عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 12-10-2009, 04:35 AM   #9
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

الدرس التاسع
الصبــــر


التعريف:
لغةً: الحبس والمنع.
اصطلاحًا: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكِّي، والجوارح عن لطم الخدود وشق الثياب ونحوهما.

مكانة الصبر:
الصبر من أصعب القيم الأخلاقية على النفس البشرية، إلا أنها محمودة النتائج والعواقب، فما صبر عبد على البلايا والرزايا إلا كان الظفر والفوز حليفَه وقرينه، ولولا صبرُ الشجاع المقاتل عند لحظة المبارزة والقتال لما استطاع أن يتغلَّب على خصمه وعدوِّه.

صعوبة الصبر على النفس:
يقول ابن الجوزي - رحمه الله -: وإنما صعب الصبر؛ لأن القدر يجري في الغالب بمكروه النفس، وليس مكروه النفس يقف على المرض والأذى في البدن، بل هو يتنوَّع حتى يتحير العقل في حكمة جريان القدر، وقال ابن القيم: لقد جعل الله الصبر جوادًا لا يكبو، وصارمًا لا ينبو، وجندًا لا يهزم، وحصنًا لا يهدم، فهو والنصر أخوان شقيقان، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد.

فضائل الصبر:
1- علّق الله - تبارك وتعالى - الفوز والفلاح والظفر به؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** [آل عمران:200]، وأحسن مَن قال:

إِنِّي رَأَيْتُ وَفِي الْأَيَّامِ تَجْرِبَةٌ لِلصَّبْرِ عَاقِبَةً مَحْمُودَةَ الْأَثَرِ
وَقَلَّ مَنْ جَدَّ فِي أَمْرٍ يُحَاوِلُهُ اسْتَصْحَبَ الصَّبْرَ إَلاَّ فَازَ بِالظَّفَرِ

2- وأخبر سبحانه عن مضاعفة أجر الصابرين، وهذه ميزة تمتازها هذه القيمة عن غيرها من القيم والآداب؛ فقال - عزَّ وجلَّ -: {أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا** [القصص: 54]، وقال: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ** [الزمر:10].
3- ولقد ظفر الصابرون بمعية الله؛ {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ** [البقرة: 153].
4- وإن كنت تريد أن تكون إمامًا في الدين، وعلَمًا يشار إليه بالبنان، فلن تناله إلا بمزاوجة الصبر مع اليقين؛ {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ** [السجدة: 24].
5- ووعد سبحانه على الصبر بثلاث خصال، كل خصلة منها خير من الدنيا وما فيها؛ كما في قوله - تعالى -: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ** [البقرة: 155].
6- وبالصبر والتقوى يتنزل النصر؛ {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ** [آل عمران: 125]، وقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وإن مع العسر يسرًا، وإن مع العسر يسرًا))[1].
7- وكما ظفروا بمعيته - سبحانه - فكذلك فازوا بمحبته، ونعم الفوز والظفر؛ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ** [آل عمران: 146].
8- ولا يستفيد من الآيات والمواعظ إلا الصابرون؛ {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ** [إبراهيم: 5].
9- ونعم العطاءُ عطاء الصبر، وفي هذا يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((وما أعطي أحد عطاء خيرًا وأوسع من الصبر))[2].
10- ولأهميته ومكانته أمر به سبحانه: {إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ** [العصر: 3].



درجات الصبر:
أولها: أن يصبر بالله: فيرى أن الله هو المصبر، فهو يصبر بربه لا بنفسه؛ {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ** [النحل: 127]، فيهون عليه كل شيء، وتنقلب مشاق التكليف نعيمًا وقرة عين، قال البناني - رحمه الله -: عالجت قيام الليل عشرين سنة، فتنعمت به عشرين سنة.
ثانيها: أن يصبر بالله: فالذي دفعه إلى الصبر إنما هو محبة الله، وإرادة وجهه والتقرب إليه، لا لمحمدة أو مسمعة أو شهرة، وهذه أعلى من الأولى.

ثالثها: فهو قد جعل نفسه وقفًا على أوامر الله، وما يحبه ويرضاه، فيدور معها حيث دارت، بلا تردد أو تأخر، وهذه أشدُّ الدرجات وأصعبها.



أنواع الصبر:

الأول: أن يصبر على طاعة الله حتى يؤديها، فهو يصابر نفسه ويروضها لكي تؤدي العبادة وتفعل الأوامر؛ ولهذا قال سبحانه: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ** [البقرة: 45]، وقدوته ومثاله الأعلى في ذلك أولو العزم من الرسل - عليهم الصلاة والسلام -: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ** [الأحقاف: 35].

الثاني: أن يصبر عن معصية الله فلا يفعلها، وهذا عسير على من لم يتأمل هذه الأمور:
1 ـ إجلال الله - تبارك وتعالى - وتعظيمه.
2 ـ محبة الله وتمكنها من القلب.
3 ـ حلاوة قهر الشهوة وغلبة الشيطان.
4 ـ تعوُّد القلب والضمير على مصارعة الهوى قليلاً قليلاً.
5 ـ إن فيك جاذبين: أحدهما يجذبك إلى الرفيق الأعلى حيث المنازلُ العالية، والرتب الغالية، وآخر يجذبك إلى المقامات السفلية، والدرجات السحيقة، فأيهما تختار؟!



الثالث: صبر على أقدار الله فلا يسخطها؛ ذلك لأنه يعلم أن الله - جلَّ جلاله - قدَّر المقادير وكتب ذلك في اللوح المحفوظ، فلِمَ الجزعُ والقلق؟! وقد قال لقمان لابنه: أوصيك بخصال تقرِّبك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت، وقال ميمون بن مهران: من لم يرض بالقضاء فليس لحمقه دواء.



ولمّا كان الصبر دائمًا بالبلاء يقترن فإنه إذا نزل بالإنسان استعدَّ له بجيوش الصبر، ثم يستعن بملاحظة حسن الجزاء على صبره، وعلى قدر التعب تكون الراحة:

عَلَى قَدْرِ أَهْلِ الْعَزْمِ تَأْتِي الْعَزَائِمُ وَتَأْتِي عَلَى قَدْرِ الْكِرَامِ الْمَكَارِمُ
وَيَكْبُرُ فِي عَيْنِ الصَّغِيرِ صَغَارُهَا وَتَصْغُرُ فِي عَيْنِ الْعَظِيمِ الْعَظَائِمُ

فعلى المرء أن يعامل الله - سبحانه - بالصبر على ما قضى، ويسأله الفرج، فإذا جمع بين الاستغفار وبين التوبة من الذنوب، والصبر على القضاء وسؤال الفرج، حصلت ثلاثة فنون من العبادة تثاب على كل منها.



وروي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أفضل العبادة انتظار الفرج))[3]، وللبلايا نهايات معلومة الوقت عند الله - عزَّ وجلَّ - فلا بدَّ للمبتلَى من الصبر إلى أن ينقضي أوان البلاء.



فهذا هو صبر الأكابر، وهذا هو طريق المجد والسمو، فالمعالي لا تنال بالأحلام ولا بالرؤى في المنام، وإنما بالحزم والعزم والإقدام.

دَبَبْتُ لِلْمَجْدِ وَالسَّاعُونَ قَدْ بَلَغُوا جَهْدَ النُّفُوسِ وَأَلْقَوْا دُونَهُ الْأُزُرَا
وَكَابَدُوا الْمَجْدَ حَتَّى مَلَّ أَكْثَرُهُمْ وَعَانَقَ الْمَجْدَ مَنْ أَوْفَى وَمَنْ صَبَرَا
لاَ تَحْسَبِ الْمَجْدَ تَمْرًا أَنْتَ آكِلُهُ لَنْ تَبْلُغَ الْمَجْدَ حَتَّى تَلْعَقَ الصَّبَرَا

المراجع:
• لسان العرب 438.
• صيد الخاطر، لابن الجوزي، (ص: 37).
• مدارج السالكين، لابن القيم، (1/162 – 163).
• عدة الصابرين، لابن القيم.
• بصائر ذوي التمييز 3 / 376.



ــــــــــــــ

[1] قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 5 / 496 :أخرجه الخطيب في " التاريخ " ( 10/287)، و الديلمي (4/111 - 112).
[2] البُخارى 2/151(1469) و"مسلم" 3/102(2388).
[3] رواه الترمذي ( 4 / 279 )وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة (1/705).

من هنا :
http://www.alukah.net/articles/1/8145.aspx

وكل ما هو جديد أوافيكم به ان شاء الله
أخوكم / المشفق

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة