إلى كل مصاب ومنكوب، وإلى كل من وقع في شدة وضيق أقول:
اطمأنوا فقد سبقكم أناس في هذا الطريق، وما هي إلا أيام سرعان ما تنقضي، وفي بطون الكتب المصنفة في الفرج بعد الشدة للتنوخي وأبن أبي الدنيا والسيوطي وغيرهم مئات القصص لمن مرضوا أو افتقروا أو عذبوا أو شردوا أو حبسوا أو عزلوا، ثم جاءهم الفرج ساقه لهم السميع المجيب.
فلك في المصابين أسوة قال ابن القيم في زاد المعاد كلام جميل أيضا فأسمعه:
قال ومن علاجه – أي علاج المصيبة- أن يطفأ نار مصيبته ببرد التأسي بأهل المصائب، وليعلم أنه في كل واد بنو سعد، ولينظر يمنة فهل يرى إلا محنة، ثم ليعطف يسرة فهل يرى إلا حسرة، وأنه لو فتش العلم لم يرى فيهم إلا مبتلى إما بفوت محبوب، أو حصول مكروه، وأن سرور الدنيا أحلام نوم أو كظل زائل، إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا، وإن سرت يوما ساءت دهرا، وإن متعت قليلا منعت طويلا، وما ملئت دارا حبرة –أي سعادة- إلا ملأتها عبرة، ولا سرته بيوم سرور إلا خبأت له يوم شرور.
أيها الأخوة والأخوات، قصص القرآن والأحاديث في كتب السنة والقصص والمواقف في كتب الفرج بعد الشدة، والأحداث والعبر في واقعنا المعاصر جميعها تخبرنا أن الشدائد مهما طالت لا تدوم على أصحابها.
إذا اشتملت على اليأس القلوب......وضاقت لما به الصدر الرحيب
و أوطنت المكاره واطمأنت..........وأرست غي أماكنها الخطوب
ولم ترى لانكشاف الضر وجها.....ولا أغني بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث........ يجيء به القريب المستجيب
وكل الحادثات إذا تناهت......... فموصول بها الفرج القريب
ولو لم يكن في المصائب والبلايا إلا أنها سبب لتكفير الذنوب، وكسر لجماح النفس وغرورها، ونيل للثواب بالصبر عليها وتذكير بالعمة التي غفل عن شكرها.
وهي تذكر العبد بذنوبه، فربما تاب وأقلع عنها.
وهي تجلب عطف الناس ووقوفهم مع المصاب، بل من أعظم ثمار المصيبة أن يتوجه العبد بقلبه إلى الله، ويقف بابه ويتضرع إليه، فسبحان مستخرج الدعاء بالبلاء.
فالبلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات للمخلوقين ويوجب له الإقبال على الخالق وحده، وهذا هو الإخلاص والتوحيد.
فإذا علم العبد أن هذه من ثمار المصيبة أنس بها وارتاح ولم ينزعج، ولم يقنط، فإلى ذوي المصائب والحاجات والشدائد والكربات إن منهج القرآن يقول:
( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ).
بل اسمعوا إلى هذه الآية العجيبة ففيها عزاء وتطمين لكل المسلمين قال تعالى:
( فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً).
فلماذا التسخط والجزع والشكوى والأنين فلعل في ما حصل خيرا لك فتفاءل وأبشر، واعتمد على الله وارفع يديك إلى السماء وقل: يا سامعا لكل شكوى.
واحسن الظن بالله وقل:
صبرا جميلا ما أسرع الفرج
من صدق الله في الأمور نجى
من خشي الله لم ينله أذى
من رجا الله كان حيث رجا
هذه كلمات لتسلية المحزونين، وتفريج كرب الملذوعين، وهي عزاء للمصابين وتطييب للمنكسرين.
أسأل الله أن ينفع بها المسلمين وأن يغفر لي ولك أجمعين.
فيا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى.
يا سابغ النعم، ويا دفع النقم، ويا فارج الغمم، ويا كشف الظلل، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم.
يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار.
كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك حتى لا نرجو أحدا غيرك.
اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا احرسنا بعينك التي لا تنام وبركنك الذي لا يرام.
يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا.
يا رب البيت العتيق أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم غم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب.
يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوت المضطر، يا سامعا لكل نجوى احفظ إيمان وأمن بلادنا، ووفق ولاة الأمر لما فيه صلاح الإسلام والعباد.
يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا.
اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك.