(فصل)
وأوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، والموالات في الله والمعادات في الله، وقال ابن عباس رضي الله عنه: "من أحب في الله، وأبغض في الله، وعادى في الله، ووالى في الله؛ فإنما ينال ولاية الله بذلك".
ولن يجد عبدٌ طعم الإيمان - وإن كثرت صلاته وصومه - حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئًا.
وأهل الغفلة والإعراض عن الله والدار الآخرة في غفلة عما خُلقوا له، ومحبتهم لأهوائهم وشهواتهم لا لمحبة مولاهم ورضاه، فتخونهم محبتهم لهذه الأغراض أحوج ما كانوا إليها، وقد صار هواهم وإقبالهم على ما تكفل لهم به، وصار الحق عندهم باطلًا والباطل حقًا، والفاجر تقيًّا، والتقي فاجرًا؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
(فصل) والليل والنهار مطايا لهذا العالم يبليان كل جديد ويقربان كل بعيد، كما قال الحسن البصري رحمه الله: "لم يزل الليل والنهار سريعَيْن في نقص الأعمال وتقريب الآجال. هيهات. قد صحبا نوحًا وعادًا وثمود وقرونًا بين ذلك كثيرًا، فأصبحوا وقد قدموا على ربهم، ووردوا على أعمالهم" وأصبح الليل والنهار غضَّيْن جديديْن، لم يُبلِهما ما مرا به، مستعدَيْن لمن بقى بمثل ما مضى".
وكتب الأوزاعي إلى أخٍ له: "أما بعد؛ فقد أحيط بك من كل جانب، واعلم أنه يُسار بك في كل يوم وليلة، فاحذر الله والمقام بين يديه، وأن يكون آخر عهدك.. والسلام".
وقال بعض السلف: "كيف يفرح بالدنيا مَن يومُه يهدم شهرَه، وشهرُه يهدم سنَتَه، وسنتُه تهدم عمرَه! كيف يفرح بالدنيا مَن يقوده عمرُه إلى أجله، وتقوده حياتُه لموته؟!!
وقال بعض الحكماء: "مَن كانت الأيام والليالي مطاياه؛ سارت به وإن لم يَسِر".
وكتب بعض السلف إلى أخ له: "يا أخي، يخيَّل إليك أنك مقيمٌ، بل أنت دائب السيْر، تُساق مع ذلك سوقًا حثيثًا! الموت متوجهٌ إليك، والدنيا تُطوى من وراءك، وما مضى من عمرك فليس بكارٍّ عليك إلى يوم التغابن".
وكان محمد بن واسع إذا أراد أن ينام قال لأهله: "أستودعكم الله؛ فلعلها أن تكون مَنِيَّتي التي لا أقوم منها". وكان هذا دأبه إذا أراد النوم.
وقال بكر المُزيني: "إن استطاع أحدكم أن لا يبيت إلا وعهده عند رأسه مكتوبٌ؛ فليفعل؛ فإنه لا يدري؛ لعله يبيت في أهل الدنيا ويصبح في أهل الآخرة".
وكان أويس القرني إذا قيل له: كيف الزمان عليك؟ قال: "كيف الزمان على رجلٍ إن أمسى ظنَّ أنه لا يُصبِح، وإن أصبح ظنَّ أن لا يُمسي، فمُبَشَّرٌ بالجنة أو النار".
[1] نُبَذ يسيرة اقتطفتها، وموعظة بليغة اختصرتها من كتب شتى.