إن الغُرور مرض من أمراض القلب مثله في ذلك مثل العُجْب و الكِبْر و الحَسَد .
أما واقعه و ماهيته فهو انخداع يحصل للنفس يحرِف الإنسان عن النظر الى نفسه خلال الزاوية الحقيقية الصادقة لنفسه الى زاوية أخرى فينظر إلى نفسه إما من خلال توهمه و هماً ليس له واقع ، أو من خلال ما بين يديه من أمر أو قوة أو نفوذ .
أما نظره الى نفسه من خلال وهمه و من زاوية غير حقيقية لنفسه فإنه ينخدع بتوهمه الخاطئ بتقديره لنفسه ، و بتقييمه لها إما للأدنى و إما للأعلى و في كلا الحالين منخدع .
فإذا توقف الأمر لهذا الحد و لم يتجاوزه بقي في الدائرة نفسها و هي دائرة الإنخداع ، و أما إذا تعدّاها ففي الحالة الاولى يكون انخداعه بنفسه بعدم ايفائها حقها بأنه نظر فانخدع و رأى نفسه على غير صورتها بأنه حقير و مستضعف و ليس له من الأمر شيء ،فلا يُسمى ذلك غروراً و إنما هي غفلة ، فإذا ذُكرّ آبَ و رجع .
وفي الحلة الثانية ان رأى نفسه أكبر من حجمها و لا يعلم انه لا يعلم فانه يكون قد توهم و انخدع ، و أنتج هذا الانخداع غروراً في نفسه ، و قد يتساعد في حصول هذه النتيجة عامل خارجي إضافة إلى العامل الداخلي و هو مرض القلب .
فإذا قام بعمل فأعجبه عمله أو مدحه غيره مرّة بعد مرّة فتعتريه خفةٌ في قلبه فيزيَّن له كل عمل يقوم ، به فلا يكاد يرى إلا من خلال نفسه و صدق الله العظيم ( وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً)(الكهف: من الآية104) .
أما تأثير العامل الداخلي أو القلبي فإن تأثيره يكون أبلغ إذا كان المسلم ضعيف الذهن ، قليل العقل ، سخيف الرأي، فإنه ينخدع بسهولة و يُسر , فإذا جاءه الشيطان الخادع و الموسوس له بحيله وفنونه و زيّن له ذلك الفعل و هوّنَ عليه مفاسده و بيّن له منافعه ، و اللذة الحاصلة له بذلك الفعل فإنه ينخدع فيفعل ما يوسوسه الشيطان أو يمتنع عن الفعل بايهام الشيطان له بالفقر أو بعواقِب ما يفعل فلا يتصدق و لا يحمل دعوة .
فالانخداع و التوهم إما أن يكون بصرف إنسان عن الفعل بالوسوسة و التحذير من العواقب بتضخيم الاذى الحاصل له من الفعل و تصوير النتائج بغير صورها الحقيقة ،و كل ذلك يدخل في باب الخداع الفكري ان صحّ التعبير .
ولا فرق بين صرف الانسان عن الفعل أو دفعه الإنسان للفعل من حيث الوسوسة و الإيهام حتى يرى الانسان نفسه من خلال الوهم و انعدام الحقيقة لاختلاف زاوية النظر فتكون النتائج المبنية على الوهم أشد على الانسان و قعاً من الوهم نفسه ، فجاء البيان من الله تعالى لنا حتى تكون زاوية النظر عندنا ثابتة فنرى الدنيا على وجه الحقيقة بدون وهم و صدق الله العظيم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)(فاطر:5) . وأخبر عن الشيطان وعمله و ايهامه فقال عز وجل ( يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُوراً)(النساء:120)