عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 11-11-2010, 02:53 AM   #1
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي العـقــل قـبــل الـكــلام

العـقــل قـبــل الـكــلام



الحمد لله ربّ العالمين , و الصلاة و السلام على نبينا محمد و على آله و صحبه أجمعين.

مِن النِّعَم التي أنعمها الله – عزَّ و جلَّ – علينا , نعمتي العقل و الكلام , و لهذا اهتم الإسلام بموضوع

الكلام , و أسلوب أدائه , لأنَّ الكلام الصادر عن إنسانٍ ما , يشير إلى حقيقة عقله , و طبيعة

خُلُقِه .



و قد بيّن الإسلام كيف يستفيد الإنسان مِن هذه النعم , و كيف يوظِّفُها , لنشر الخير بين

المسلمين , فينبغي أن يسأل نفسه قبل أن يتحدث للآخرين , فإنْ كان هناك ما يستدعي الكلام ,

تكلم , و إلا فالصمت و السكوت أولى له , و إعراضه عن الكلام حيث لا ضرورة له , أسلم له مِن

الخوض فيه .



كما قال – صلى الله عليه و سلم -:" مَن كان يؤمن بالله و اليوم و الآخر , فليقل خيراً أو ليصمت "
( متفق عليه )


و المسلم لا يستطيع هذا , إلا إذا ملك لسانه و ضبطه , و ترك ما لا يعنيه , كما قال – صلى الله

عليه و سلم - :

" مِن حُسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه " ( رواه الترمذي و الحديث حسن )



فإذا خُيِّرتَ بين الكلام و السكوت , فعليك بالسكوت , إلا في إحقاق الحق ,و إبطال الباطل .

قال الإمام الشافعي – رحمه الله - : " إذا أراد المرء أن يتكلم فليفكر , فإذا ظهر أنَّه لا ضرر عليه

تكلم , و إن ظهر أنَّ فيه ضرراً , و شك فيه أمسك " ( شرح النووي 2 / 19 )



و المرء حين يريد أن يستجمع أفكاره , و يراجع أعماله , يَجنَح إلى الصمت , و هذه وسيلة ناجعة

مِن وسائل التربية الخُلُقية , بل هذه صدقة تصدق بها الإنسان على نفسه , لقوله – صلى الله

عليه و سلم - :" كُفَّ شرَّك عن الناس , فإنها صدقة منك على نفسك " ( رواه الإمام أحمد و

الحديث صحيح )

فعلى المسلم أن يفكر جيداً , قبل العجلة في الكلام التي يعقبها الندامة , فحينئذٍ لا تنفعه , و هذا

مِن الشيطان , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :" التأني مِن الله و العجلة مِن الشيطان " ( رواه

البيهقي و الحديث حسن )



قال ابن القيِّم – رحمه الله - :" و العجلة , طلبُ أخذ الشيء قبل وقته , فهو شدة حرصه عليه ,

بمنزلة مَن يأخذ الثمرة قبل أوان إدراكها .... و لهذا كانت العجلة مِن الشيطان , فإنها خفّة و

طيش و حدة في العبد , تمنعه مِن التـثبُّـت , و الوقار و الحلم , و تُوجب له وضع الأشياء في غير

مواضعها , و تجلب عليه أنواعاً مِن الشرور , و تمنع أنواعاً مِن الخير , و هي قرين الندامة , فقَلَّ

مَنْ استعجلَّ إلا ندم , كما أنَّ الكسل قرين الفوت و الإضاعة "
( الروح ص 258 )


و الإنسان مطبوع على العجلة , لقوله تعالى :" وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ

عَجُولاً"
(11سورة الإسراء)


قال الإمام الشوكاني – رحمه الله - :" مطبوعاً على العجلة " ( فتح القدير 3 / 299 )



و المطلوب مِن المسلم و خاصة طالب العلم , استقامة لسانه حتى لا يقع في اللغظ و كثرة الكلام ’

الذي لا فائدة منه , بل قد يجلب له الشرور و المفاسد , كما قال – صلى الله عليه و سلم - :" لا

يستقيم إيمان عبد , حتى يستقيم قلبه ,ولا يستقيم قلبه , حتى يستقيم لسانه " ( رواه الإمام

أحمد و الحديث حسن )



و طول الصمت أسلم مِن كثرة الكلام , و هذا مِن حسن الخلق , لقوله – صلى الله عليه و سلم - :"

عليك بحسن الخلق , و طول الصمت , فوالذي نفسي بيده ما تجمَّل الخلائق بمثلهما " ( رواه

البيهقي و الحديث حسن )

و لقوله – صلى الله عليه و سلم- :" عليك بحسن الكلام و بذل الطعام " ( رواه الحاكم و الحديث

صحيح )



و أهل العجلة , لضعف بين عقولهم و نطقهم , يرسلون الكلام على عواهنه , فربما قذفوا

بكلمة سببت لهم الشقاوة و التعاسة , و قلة المهابة بين الناس .

و الكلام الحَسَن مع الآخرين يحفظ مودتهم , و يستديم صداقتهم , و يمنع كيد الشيطان أن

يفسد ذات بينـهم , لقوله تعالى :" وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ

إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا"
(53 سورة الإسراء)


كما أنَّ حسن الكلام مع الأعداء , يطفئ خصومتهم , و يكسر حدتهم , أو على الأقل , يوقف

تطور الشر منهم , لقوله تعالى :" وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي

بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ"
(34 سورة فصلت )


و قد يتعرض المرء لإنسان بذيء اللسان , قليل الأدب , صاحب خلق ذميم , ففي هذه المواقف

على المسلم أن يضبط نفسه أمام عوامل الاستفزاز , و منعها طوعاً أو كرهاً مِن الاستسلام لدواعي

الغضب و إدراك الثأر , حتى يضيِّع الفرصة على أصحاب هذه الأخلاق السيئة , و خاصة إذا ابْتُليَ

طالب العلم بمثل هؤلاء , لأن طالب العلم يحاسبه الناس على كل زلَّة , أو هفوة , فكن على حذر

مِن هذا .

و قد فشا في عصرنا هذا مجالس للناس يتجاذبون فيها أطراف الحديث , و يقضون أوقاتهم

في تسقُّط الأخبار , و تتبع العيوب , و القيل و القال , و هذه آفات أصابت المجتمع , و قد كثُرت

هذه المجالس , لغير ضرورة شرعية , و هذا الصنف من الناس لا يقف عند هذا الحد , بل يباهي

به, و يستطيل على أعراض المسلمين .



فهذا الفريق الثرثار , المتقعِّر في الكلام , مِن أبغض الناس لرسول الله – صلى الله عليه و سلم –

لقوله :

" ... و إنّ مِن أبغضكم إليَّ , و أبعدكم مني يوم القيامة الثرثارون و المتشدّقون و المتفيهقون "
( رواه الترمذي و الحديث صحيح )


" الثرثار ": كثير الكلام تكلفاً .

" المتشدق ": المتطاول على الناس بكلامه , و يتكلم بملء فيه تفاصحاً , و تعظيماً لكلامه .

" المتفيهق ": هو الذي يملأ فمه بالكلام , و يتوسّع فيه , و يغرب به تكبراً و ارتفاعاً و إظهاراً

للفضيلة على غيره .



فيا طالب العلم : لا تتعجل في الكلام و إصدار الأحكام مِن قبل أن تعرضه على عقلك و الشرع,

فان وافق الحق و ترتب عليه مصلحة , فلك أن تتكلم ,و إنْ خالف الحق و ترتب عليه مفسدة , فلا

تتكلم , و الصمت أسلم و أولى لك .

و إيّاك و مجالس الشيطان , مجالس الغيبة و النميمة, و القيل و القال , و إضاعة الوقت فيما لا

فائدة فيه .



و إياك أن تكون مِمَّن يحبون الانتصار لأنفسهم , و أهوائهم , و هو عندهم أهم مِن إظهار الحق

بحسن الكلام , و هذه يعدّها الإسلام خطراً على الدين و الفضيلة . فالمسلم لا يسوغ له أن يفقد

خُلُقه مع مَن لا خلق لهم .

و طالب العلم يلتزم في أحواله كلها , على ألاّ تبدر منه لفظة نابية , و يتحرّج أن يكون سفيهاً

أو متطاولاً على الخلق , و بقدر تنزّه المسلم عن اللغو و الثرثرة , تكون درجته عند الله أعظم .



فاجعل رابطة قوية بين عقلك و كلامك , حتى لا ينحدر منك الكلام متتابعاً , فيكون هناك

انفصالاً بين عقلك و كلامك المسترسل , لأنّ اللسان السائب حبل مرخي في يد الشيطان ,

يصرّف صاحبه كيف يشاء .





و آخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين

كتبه

سمير المبحوح

19 / رجب / 1431 هـ

 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة