عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 12-10-2009, 04:28 AM   #4
معلومات العضو
منذر ادريس
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي

مختصر الدروس في تزكية النفوس (4)
الدرس الرابع
التقوى


التعريف:
لغة: مأخوذ من مادة (و ق ى)، تدلُّ على دفْع شيءٍ عن شيءٍ بغيره، والاسم التقى، والمصدر الاتِّقاء، وهو والتقى بمعنى واحد.

اصطلاحًا: وجاءت على عِدَّة معانٍ، كلها صحيحة:
1 - أن يجعل العبدُ بينه وبين ما يخشاه مِن عقابه وقايةً تقيه وتحفظه، وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، واسم "التقوى" إذا أُفْرد، دخل فيه فِعلُ كلِّ مأمور به، وتَرْك كل محظور.

2 - أن يعمل العبد بطاعة الله، على نور من الله، يرجو ثواب الله، وأن يَتركَ معصيةَ الله، على نور من الله، يخشى عِقابَ الله.

3 - أنَّها حساسية الضمير، وخشية مستمرَّة، وحذرٌ دائم، وتوقٍّ لأشواك الطريق إلى الله مِن الرغائب والشهوات، وأشواك المطامع والمخاوف، وقد ورد أنَّ عمر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه - سأل أُبيَّ بن كعب - رضي الله تعالى عنه - عن التقوى، فقال له: أَمَا سلكت طريقًا ذا شوك؟ قال بلى، قال: فما عملت؟ قال: شَمَّرتُ واجتهدت، قال: فذلك التقوى.

مكانتها:
1 – التقوى هي وصيةُ الله لعباده الأوَّلين والآخِرين، وسبيل المؤمنين، وخلف الأنبياء والمرسلين، مَن التزمها فاز وربح، ومَن أعرض عنها هَلَك وخَسِر؛ {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ** [النساء: 131].

2 - وهي وصية النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - دائمًا لأصحابه: ((أوصيك بتقوى الله، فإنَّه رأسُ كلِّ شيء))، كلَّما أمَّر أميرًا على جيش أو سرِية، أوصاه في خاصَّة نفسه بتقوى الله، وبِمَن معه من المسلمين خيرًا"، وأوصى بها معاذًا - رضي الله عنه - فقال: ((اتَّق الله حيثُما كنت))، ووصَّى النساءَ بها؛ كما في حديث جابر: "ثم مضى إلى النِّساء، ومعه بلال، فأمرهنَّ بتقوى الله، ووعظهنَّ.."، وفي حديث العِرباض: فقال قائل: يا رسولَ الله، كأنَّ هذه موعظةُ مودِّع، فماذا تعهد إلينا؟ فقال: ((أوصيكم بتقوى الله، والسَّمع والطاعة)).

3 - وهي وصية الخُلفاء الراشدين، فعن عمرو بن ميمون، قال: أَوْصى عمر بن الخطَّاب _ رضي الله عنه - فقال: "أُوصي الخليفةَ مِن بعدي بتقوى الله، وأوصيه بالمهاجرين الأوَّلين"، وكتب - رضي الله تعالى عنه - لابنه، فقال: "فإنِّي أوصيك بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - فإنَّه مَن اتَّقاه وقاه، ومَن أقرضه جزاه، ومَن شكر زادَه"، وأوصى عليٌّ - رضي الله تعالى عنه - رجلاً فقال: "أوصيك بتقوى الله - عزَّ وجلَّ - الذي لا بدَّ لك من لقائه، ولا منتهى لك دونَه، وهو يملك الدنيا والآخرة".

4 - وأيضًا فمقياس الفضل والكرم تقوى الله؛ كما قال - تعالى -: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ** [الحجرات: 13].

5 - ومن عظيم أمرها أنَّها ذُكرت في القرآن أكثر من مائتي مرَّة.

لماذا يتقي المؤمن ربه؟

يتقي المؤمن ربَّه للأسباب الآتية:
1 - خوف العِقاب الدنيوي والأخروي؛ {لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النار وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ الله بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ** [الزمر: 16]، {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ** [الفجر: 14].

2 - رجاء الثواب الدُنيوي والأخروي؛ {وِمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ** [البقرة: 201].

3 - خوف الحساب؛ {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ** [الرعد: 18].

4 - الحياء مِن نَظَرِ الله - جلَّ جلاله -:

وَإِذَا خَلَوْتَ بِرِيبَةٍ فِي ظُلْمَةٍ وَالنَّفْسُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْعِصْيَانِ
فَاسْتَحْيِ مِنْ نَظَرِ الإِلَهِ وَقُلْ لَهَا إِنَّ الَّذِي خَلَقَ الظَّلاَمَ يَرَانِي


5 - الشُّكر على نِعمة الله - تبارك وتعالى.

6 - العلم؛ فبه يخرج الإنسان من ظُلمات الجَهالة إلى نور الإسلام والإيمان.

7 - تعظيم جَلال الله - جلَّ جلاله.

8 - صِدْق المحبَّة لله - سبحانه وتعالى.

علاماتها:
وإذا أردتَ أن تعلمَ هل أنت مِن المتقين، فتأمَّلْ علاماتٍ مهمَّة:
1 - كثرة خوفك من ذُنوبك الماضية التي ذهبت لذَّتُها، وبقيت في القلْب حسرتُها، وفي الآخرة عقوبتها.

2 - أن تحذر أشدَّ الحذرِ من أن تقع في ذنوبٍ أخرى في المستقبل.

3 - استشعارك مراقبةَ الله لك في سِرِّك وعلانيتك، وفي جهرك ونجواك.

4 - قدرتك على مقاومة الهوى، والتغلُّب عليه.

5 - أن تفزعَ وتخاف دائمًا من سوء الخاتمة.

6 - كثرة المحاسبة لنفسك على تَقصيرها.

درجات التقوى:
أوَّلاً: أن يتقي العبد الكفرَ، ومقامُ ذلك الإسلام.

ثانيًا: أن يتقي المعاصي والمحرَّمات، ومقامُ ذلك التوبةُ والاستغفار.

ثالثًا: أن يتقي الشُّبهاتِ، ومقام ذلك الورع.

رابعًا: أن يتقي المباحاتِ، ومقامُ ذلك الزُّهد.

خامسًا: أن يتقيَ حضورَ غير الله على قلْبه، ومقامُ ذلك المشاهدة.

إِذَا الْمَرْءُ لَمْ يَلْبَسْ ثِيَابًا مِنَ التُّقَى تَقَلَّبَ عُرْيَانًا وَإِنْ كَانَ كَاسِيَا
وَخَيْرُ لِبَاسِ الْمَرْءِ طَاعَةُ رَبِّهِ وَلاَ خَيْرَ فِيمَنْ كَانَ لِلَّهِ عَاصِيَا


ثمارها اليانعة:
فإذا زَرعتَ شجرة التقوى في حياتك، فَحتمًا ستجد ثمارَها اليانعة الطيِّبة - وهي كثيرة جدًّا - أقتطف لكَ بعضًا منها:
أ - محبَّة الله؛ قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ** [التوبة: 7].

ب - ولاية اللهِ للمتقين؛ قال - تعالى -: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ**[الجاثية: 19].

ج - دخول الجنَّة وتقريبها لهم؛ قال - تعالى -: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ** [القلم: 34]، وقال - تعالى -: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ** [الشعراء: 90].

د - التكريم عندَ الحشر وفي الجنَّة؛ قال - تعالى -: {يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً** [مريم: 85].

هـ - النجاة من النار؛ قال - تعالى -: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا** [مريم: 71 - 72].

و - قَبول الأعمال؛ قال - تعالى -: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ** [المائدة: 27].

ز - التأييد والمعونة؛ قال - تعالى -: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ** [البقرة: 194].

ح - الرِّزق الحسن، وتيسير الأمور، والخلاص من الشَّدائد؛ قال - تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ** [الطلاق: 2 - 3]، وقال - تعالى -: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا** [الطلاق: 4].

ط - أنَّهم في جوار الله يومَ القيامة؛ قال - تعالى -: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * في مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ** [القمر: 54-55].

ي - العلم والمغفرة، والفهم والفلاح؛ قال - تعالى -: {يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ** [الأنفال: 29]، وقال - تعالى -: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ** [البقرة: 282]، وقال تعالى: {وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ** [البقرة: 189].

ابْلُ الرِّجَالَ إِذَا أَرَدْتَ إِخَاءَهَمْ وَتَوَسَّمَنْ أُمُورَهُمْ وَتَفَقَّدِ
فَإِذَا وَجَدْتَ أَخَا الْأَمَانَةِ وَالتُّقَى فَبِهِ الْيَدَيْنِ قَرِيرَ عَيْنٍ فَاشْدُدِ


وقال آخر:

وَلاَ عَيْشَ إِلاَّ مَعْ رِجَالٍ قُلُوبُهُمْ تَحِنُّ إِلَى التَّقْوَى وَتَرْتَاحُ لِلذِّكْرِ


المراجع:
- لسان العرب (15/402)، والصحاح للجوهري (6/2527).
- بصائر ذوي التمييز والبصائر، للفيروزأبادي (2/300 - 304).
- نزهة الأعين والنواظر، لابن الجوزي (219).
- مجموع فتاوى ابن تيمية "التحفة العراقية".
- موسوعة نضرة النعيم (4/1079).
- أعمال القلوب للمنجد (285).

على هذا الرابط :
http://www.alukah.net/articles/1/6354.aspx

    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة