وقد كان في وصايا عيسى عليه السلام للحواريين أن قال: يا معشر الحواريين تحببوا إلى الله ببغض أهل المعاصي وتقربوا إليه بالمقت لهم والتمسوا رضاه بسخطهم وجالسوا من تزيدكم مجالسته حكمة. وقال الحسن البصري: أحب عباد الله إليه أكثرهم له ذكراً وأتقاهم قلباً. وقال ابن مسعود في قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾ [آل عمران: 102] قال أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى وأن يشكر فلا يكفر. وقال أبو الدرداء: الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك وقيل له إن رجلاً أعتق مائة نسمة من ماله فقال إن مائة نسمة من مال رجل كثير وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله وليس المراد من الذكر ذكر اللسان فقط بل الذكر القلبي واللساني وذكر أسمائه وصفاته وذكر أمره ونهيه ووعده ووعيده وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مررت ليلة أسري بي برجل مغيب في نور العرش فقلت من هذا يا جبريل أملك هو؟ قال لا) وفي رواية قلت: (أنبي؟ قيل لا قلت من هو قيل هذا رجل كان لسانه رطباً من ذكر الله وقلبه معلق بالمساجد ولم يسب والديه قط) وقال كعب: من أكثر ذكر الله برئ من النفاق ويشهد لهذا المعنى أن الله وصف المنافقين بأنهم لا يذكرون الله إلا قليلاً فمن أكثر ذكر الله فقد برئ منهم وباينهم في أوصافهم وأفعالهم. وكان المغيرة بن الحكم إذا هدأت العيون نزل بالجسر وقام في الماء يذكر الله مع دواب البحر. وقال في حلة الأولياء: إن الإنسان لا ينبغي له أن يخرج من كلامه إلا ما يحتاج إليه كما أنه لا ينفق من كيسه إلا ما يحتاج إليه وقال لو اشتريتم القرطاس للحفظة لسكتم عن كثير من الكلام. وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من فقه الرجل قلة كلامه فيما لا يعنيه".
وروى أيضاً عنه صلى الله عليه وسلم: "إن الصدقة وصلة الرحم تدفع ميتة السوء"، وفي حديث آخر: "إن الدعاء والبلاء بين السماء والأرض يقتتلان ويدفع الدعاء البلاء قبل أن ينزل وبعده".
وقال صلى الله عليه وسلم لأبي ذر لما سأله عن صحف إبراهيم قال: كانت أمثالاً كلها كان فيها على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يتفكر في صنع الله، وساعة يحدث فيها نفسه، وساعة يخلو بذي الجلال والإكرام، وإن تلك الساعة له عون على تلك الساعات والسعادة قبل الولادة، ولكن ينبغي للإنسان التفكر في مآله وسرعة نزوله وارتحاله وينبغي له الصبر في ذلك وهو نوعان صبر اختيار وصبر اضطرار فصبر الاختيار غير صبر الاضطرار فصبر الاختيار أن يصبر على ما يقضيه ربه ويختاره له من غير ضجر ولا شكوى لمخلوق وصبر الاضطرار هو المذموم وهو الذي لا يرضى بقضاء الله واختياره له بل يحصل منه ضجر وتشكي وجزع وهلع فهذا يسلو كما تسلو البهائم بل هي أحسن حالاً منه كما قال تعالى ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً﴾ [الفرقان: 44].