عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 06-04-2010, 02:43 PM   #6
معلومات العضو
أسامي عابرة
مساعد المدير العام
 
الصورة الرمزية أسامي عابرة
 

 

افتراضي

المطلب الثالث
في حكم التداوي بالقرآن

بعد أن اتفق الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على جواز الاستشفاء بالقرآن – كما سبق وأن بيّناه في المشروعية – وكما قال النفراوي المالكي : ولا خلاف في جواز الاسترقاء بأسماء الله تعالى وكتابه (1) إلا أنهم اختلفوا في حكم التداوي عموماً ، وأيضاً في التساوي بين الفعل والترك، أو الفضيلة، أو الكراهة على عدة آراء :
الرأي الأول:ذهب الحنفية والمالكية إلى الجواز، بمعنى الإباحة بين فعل الرقية أو تركها (2). ولا يشوش على هذا تعبير بعضهم بـ"لا بأس" فقد عبر بعض الحنفية كابن عابدين وابن أبى زيد القيرواني عن الجواز بلفظ "لا بأس بالمعاذات" (3) و"لا بأس بالاسترقاء والتعوذ" (4). والمراد الجواز، لكن من له قوة على الصبر فالمستحسن عدم الاسترقاء، وهذا لا ينفي الجواز. نبه على ذلك النفراوي من المالكية فقال : تعبير المصنف "بلا بأس" يقتضي أن الأحسن عدم الاسترقاء، وتسليم الأمر إلى الله ، ويدل على حديث ابن عَبَّاسٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " عُرِضَتْ عَلَيَّ الْأُمَمُ فَرَأَيْتُ النبي وَمَعَهُ الرُّهَيْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ وَالرَّجُلَانِ وَالنَّبِيَّ ليس معه أَحَدٌ إِذْ رُفِعَ لي سَوَادٌ عَظِيمٌ فَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ أُمَّتِي فَقِيلَ لي هذا مُوسَى صلى الله عليه وسلم وَقَوْمُهُ وَلَكِنْ انْظُرْ إلى الْأُفُقِ فَنَظَرْتُ فإذا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لي انْظُرْ إلى الْأُفُقِ الْآخَرِ فإذا سَوَادٌ عَظِيمٌ فَقِيلَ لي هذه أُمَّتُكَ وَمَعَهُمْ سَبْعُونَ أَلْفًا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ ثُمَّ نَهَضَ فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ فَخَاضَ الناس في أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ ولا عَذَابٍ فقال بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وقال بَعْضُهُمْ فَلَعَلَّهُمْ الَّذِينَ وُلِدُوا في الْإِسْلَامِ ولم يُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَذَكَرُوا أَشْيَاءَ فَخَرَجَ عليهم رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال ما الذي تَخُوضُونَ فيه فَأَخْبَرُوهُ فقال هُمْ الَّذِينَ لَا يَرْقُونَ ولا يَسْتَرْقُونَ ولا يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ فَقَامَ عُكَّاشَةُ بن مِحْصَنٍ فقال ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي منهم فقال أنت منهم ثُمَّ قام رَجُلٌ آخَرُ فقال ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي منهم فقال سَبَقَكَ بها عُكَّاشَةُ " (5).ففي هذا ذم الاسـترقاء. وحديث أن جبريـل كان يرقي النبي صلى الله عليه وسلم يقتضي مدح الاسترقاء، وإن فعله أحسن من تركه. ثم أجاب النفراوي بقوله: والجواب عن هذه المعارضة من وجهين:
أحـدهما: أن الاسترقاء الذي يحسن تركه الاسترقاء بكلام الكفار أو الألفاظ المجهولة التي لا يعرف معناها كالألفاظ العجمية. والاسـترقاء الحسن ما كان بالآيات القرآنية، أو الأسماء والكلمات المعروفة المعاني ، وثانيهما: أن الاسترقاء المستحسن تركه هو ما كان في حـق من له قـوة على الصبر على ضرر المرض، كما قيل للصديق رضي الله عنه: ندعو لك طبيباً، فقال: "الطبيب أمرضني". والمستحسن فعل الرقية في حق الضعيف(1).
الرأي الثاني: فقد ذهب الحنابلة إلى أنه مباح لكن تركه أفضل، وجمهورهم على الاستحباب (2) ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : " وإن كثيراً من أهل الفضل والمعرفة يفضل تركه تفضلا واختيارا لما اختار الله ورضي به وتسليما له " (3).
الرأي الثالث:أن التداوي بالرقية مستحب. وهو مذهب الشافعية. قال النووي في منهاج الطالبين: "ويسن التداوي". وقال: "إنه مذهبهم ومذهب جمهور السلف وعامة الخلق. واختاره الوزير ابن المظفـر" (4) ، وعلى الاستحباب كثير من الحنابلة، كالقاضي أبي يعلي والبهوتي وابن الجوزي وابن عقيل والمقدسي وغيرهم. جاء في الآداب الشرعية: الاستحباب هو الصـواب، وهو قول الجمهور (5). وذكر في شرح مسلم أنه قول كثير من العلماء أو أكثرهم (6).
الرأي الرابع: مذهب الكراهة (7). فيكره التداوي بالرقى؛ محتجين بتعارض الأحاديث في المنع والإباحة. أو بفهم حديث ابن عباس رضي الله عنه: فعن عِمْرَانَ أبي بَكْرٍ قال حدثني عَطَاءُ بن أبي رَبَاحٍ قال قال لي بن عَبَّاسٍ ألا أُرِيكَ امْرَأَةً من أَهْلِ الْجَنَّةِ قلت بَلَى قال هذه الْمَرْأَةُ السَّوْدَاءُ أَتَتْ النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني أُصْرَعُ وَإِنِّي أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ لي قال إن شِئْتِ صَبَرْتِ وَلَكِ الْجَنَّةُ وَإِنْ شِئْتِ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَكِ فقالت أَصْبِرُ فقالت إني أَتَكَشَّفُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ لَا أَتَكَشَّفَ فَدَعَا لها حدثنا مُحَمَّدٌ أخبرنا مَخْلَدٌ عن بن جُرَيْجٍ أخبرني عَطَاءٌ أَنَّهُ رَأَى أُمَّ زُفَرَ تِلْكَ امْرَأَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ على سِتْرِ الْكَعْبَةِ " (8) ، وقد رد النووي وغيره على هذا بقوله: لا مخالفة لهذا الحديث وغيره لأحاديث الجواز، لأن "المدح في ترك الرقى المراد بها الرقـى التي هي من كلام الكفار، والرقي المجهولة، والتي بتعبير غير العربية، وما لا يعرف معناها؛ فهذه مذمومة لاحتمال أن معناها كفر، أو قريب منه أو مكروه. وأما الرقي بآيات القرآن وبالأذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة (1).
وقال بعض الفقهاء: لا تجوز الرقية إلا من العين واللدغة لحديثعِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنهما قال : لَا رُقْيَةَ إلا من عَيْنٍ أو حُمَةٍ" (2)،وعن عُثْمَانُ بن حَكِيمٍ حَدَّثَتْنِي جَدَّتِي الرباب قالت سمعت سَهْلَ بن حُنَيفٍ يقول مَرَرْنَا بِسَيْلٍ فَدَخَلْتُ فَاغْتَسَلْتُ فيه فَخَرَجْتُ مَحْمُومًا فَنُمِيَ ذلك إلى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال : " مُرُوا أَبَا ثَابِتٍ يَتَعَوَّذُ قالت فقلت يا سَيِّدِي وَالرُّقَى صَالِحَةٌ فقال لَا رُقْيَةَ إلا في نَفْسٍ أو حُمَةٍ أو لَدْغَةٍ قال أبو دَاوُد الْحُمَةُ من الْحَيَّاتِ وما يَلْسَعُ " (3) ، والنفس العين.
وأجاب الجمهور أن تخصيص ما ذكر لا يمنع الرقية من غيره من الأمراض. فمعنى الحديث: لا رقية أولى وأنفع من رقية العين والحمة، وإلا فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رقى بعض أصحابه من غير ما ذكر. وسياق الحديث يدل على أن المراد أن الرقية أنفع فيما ذكر. فإن سهلاً قال لما أصابته العين: أو في الرقى خير؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لا رقية إلا من نفس أو حمة" (4).
وأرجح رأي الشافعية في استحباب التداوي عموماً والاستشفاء بالقرآن الكريم بخاصة ، لما في ذلك من التعلق بالله سبحانه وتعالى الشافي المُعافي .





(1) الثمر الداني : 1/710 .

(2) تبيين الحقائق 6/33 .

(3) حاشية ابن عابدين 6/363 .

(4) الرسالة : ابن أبي زيد القرواني ص 165 .

(5) أخرجه البخاري في كتاب الدعوات باب يدخل الجنة سبعون ألفا بغير حساب (6175) ومسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب ( 220 ) 1/199 .

(1) الفواكه الدواني : 2/368 – 369، والأثر أخرجه البيهقي في شعب الإيمان 2/491، وابن عساكر في تاريخ دمشق 33/184.

(2) الفروع : لابن مفلح 2/131 ،

(3) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية : 21/564 .

(4) منهاج الطالبين : النووي 1/28 ، حواشي الشرواني : 3/183 .

(5) الآداب الشرعية : ص 82 .

(6) شرح النووي على صحيح مسلم : 7/427 .

(7) نيل الأوطار : الشوكاني 8/20 ، فضائل القرآن : لأبي عبيد 2/220 .

(8) أخرجه البخاري في كتاب المرض باب فضل من يصرع من الريح ( 5328) 5/2140 ، ومسلم في كتاب البر والصلة باب ثواب المؤمن فيما يصيبه من مرض ( 2576 ) 4/1994 .

(1) شرح النووي على صحيح مسلم : 14/168 ، طرح التثريب : 8/185 .

(2) أخرجه البخاري في كتاب الطب باب من اكتوى أو كوى ( 5378 ) 5/2157 ، و مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب ( 220 ) 1/199 .

(3) أخرجه أبو داود في كتاب الطب باب ما جاء في الرقى ( 3888 ) 4/11 ، والنسائي كتاب عمل اليوم والليلة باب ما يقرأ على من أصيب بعين ( 10873 ) 6/256 .

(4) كما جاء في الحديث السابق ... ( انظر : فتح الباري : 10/115 ، عون المعبود : 10/264 ، فيض القدير : المناوي 6/426 ) .
 

 

 

 


 

توقيع  أسامي عابرة
 

°°

سأزرعُ الحبَّ في بيداءَ قاحلةٍ
لربما جادَ بالسُقيا الذي عبَرا
مسافرٌ أنت و الآثارُ باقيةٌ
فاترك لعمرك ما تُحيي به الأثرَ .


اللهم أرزقني حسن الخاتمة و توفني وأنت راضٍ عني

°°
( )
°•°°•°
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة