عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 27-04-2010, 07:08 AM   #3
معلومات العضو
حرة الحرائر

افتراضي

(3)
عناية السلف بالتربية

يحكى أن رجلاً ذهب إلى أحد العلماء يسأله- كيف تكون التربية؟ فسأله العالم كم عمر ابنك الآن؟ قال أربعة أشهر، فقال العالم لقد فاتتك التربية! لأن التربية يبدأ بها منذ اختيار الزوجة، ومن هنا نعلم أن التربية لا تبدأ مع ولادة الطفل أو بعد مضي سنوات عمره الأولى، بل نلاحظ هنا أن التربية تسبق الإقدام على الزواج، وذلك بالتروي في اختيار الزوجة الصالحة لأنها هي المدرسة الأولى للطفل في حمله وبعد ولادته والأم هي الفاعل الأساس في العملية التربوية، وهي المربي الأسبق قبل الأب وذلك لالتصاقها بالطفل- ولأن الطفل قطعة منها ولأن عاطفة الأم أقوى من عاطفة الأب والأم المسلمة هي نواة البيت المسلم لأنها تعيش مع الابن أكثر سنوات حياته أهمية، وهي مرحلة ما قبل المدرسة التي تحدد شخصية الطفل، وهي مرحلة أساسية في حياته وكلما دعمت بالرعاية والإشراف والتوجيه كان ذلك أثبت للطفل أمام الهزات المستقبلية التي ستعترض الطفل في مستقبل أيامه، وكلما أخذت التربية منا جهدا أكبر أثمرت أطيب، فمن يرد إنشاء بيت محكم فليتقن التأسيس ليكون ذلك أقوى له وأشد صلابة في مواجهة دواعي السقوط والانهيار، وهكذا تنبغي العناية بتأسيس الأبناء.

وهناك أشارة إلى أن التربية الإسلامية التي عليها الأساس القوي هي تربية الروح فتنمية فطرة الطفل السليمة على الخير وربط صلته بالله تعالى بالذكر والدعاء في كل حين وفي كل عمل، وبيان نعمة الله على هذا الطفل في خلقه ومأكله ومشربه ولبسه مطلب أهم من العناية بالأكل والشرب واللباس مجردة من استشعار فضل الله فيها فهذه الحاجات الظاهرية من السهولة إصلاحها ومتابعتها وتحققيها للطفل، إذن فالمهم من الذي هيأها وأنعم بها علينا.

لنقرأ قول الله تعالى في سورة لقمان: **وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَنْ يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ * وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ**.

المتأمل في هذه الآيات يدرك كثيرا من الركائز التربوية القرآنية التي يريدها ربنا سبحانه وتعالى لنا ولأبنائنا ومن أهم تلك الركائز:

1- القدوة في المربي الأب ومثله الأم.
2- أسلوب الحكمة في الموعظة واللين والرفق في التربية.
3- الركن الأول في التربية والتعليم، وهو ترسيخ العقيدة "يا بني لا تشرك بالله ".
4- إحياء عاطفة الأبوة وبيان واجب الولد نحو والديه وتنمية جانب المحبة والتقدير بين الآباء والأمهات والأبناء.
5- ربط السلوك بالعقيدة "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله، إن الله لطيف خبير".

ليدرك الطفل هذه الحبة الصغيرة وأنها لا تخفى عن علم الله في ملكوته الواسع بل يأت بها الله لأنه عليم بصير لطيف لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.

وهكذا عناية المربي كما يصورها القرآن الكريم على لسان لقمان لتكون دستورا ومنهاجا لكل المربين عبر العصور.

وسجل التاريخ حافل بالعبر في مجال عناية السلف بالتربية وسيرة الأمهات الصالحات تعطر صفحاته بمداد من ذهب والمتصفح لذلك السجل يتبين له ما كان عليه نساء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقرون الإسلام المفضلة من حرص تام على تنشئة جيل رباني متمسك بعقيدته عامل عالم بشريعة الله مطبق لأحكامها في مسلكه في هذه الحياة.

وفي الأسطر التالية إضاءة سريعة على بعض تلك الملامح لعلها تكون نبراسا للسير على ذلك المنهج في حياتنا المعاصرة.

* * أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها أم عبد الله ابن الزبير ذلك الصحابي الجليل الذي لم يكن يخرج عن رأي أمه، ولم يكن يستشعر الاستغناء عنها، وطلب مشورتها، ونهج سبيلها مهما تطاول به العمر وأخصبت رأيه التجارب، وهذا ما ينبغي أن يكون عليه شبابنا اليوم فالقرب منهم وبذل المشورة لهم مطلب هام، لكن لابد من تهيئتهم لذلك، فقد دخل عبد الله بن الزبير على أمه يستشيرها في أمر صراعه مع الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، وكان ابن الزبير رجلاً مسنا لكنه تربى بقرب أمه ونهل من معينها- وهذا هو الشاهد من هذه الحادثة- فأشارت عليه بما رأته مناسبا لحاله: "الله الله يا بني إن كنت تعلم أنك على حق تدعو إليه فأمض عليه.... وإن كنت أردت الدنيا فبئس العبد أنت أهلكت نفسك ومن معك ".

* * أم سليم بنت ملحان آمنت بالله، وبايعت على مرضاته، ورأت أن أول واجباتها تبليغ هذا الدين إلى أقرب الناس إليها فعرضت الإسلام على زوجها مالك بن النضر والد أنس خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأبى ثم تدرك هذه الصحابية الجليلة دورها ومسؤوليتها تجاه ابنها أنس لإعداده إعدادا سليما فأخذت تلقنه الشهادة وتقول له: قل أشهد أن لا إله إلا الله. قل أشهد أن محمدا رسول الله، وفعل الطفل ذلك.
وسمع زوجها فقال لها: لا تفسدي علي ابني، فأجابته: إني لا أفسده.

وهي بذلك رسمت واحدة من مسؤوليات الأم في البيت وهي أن تعلم طفلها وتؤدبه وتربيه، كما يلاحظ أن أمر تلقين العقيدة من أوليات الأمور التي ينبغي أن تهتم بها الأم عند تربية ولدها الصغير.

ومن الملاحظ أن الطفل يفهم من أمه ويقبل منها ما لا يفهمه ولا يقبله من غيرها، وهذا يحتم على الأم أن تعي دورها ولنتأمل قول أم أنس حين قتل زوجها: قالت: "لا جرم لا أفطم أنسا حتى يدع الثدي حيا ولا أتزوج حتى يأمرني أنس ".

هذه صورة من صور الرعاية الحانية الواعية من هذه الأم لولدها.

يتبع
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة