الموضوع: السجيــنة
عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 09-02-2011, 08:40 AM   #2
معلومات العضو
عبد الغني رضا

افتراضي

قالت: في بعث كذا وكذا؛ فبعث إلى عاملِ ذلك الجند أنْ سرح فلان بن فلان؛ فلما قدم عليه؛ قال: اذهب إلى أهلك؛ ثم أمر أن يكون أجل بعث الجيوش أربعة أشهر .


ألا تدري أيها العاقل أن جلوس المرأة دون زواج كالجمرة التي تحتضنها؛ لا تدري في أي لحظة ستحرق ثيابك!


ولا تقل: إن النسب والحسب يمنع؛ فالفتنة إذا تحركت لا يوقفها شيء؛ والضعف موجود؛ ولا نقول ذلك تهويناً للفساد؛ ولكن لننبه إلى ما قد يقع.


ويا عبد الله: احذر من الظلم.


فما قولك حين تقف بين يدي الله؛ وقد ظلَمْتَ هذه المسكينة؛ وأغلَقْتَ دونها الأبواب؛ وكلما تقدم لها رجل كفء رفضتْه؛ فما عذرك أمام الله؟


ألا تخشى أن تدعو عليك هذه المسكينة حين تأجج مشاعرها؛ وفوران غريزتها؛ وشوقها إلى طفل تحتضنه وتضمه إلى صدرها ؟.


لقد بلغ ظلم بعض الآباء لبناتهم إلى درجة كبيرة؛ تحمل في طياتها كل معاني الأسى والحسرة، بعضهم جهلاً؛ وبعضهم غفلة؛ وبعضهم استغلالاً؛ وبعضهم ربما يكون نتيجة مرض نفسي هو نفسه لا يعرف سببه، ولقد جاءت السنة النبوية محذرة من الظلم وعقوبته؛ قال r: « بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا، البغي والعقوق » .


كما جاءت مبيِّنةً فضل تربية البنات والصبر عليهن، واحتساب الأجر في تربيتهن، وموصية بإحسان الصحبة لهن، فقال r : « من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار » .


وقال r: « من كان له أختان أو بنتان فأحسن إليهما ما صحبتاه كنت أنا وهو في الجنة كهاتين –وقرن بين إصبعيه» ؛ وقال r : « استوصوا بالنساء خيراً» .


ومن إحسان الصحبة للبنات والاستيصاء بهن خيراً؛ أنْ لا يقف حجر عثرة في طريق زواجها؛ الذي هو سبيل سعادتها وعفتها .


إن بعض الناس- قساة القلوب - إذا ولاّه الله أمر بنيّات له؛ استبد برأيه؛ وأظهر شجاعته؛ وفتل عضلاته أمام هذا الجنس الضعيف، فقتل مشاعرها؛ وكسر قلبها؛ لمرض نفسي يعاني منه؛ أو طمع في مادة؛ أو حقدٍ دفينٍ لا يعرف دوافعه!.


وكلما تقدم أحد لزواجها رفضه؛ واضعاً الشروط المعجزة؛ متعذراً بالأعذار التي لا تغني عن صاحبها شيئاً .


الظلم مرتعه وخيم، وعاقبته سيئة، واللهُ ﻷ يجازي صاحبه في الدنيا قبل الآخرة، كما قال النبي r: « إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته » .


وقد حذّر النبي r من هذا الفعل كثيراً، فقال: « اتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب » .


فكيف بذلك الظالم؛ إذا رفعت تلك المظلومة يديها إلى السماء تستغيث بربها، وتستنصره على من ظلمها؛ وكيف به إذا اشتكت إلى خالقها ما عانته من ظلم هذا المتسلط، الذي وقف حجر عثرة في طريقها؛ ألا يظن بأن الله ﻷ ناصرها؟


بلى والله؛ فقد أقسم ربنا ـ على نصرة المظلوم، كما جاء في حديث النبي r: «اتقوا دعوة المظلوم، فإنها تحمل على الغمام فيقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين» .


فليحذر المسلم من الظلم؛ وليحذر من دعوة مظلومٍ تصعد إلى السماء وهو غافل عنها غير منتبه إلى أن تحلَّ عاقبتها به .


لا تظلمن إذا مـــا كنت مقتدراً


فالظلم ترجع عقباه إلى الندمِ


تنــــام عيناك والمظلـومُ منتبهٌ


يدعــــو عليك وعين الله لم تنمِ


وليتذكر وقوفه بين يدي الله ـ يوم القيامة، حين يبلغ الخوف بالعباد منتهاه؛ (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع* يعلم خائنة الأعين وما تُخفي الصدور).


