عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 18-04-2011, 04:05 AM   #48
معلومات العضو
بلعاوي

افتراضي


الحمد لله الذي شرع لنا دينًا قويمًا، وهدانا صراطًا مستقيمًا، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه وبعد

قال اللّه تعالى‏:‏
**يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ
بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا على أهْلها **[‏النور‏:‏27‏]‏


وقال تعالى‏:‏
**
‏إِذَا بَلَغَ الأطْفالُ مِنْكُمُ الحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كما اسْتَأذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ‏**‏‏ [ ‏النور‏:‏59‏]‏‏.‏


شرع الله لنا الاستئذان حتى يكون صاحب البيت حرًا في إعطاء الإذن لمن يشاء، ومنعه عمن يشاء، ولما كان الاستئذان بالأمر الجديد على الصحابة، فقد وضع الرسول كيفيته الاستئذان .

ينبغي على الطارق أن يستأذن ثلاثًا مرات، قال قتادة في معنى قوله تعالى «
حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» هو الاستئذان ثلاثًا، فمن لم يُؤذن له، فليرجع
ولما روى البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال كُنتُ في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعورٌ، فقال استأذنتُ على عُمر ثلاثًا، فلم يُؤذن لي، فرجعتُ فقال ما منعك ؟ قلتُ استأذنت ثلاثًا، فلم يُؤذنْ لي، فرجعتُ، وقال رسول الله «
إذا استأذن أحدكم ثلاثًا، فلم يؤذن له، فليرجعْ » (1) فقال أي عمر والله لتقيمن عليه بينةً، أَمِنْكُمْ أحدٌ سَمِعهُ من النبي ؟ فقال أُبي بن كعبٍ واللهِ لا يقومُ معك إلا أصغرُ القومِ، فكنت أبو سعيد الخدري أصغرَ القومِ، فقمتُ معهُ فأخبرتُ عمرَ أنَّ النبي قال ذلك
فهذا الحديث وغيره كثير يدل دلالة واضحة وصريحة على أن الاستئذان ثلاث مرات، وأن الاستئناس المذكور في الحديث هو الاستئذان المكرر ثلاثًا، فإن لم يُؤذنْ له بعد الثالثة رَجَعَ
وعليه إذا استأذن ثلاث مرات، فلم يرد عليه، فينبغي عليه أن ينصرف حتى لو تأكد أن صاحب المنزل موجود داخله
ولا يتخذه له ذنبًا، ولا يضطره إلى مضايق الإحراج، ولا يُحْوجهُ إلى الاعتذار، فضلاً عن توبيخه إذا لقيه بعد
واعلم أنهم إن لم يسمعوا استئذانه لا يزيد كذلك على الثالثة ؛ بل ينصرف بعدها
قال الإمام النووي في شرح مسلم أما إذا استأذن ثلاثًا، فلم يؤذن له، وظن أنه لم يسمعه ففيه ثلاثة مذاهب، أشهرها أنه ينصرف ولا يعيد الاستئذان، والثاني يزيد فيه، والثالث إن كان بلفظ الاستئذان المتقدم لم يُعِدْهُ، وإن كان بغيره أعاده، فمن قال بالأشهر فحجته قوله «
فلم يؤذن له، فليرجع »
ومن قال بالثاني حمل الحديث على من علم، أو ظن أنه سمعه، فلم يأذن، والله أعلم، والراجح كما قال ابن قيم الجوزية وكان من هديه إذا استأذن ثلاثًا ولم يؤذن له، انصرف، وهو ردٌّ على من يقول إن ظن أنهم لم يسمعوا، زاد على الثلاث وردٌّ على من قال يعيده بلفظٍ آخر، والقولان مخالفان للسنة راجع زاد المعاد
قال العلامة الشنقيطي اعلم أن الذي يظهر لنا رجحانه من الأدلة، أنه إن علم أن أهل البيت، لم يسمعوا استئذانه لا يزيد على الثالثة، بل ينصرف بعدها، لعموم الأدلة، وعدم تقييد شيء منها بكونهم لم يسمعوه، خلافًا لمن قال له الزيادة، ومن فَصَّل في ذلك
وحكمة جعل الاستئذان ثلاثًا مرات ؛ في الأولى يكون الإعلام لأهل البيت، فينصتون، ويعلمون بوجود طارق بالباب، وفي الثانية يستصلحون ويحصل التهيء والاستعداد لمقابلة هذا الطارق، أو عدم مقابلته
وفي الثالثة يأذنون بالدخول، أو يردون أي عدم الإذن له بالدخول، وقد يكون لعدم وجود أحد أصلاً، أو وجود من لا يملك الإذن له بالدخول
وقال ابن عبد البر في التمهيد وقال بعضهم المرة الأولى من الاستئذان استئذان والمرة الثانية مشورة، هل يُؤْذَنُ في الدخول، أم لا ؟
والثالثة علامة الرجوع، ولا يزيد على الثلاث
وقال أبو بكر العربي في أحكام القرآن وحكمة التعداد في الاستئذان أن الأولى استعلام، والثانية تأكيد، والثالثة إعذار
وفي أحكام القرآن للجصاص ورُوِيَ مرفوعًا الاستئذانُ ثلاثٌ، فالأُولى يستنصتُون، والثانيةُ يستصلحونَ، والثالثةُ يأذنونَ أو يرُدُّون
وقال القرطبي في الجامع لأحكام القرآن قال علماؤنا رحمة الله عليهم إنما خُصَّ الاستئذان بثلاث لأن الغالب من الكلام إذا كرر ثلاثًا سُمع وفُهم، ولذلك كان النبي إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا، حتى يُفهم عنه، وإذا سلَّم على قوم سلَّم عليهم ثلاثًا، وإذا كان الغالب هذا، فإذا لم يُؤذنْ له بعد ثلاث ظهر أن رب المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عنه عذر لا يمكنه قطعه، فينبغي للمستأذن أن ينصرف ؛ لأن الزيادة على ذلك قد تقلق رب المنزل، وربما يضره الإلحاح، حتى ينقطع عما كان مشغولاً به، كما قال النبي لأبي أيوب حين استأذن عليه، فخرج مستعجلاً، فقال «
لَعَلَّنَا أَعْجَلْنَاكَ » اهـ



(1) الراوي: أبو سعيد الخدري المحدث: البخاري - المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 6245 خلاصة حكم المحدث: [صحيح]
الراوي: أبو موسى الأشعري المحدث: الألباني - المصدر: صحيح أبي داود - الصفحة أو الرقم: 5180 خلاصة حكم المحدث: صحيح


    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة