَمِدَ اللَّه إِنَّمَا يَحْمَد عَلَى نِعْمَته وَالْحَمْد عَلَى النِّعْمَة طَلَب مَزِيد قَالَ تَعَالَى لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ.
ب- حديث ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، كَانَ يَقُولُ، عِنْدَ الْكَرْبِ: لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ،الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ،رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ،رَبُّ السَّموَاتِ، وَرَبُّ الأَرْضِ،وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. متفق عَلَيْهِ.
2- كل دعاء عبادة مستلزم لدعاء المسألة، وكل دعاء مسألة متتضمن لدعاء العبادة فعلم أن النوعين متلازمان، فهو يدعو للنفع والضر دعاء المسألة، ويدعو خوفاً ورجاء دعاء العبادة.
فمثلا دعاء الكرب،ودعاء أيوب عليه السلام. ثناء متضمن لدعاء الطلب
الدليل:
أ- عَنْ سَعْدٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دَعْوَةُ ذِى النُّونِ إِذْ دَعَا وَهُوَ فِى بَطْنِ الْحُوتِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ. فَإِنَّهُ لَمْ يَدْعُ بِهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ فِى شَىْءٍ قَطُّ إِلاَّ اسْتَجَابَ اللَّهُ لَهُ ». رواه الترمذي:تحقيق الألبانى:صحيح
سماها دعوة لأنها تتضمن نوعي الدعاء فقوله "لا إله إلا أنت " اعتراف بتوحيد الإلهية ، وتوحيد الإلهية يتضمن أحد نوعي الدعاء فإن الإله هو المستحق لأن يدعى دعاء عباده ودعاء مسألة وهو الله لا إله إلا هو ،(إِنِّى كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ)اعتراف بالذنب، وهو يتضمن طلب المغفرة.
وأيضا قول أيوب عليه السلام [أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ][الأنبياء:83] فوصف نفسه ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره ، وهي صيغة خبر تضمنت السؤال ، وهذا من باب حسن الأدب في السؤال والدعاء .
3-دعاء العبادة بالنسبة للأسماء الحسنى فهو: فهو التعبد لله سبحانه وتعالى ، والثناء عليه بأسمائه الحسنى ، فكل اسم يتعبد به بما يقتضيه ذلك الاسم ، فيقوم بالتوبة إليه لأن من أسماء الله التواب ، وتخشاه في السر لأن من أسمائه اللطيف الخبير وهكذا.
أما دعاء المسألة بالنسبة للأسماء الحسنى فهو : سؤال الله في كل مطلوب بما يناسب ذلك المطلوب ، والتوسل إلى الله بالأسماء في الدعاء فيقول الداعي : اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ، وتب على يا تواب ونحو ذلك.
4-الاعتداء في دعاء العبادة(الثناء) أن تعبده بما لم يشرعه وتثني عليه بما لم يثن به على نفسه ولا أذن فيه فإن هذا اعتداء في دعاء الثناء والعبادة
وأما الاعتداء في دعاء المسألة (الطلب) فكل سؤال يناقض حكمه الله أو يتضمن مناقضة شرعه وأمره أو يتضمن خلاف ما أخبر به فهو اعتداء لا يحبه الله ولا يحب سائله ،
وقال ابن جريح :
من الاعتداء رفع الصوت في الدعاء والنداء في الدعاء والصياح .
5-إن دعاء العبادة حق الرب ووصفه ، ودعاء المسألة حظ العبد ومصلحته ، فالشيء يشرف بحسب متعلقه.
6-إن دعاء العبادة لا يكون إلا من مخلص وأما دعاء المسألة فيكون من مخلص وغير مخلص لأن الله تعالى يسأله من في السموات والأرض والكفار يسألون الله فيجيبهم .
7- إن العبادة شكر لنعمة الله تعالى والله يحب أن يشكر ، وأما الدعاء فهو طلب لفعله وتوفيقه ، ويحصل بالشكر لله وعبوديته التوفيق والإعانة فكان الأولى الالتزام بالشكر حتى يحصل له الأمران ولهذا كان المستحب في الدعاء أن يبدأ الداعي بحمد الله تعالى والثناء عليه بين يدي حاجته ثم يسأل حاجته .
الدليل:
عن فَضَالَةَ بنِ عُبَيْدٍ رضي الله عنه ، قَالَ : سَمِعَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ الله تَعَالَى ، وَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عليه وسلم : ( عَجِلَ هَذَا )ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ : ( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ رَبِّهِ سُبْحَانَهُ ، وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ، ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ)
رواه أَبُو داود والترمذي وقال : (حديث حسن صحيح).
8- إن العبادة هي الغاية المطلوبة لذاتها وهي التي خلقنا من أجلها ، والسؤال وسيلة إليها والمقاصد والغايات أشرف من الوسائل
قال تعالى[وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ][الذاريات:56].
9- في القرآن الكريم ضابط الفرق بينهما قال فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما يمكن اعتباره ضابطاً للآيات التي يكون فيها حمل الدعاء على العبادة أظهر فقال : كل موضع ذكر فيه دعاء المشركين لأوثانهم فالمراد به دعاء العبادة المتضمن دعاء المسألة فهو في دعاء العبادة أظهر لوجوه ثلاثة :
أحدها : أنهم قالوا :[مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى][الزمر:3] فاعترفوا بأن دعاءهم إياهم عبادتهم لهم
الثاني : أن الله تعالى فسر هذا الدعاء في موضع آخر كقوله تعالى [وَقِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ هَلْ يَنْصُرُونَكُمْ أَوْ يَنْتَصِرُونَ] [ الشعراء : 92-93]
وقوله تعالى :[ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ] [ الأنبياء : 98 ]
وقوله تعالى : [لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ][ الكافرون : 2] وهو كثير في القرآن فدعاؤهم لآلهتهم هو عبادتهم لها.
الثالث : أنهم كانوا يعبدونها في الرخاء فإذا جاءتهم الشدائد دعوا الله وحده وتركوها ، ومع هذا فكانوا يسألونها بعض حوائجهم ويطلبون منها وكان دعاؤهم لها دعاء عبادة ودعاء مسألة.
قال تعالى[فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ][العنكبوت:65].
10- دعاء المسألة طلب نفع ودفع ضر ،بعكس دعاء العبادة فذل وخضوع وانكسار تام .
11- دعاء المسألة من قبيل توحيد الربوبية ،أما دعاء العبادة فمن قبيل توحيد الألوهية .
12- دعاء المسألة داخل في الأمور الكونية ، أما دعاء العبادة فداخل في الأمور الشرعية.
13- يجتمعان بأن دعاء المسألة ودعاء العبادة إذا توجه بهما العبد إلى الله تعالى فلابد وأن يكونا مقترنين بالرغبة والرهبة كما قال تعالى ** وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ** [الأنبياء : 90] .
أيهما أفضل دعاء العبادة(الثناء) أم دعاء المسألة؟؟
فيه ثلاثة أقوال:
1-دعاء العبادة أفضل وذلك للحديث:
وعن أَبي ذَرٍّ - رضي الله عنه - قَالَ : قَالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( ألاَ أُخْبِرُكَ بِأَحَبِّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ ؟ إنَّ أَحَبَّ الكَلاَمِ إِلَى اللهِ : سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ )) . رواه مسلم .
وقال ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب:
الذكر أفضل من الدعاء ، الذكر ثناء على الله عز وجل بجميل أوصافه وآلائه وأسمائه، والدعاء سؤال العبد حاجته فأين هذا من هذا ؟
2-دعاء المسألة أفضل:
أ-وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما ، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ
(الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (حديث حسن صحيح).
ب-حديث ابن عباس مرفوعاً [ أفْضَلُ العِبادَةِ الدُّعاءُ وقرأ : وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ]: قال الشيخ الألباني : ( صحيح )
3-الأفضلية فيهما معاً:
وهو القول الراجح : إن الأفضل يتنوع باعتبارات ومع ذلك إذا نظر بدون اعتبار فدعاء العبادة أفضل ، فجنس الدعاء الذي هو ثناء وعبادة أفضل من جنس الدعاء الذي هو سؤال وطلب وإن كان المفضول قد يفضل على الفاضل في موضعه الخاص بسبب وبأشياء أخرى ، فالمفضول له أمكنة وأزمنة وأحوال يكون فيها أفضل من الفاضل.
قال ابن القيم رحمه الله :
جنس الذكر أفضل من جنس الدعاء من حيث النظر إلى كل منهما مجرداً وقراءة القرآن أفضل من الذكر والذكر أفضل من الدعاء هذا من حيث النظر إلى الكل مجرداً وقد يعرض للمفضول ما يجعله أولى من الفاضل بل يعينه فلا يجوز أن يعدل عنه إلي الفاضل وهذا كالتسبيح في الركوع والسجود فإنه أفضل من قراءة القرآن فيهما بل القراءة فيهما منهي عنها نهي تحريم أو كراهة وكذلك التسبيح والتحميد والتشهد والذكر عقيب السلام من الصلاة ، أفضل من القراءة.
المراجع:
بدائع الفوائد
الوابل الصيب
الدعاء للعروسي
ومدارج السالكين
الفتاوى ابن تيمية
بصائر ذوي التمييز
شرح كتاب التوحيد للشيخ ابن عثيمين
أسماء الله للغصن ص 127