وحينئذ يقتصُّ الله سبحانه للمظلوم من الظالم؛ فويلٌ لمن حملوا أوزار الناس على ظهورهم؛ ألا ساء ما يزرون.


إن العاقل في هذا الزمن من بحث لابنته عن رجل صالح فزوّجها له؛ فكيف بمن يأتيه الصالح -دينا وأخلاقاً ورجولة- فيرفضه؟!



انتبه لنفسك يا عبد الله؛ واستدرك ما فاتك؛ ولا تكن كمن ظلم ابنته طول عمره؛ فلما حضره الموت؛ قال: حلليني .


ومن قال إنها ستحللك؛ وهي ترى نساءً أقل منها عقلاً وديناً وحسباً وجمالاً وعفة؛ قد تزوجن؛ وهي قد استكملت جميع الصفات التي يرغب بها الخُطاب؛ وقد حكمْت عليها بالحبس بين الجدران المظلمة؛ كالأسيرة التي تنتظر بصيصاً من نور يكشف عنها الظلمة الحالكة التي خيمت على عينيها طويلاً؛ فهل تظن أن هذا هين؟!


امرأة عضلها والدها عن الزواج؛ فلما حضرتهالوفاة طلب منها أن تحلله؛ فقالت: لا أحلك؛ لما سببته لي من حسرة وندامة؛ وحرمتني حقي في الحياة؛
ماذا أعمل بشهادات أعلقها على جدران منزل لا يجري بين جدرانهطفل؟ وماذا أفعل بشهادة ومنصب؛ أنام معهما على السرير؟


لم أرضع طفلاً؛ لم أضمه إلى صدري، لم أشكُ همي إلى رجل أحبه وأوده ويحبني ويودني، حبه ليس كحبك؛ ومودته ليست كمودتك. لا جعلتك في حلٍّ أبداً .


وأخرى حضرها الموت؛ وقد كبرت سنها؛ وكانت تخطب كثيراً؛ ومرغوبة عند الناس؛ وأبوها يأبى أن يزوجها؛ وفي سياق الموت قالت للنساء الحاضرات: قولوا لأبي: إن بيني وبينه موقفاً يوم القيامة بين يدي الله ﻷ؛ حيث وقف في طريقي ومنعني الزواج.


أيها المستبد: إنك عما قريب ميت؛ أما فكرت في حال هذه الضعيفة؛ هل ستتركها تحت رحمة الإخوان المنشغلين بأنفسهم، أو خادمةً لزوجة الابن تسومها سوء العذاب؛ أو تريد أن تدفعها نحو الخطأ؟!.


مالي أراك لا زلت غارقاً في غفلة الجهل وظلام القسوة؛أين عقلك؟!



قم سارع الخطى لتصحيح ما فاتك؛ مادام في العمر بقية؛ فلعلك لا تدرك الغد وأنت عازم على التوبة والإنابة وتصحيح الخطأ؛ فيكون ذلك شفيعاً لك بين يدي الله تعالى .


وأنت أيتها المرأة المجاهدة:عليكِ أن تصبري على البلاء، وتحتسبي مصيبتك عند الله إنه من يتق ويصبر فإنَّ الله لا يضيع أجر المحسنين).


فمهما طال ليل البلاء فلا بد أن ينجلي، ولا بدَّ لرياح الخريف أن ترتحل، ولا بدَّ لغيوم الحزن أن تنقشع وتظهر شمس الأمل .


ولرُبَّ نازلــــة يضيق بها الفـتى


ذرعــــاً وعند الله منـها المخـرجُ


ضاقت فلما استحكمت حلقاتها


فُرِجَت وكـــــنت أظنها لا تُفـرجُ


بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم..










الخطبة الثانية


الحمد لله وحده؛ والصلاة والسلام على رسوله وعبده؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه .


أما بعد؛ فيا معاشر العقلاء :


فإن الموفق من سن في الإسلام سنة حسنة؛ فسار الناس عليها؛ ففاز بالأجر والمثوبة؛ قال r: « من سن في الإسلام سنة حسنة؛ كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة » .


هذا وإن مما يسر كل ذي لبٍّ؛ ما ذهب إليه بعض العقلاء من رؤوس القبائل والعائلات؛ من تزويج بناتهم من الأكفاء؛ ولو لم يكونوا من خاصتهم؛ متخطين بذلك بعض الأعراف الظالمة المجحفة؛ التي تحكم على المرأة بالجلوس عزباء إذا لم يتقدم لها أحد من خاصتها .


إن هذا منتهى العقل والحكمة؛ ودليل على الشفقة والرحمة؛ حيث يستر الرجل عورته بزواج ابنته؛ فيخلص من إثمها؛ ويتمم حسن صحبتها؛ ويكون له نصيب من قول النبي r: « اللهم من ولي من أمر هذه الأمة شيئاً فرفق بهم فارفق به » .


فأبشر بالخير يا عبد الله؛ فوالله ما سمع بفعلك عاقل إلا دعا لك بخير؛ رغم أنك أحسنت لنفسك؛ لكن أبى الله إلا أن يظهر شكر صاحب الفضل على ألسنة الناس.


وأنت يا من لا زلت على الخطأ؛ بالرغم من أنك تعلم أنه خطأ: لا يغرنّك قول بعض الجهلاء؛ ومثلُك توزن القبائل بعقله؛ ويصدر الناس عن رأيه؛ فوالله إن بعضهم يزيِّن الباطل ليرضي أهواء من أمامه؛ وإلا فانظر إليه قد زوّج بناته وحصّنهن؛ ولا زال يلقي على أذنك أن هذه أعراف من سبقك .


صدقوني أن هذا الجنس المنافق هم أساس البلوى ورأس البلية؛ ولا يزالون يجاملونكم في ظلمكم؛ وهم يتكلمون بكم في المجالس بالغيبة والنميمة والسب والتشنيع؛ بسب حبسكم لبناتكم الضعيفات.


ونحن نقول: الوسط طيب؛ زوّج من قبيلتك؛ أو ممن يقابلك من القبائل الأخرى؛ ولا تبوء بإثم امرأة مسكينة؛ ربما تحاجك بين يدي الله يوم البعث والنشور .


فبأي ذنب تجلس حبيسة البيت؛ ألأنَّ أحداً من بني عمومتها لم يتقدم لها؟. وماذا تفعل إذا كان بنو العمومة يذهبون إلى غيرها فيتزوجون بها ويتركونها؛ فهل ستجلس حزناً على فقدهم؟!


سنوا سنة حسنة فاسبقوا إلى الفضل؛ وفوزوا بأجر من يأتي بعدكم؛ وإياكم أن تمضوا على سنة من كان قبلكم في ظلمه وبغيه فتبوءوا بالإثم؛ قالr : « من سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة » .


ويا عباد الله: دعوا الكبر؛ فهو الذي قاد الناس إلى مهاوي الردى


تقول: أنا ابن فلان؛ فالناس كذلك يقولون .


تقول : قبيلتي لها شأن ؛ فالناس كذلك يقولون .


والعاقل المنصف هو الذي يعرف قدر الناس ومالهم من الفضل؛ ولا يظن أن الفضل محتكر على قبيلته .


فالافتخار بالقبلية والأعراف المخالفة للشرع مذموم على كل حال؛ والسعيد من نجاه الله ـ من ذلك .


فيا أيها المسلمون: حصنوا بناتكم بالزواج من الأكفاء؛ واحرصوا على إبراء ذممكم أمام هذه الأمانة المستودعة بين أيديكم .


أليس جميلاً أن ترى بُنيّتك سعيدة مع زوجها؛ ولها بيت وبنون ؟


على أنني أنبه؛ أنه كما يجب على المرء الحرص على تزويج ابنته؛ فكذلك يجب أن يختار لها الصالح؛ ولا يكون هدفه فقط أن يزوجها؛ ولو كان الزوج فاسداً أو سكيراً أو صاحب مخدرات؛ بحجة أنه سيعقل غداً؛ أو يعتذر بقوله: إنه قريب لي .


سأل رجل الحسن البصري / فقال:" إن لي ابنة فمن ترى أزوجها؟. قال: زوجها من يتق الله تعالى؛ فإن أحبها أكرمها؛ وإن أبغضها لم يظلمها " .


وقيل لبعض الحكماء: " فلان يخطب فلانة. فقال: أموسر من عقل ودين؟ قالوا: نعم؛ قال : فزوجوه إياها " .


فاللهَ اللهَ في السؤال عن الصلاح؛ فإن الفاسد العابث لا يستر المرأة؛ وحريٌّ بها إن تزوجتْه أن تعود إليك كما ذهبت منك؛ أو أن تصبر على مضض .


فاحرص على الصالح طيب الأخلاق؛ فإن حصّلْته فعض عليه بالنواجذ .


نسأل الله أن يصلح أحوالنا؛ وأن يوفقنا لصالح القول والعمل؛ وأن يجعلنا هداة مهتدين؛ غير ضالين ولا مضلين .
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة