عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-03-2005, 04:24 PM   #4
معلومات العضو
مسك الختام
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

أما وضع الإنسان لنفسه في موضعها و فهمه لحجمها ووقوفه عند حدوده لا يتجاوزها فهذا ليس من الغرور في شيء .

فالمسلم المحسن المظِن بالله المؤمن المتوكِل عليه يعتدّ بنفسه، و ينبع هذا الإعتداد بالنفس من عقيدته التي يعتقدها، فعمار بن ياسر وبلال بن رباح و سمية وعبد الله بن مسعود - رضي الله عنهم أجمعين - لم يكونوا مغرورين في تحديهم لقريش بل كان اعتدادهم بأنفسهم و حسن ظنهم بربهم بأنه ناصرهم و مؤيدهم هو المحرك لهم يستمدون منه قوتهم.

و كل حامل دعوة حاله كحالهم، و هكذا يجب أن يكون إذ لا يتأتى أن يحمل الدعوة مهزوز الفكر أو مضطرب أو متردد، فإن الفكر متين قويٌ فلا بد للوعاء الذي يستوعبه أن يكون صلباً كذلك و ليس هذا من الغرور. بل هو أسٌّ عند حامل الدعوة أو من مواصفاته و لنا الأسوة برسول الله-صلى الله عليه و سلم- حين قال: ( و الله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في شمالي على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ).
و ليست هذه أقوال مغرورٍ بل هي أقوال و اثقٍ كل الثقة بما يحمل و امتزجت هذه الثقة بقوة الحامل فكان هذا التشبيه.

فالأمر الأساسي لوجودنا هو عبادة ربنا، و قد وهب لنا ربنا من الوسائل ما نحتاج إليه في هذه الحياة من قوة و عقل وسمع و بصر و حجج جعلها ملازمة لنا .

و سخر لنا الدواب و الأنهار و البحار و الشمس و القمر و صدق الله العظيم (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ.وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)(ابراهيم:34,33) وجعل لنا سلطاناً على بعض المخلوقات من الدواب و الأنعام و خلق فينا غريزة التملك، بل وجعلنا نستمتع بذلك و نفرح بتملكنا، ثم علمنا لنعلم و نعمل بما تعلمنا فقال عز و جل (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)(الحديد:20).

فكانت كل هذه الوسائل التي سخرها الله لنا تختلف عن الغاية التي أوجدنا الله لأجلها حين يقول(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)(الذريات:56)فهذه الوسائل يجب علينا أن نبقيها في نفس الدائرة التي وجدت لها فقط .

و لكن حين تختلف زاوية النظر عند الانسان تختلف نظرته للوسيلة و الغاية فينخدع، فيتوهم أن الوسيلة هي غاية فيغْتر.

و يكون حاله حال قارون حين سكنت نفسه إلى ما يوافق هواها فتبدلت زاوية النظر عنده بدلاً من أن يشكر المنعم قال: ( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ) (القصص: من الآية78)فنسب لنفسه ما لا يجوز له أن ينسبه لانخداعه و توهمه و صدق الله العظيم (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ)(القصص: من الآية77) فالمسلم العامل يحاول أن يصنع من علمه قارب نجاةٍ يوصله لرضوان الله، و كذلك حامل الدعوة أو صاحب المال أو صاحب الرأي فما بين أيدينا و سائل نعمل بجد و اجتهاد حتى تكون هذه الوسائل موصلة لنيل رضوان الله، فلا ننخدع و لا نتوهم و لا ننظر للأشياء إلا من خلال أوامره سبحانه و تعالى و نواهيه

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة