عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 22-11-2011, 10:04 PM   #10
معلومات العضو
عبد الغني رضا

افتراضي

7ـ ومن فوائد المرض: أن الله يخرج به من العبد الكبر والعجب والفخر، فلو دامت للعبد جميع أحواله لتجاوز وطغى ونسي المبدأ والمنتهى، ولكن الله سلط عليه الأمراض والأسقام والآفات وخروج الأذى منه والريح والبلغم، فيجوع كرهاً ويمرض كرهاً، ولا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، أحياناً يريد أن يعرف الشيء فيجهله، ويريد أن يتذكر الشيء فينساه، وأحياناً يريد الشيء وفيه هلاكه، ويكره الشيء وفيه حياته، بل لا يأمن في أي لحظة من ليل أو نهار أن يسلبه الله ما أعطاه من سمعه وبصره، أو يختلس عقله، أو يسلب منه جميع ما يهواه من دنياه فلا يقدر على شيء من نفسه، ولا شيء من غيره،فأي شيء أذل منه لو عرف نفسه؟ فكيف يليق به الكبر على الله وعلى خلقه وما أتى إلا من جهله؟
ومن هذه أحواله فمن أين له الكبر والبطر؟ ولكن كما قيل: من أكفر الناس بنعم الله الفقير الذي أغناه الله، وهذه عادة الأخساء إذا رفع شمخ بأنفه، ومن هنا سلط الله على العبد الأمراض والآفات، فالمريض يكون مكسور القلب كائناً من كان، فلا بد أن يكسره المرض، فإذا كان مؤمناً وانكسر قلبه فالمريض حصل على هذه الفائدة وهي الانكسار والاتضاع في النفس وقرب الله منه، وهذه هي أعظم فائدة.
يقول الله: ** أنا عند المنكسرة قلوبهم ** وهذا هو السر في استجابة دعوة الثلاثة: المظلوم، والمسافر، والصائم، وذلك للكسرة التي في قلب كل واحد منهم، فإن غربة المسافر وكسرته مما يجده العبد في نفسه، وكذلك الصوم فإنه يكسر سورة النفس ويذلها، وكذا الأمر في المريض والمظلوم، فإذا أراد الله بعبد خيراً سقاه دواء من الابتلاء يستفرغ به من الأمراض المهلكة للعبد حتى إذا هذبه رد عليه عافيته، فهذه الأمراض حمية له، فسبحان من يرحم ببلائه ويبتلي بنعمائه.
8ـ ومن فوائد المرض: انتظار المريض للفرج، وأفضل العبادات انتظار الفرج، الأمر الذي يجعل العبد يتعلق قلبه بالله وحده، وهذا ملموس وملاحظ على أهل المرض أو المصائب، وخصوصاً إذا يئس المريض من الشفاء من جهة المخلوقين وحصل له الإياس منهم وتعلق قلبه بالله وحده، وقال: يا رب، ما بقي لهذا المرض إلا أنت، فإنه يحصل له الشفاء بإذن الله، وهو من أعظم الأسباب التي تطلب بها الحوائج، وقد ذكر أن رجلاً أخبره الأطباء بأن علاجه أصبح مستحيلاً، وأنه لا يوجد له علاج، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله الدعاء في الأسحار، فشفاه الله بعد حين، وهذا من لطائف أسرار اقتران الفرج بالشدة إذا تناهت وحصل الإياس من الخلق، عند ذلك يأتي الفرج، فإن العبد إذا يئس من الخلق وتعلق بالله جاءه الفرج، وهذه عبودية لا يمكن أن تحصل إلا بمثل هذه الشدة حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَاءهُمْ نَصْرُنَا [يوسف:110].
9ـ ومن فوائد المرض: أنه علامة على إرادة الله بصاحبه الخير، فعن أبي هريرة مرفوعاً: ** من يرد الله به خيراً يصب منه ** [رواه البخاري]، ومفهوم الحديث أن من لم يرد الله به خيراً لا يصيب منه، حتى يوافي ربه يوم القيامة، ففي مسند أحمد عن أبي هريرة قال: ** مر برسول الله أعرابي أعجبه صحته وجلده، قال: فدعاه فقال له: متى أحسست بأم ملدم؟ قال: وما أم ملدم؟ قال: الحمى، قال: وأي شيء الحمى؟ قال: سخنة تكون بين الجلد والعظام، قال: ما بذلك لي عهد، وفي رواية: ما وجدت هذا قط، قال: فمتى أحسست بالصداع؟ قال: وأي شيء الصداع؟ قال: ضربات تكون في الصدغين والرأس، قال: مالي بذلك عهد، وفي رواية: ما وجدت هذا قط، قال: فلما قفا ـ أو ولى ـ الأعرابي قال: من سره أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ** [وإسناده حسن] فالكافر صحيح البدن مريض القلب، والمؤمن بالعكس.

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة