عرض مشاركة واحدة
New Page 2
 
 

قديم 01-09-2009, 03:33 PM   #2
معلومات العضو
لقاء
اشراقة ادارة متجددة

افتراضي


ثالثاً: جوائز المحلات التجارية:

لا يختلف اثنان في أنَّ الجوائز تلعب دوراً هاماً في تنشيط الأسواق والمحلات التجارية، فما أن تجد محلاً تجارياً يُروِّج لبضائعه بهذه الجوائز والحوافز إلا تجد إقبال الناس عليه أكثر من غيره.

وقد أصبح موضوع الجوائز والحوافز التسويقية عِلماً قائماً بذاته، له فنونه وأساليبه، وقد أُلِّفت كتبٌ ومؤلفاتٌ كثيرة حول فن الترويج والتسويق بالجوائز[28].

لذلك أصبحت هذه الجوائز واقعاً ملموساً في حياة الناس، الأمر الذي أوجب على العلماء والباحثين أن يبينوا الأحكام الشرعية المتعلقة بها.

وقبل الخوض في ذكر أهم الصور لجوائز المحلات التجارية
لا بد من الإشارة إلى موقف العلماء المعاصرين من فكرة جوائز المحلات التجارية ابتداءً، فقد اختلف العلماء في حكمها على قولين:

الأول: يري عدم إباحة هذه الجوائز، وهذا هو رأي الشيخ عبدالعزيز بن باز وغيره[29].

الثاني: يرى التفصيل حسب نوع الجائزة وطريقة إعطائها، وهو رأي جمع من أهل العلم كالشيخ الزرقا وابن عثيمين وغيرهما[30].

وسيأتي تفصيل القول الثاني من حيث ذكر الجوائز المباحة والمحرَّمة عند ذكر صور جوائز المحلات التجارية.

حجة القائلين بالتحريم:

يقول الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - : " قد لُوحظ قيام بعض المؤسسات والمحلات التجارية بنشر إعلانات في الصحف وغيرها في تقديم جوائز لمن يشتري من بضائعهم، مما يغري بعض الناس على الشراء من هذا المحل دون غيره، أو يشتري سلعاً ليس له فيها حاجة طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز، وهو نوع من القمار المحرَّم شرعاً والمؤدي إلى أكل أموال الناس بالباطل، ولما فيه من الإغراء والتسبب في ترويج سلعته وإكساد سلع الآخرين المماثلة ممن لم يقامر مثل مقامرته، فالجائزة التي تحصل من طريقه محرَّمة، لكونها من الميسر المحرَّم شرعاً، وهو القمار"[31].

وقد مال الدكتور القرضاوي إلى هذا الرأي وإن لم يجزم بالتحريم، حيث قال: " لا أحب للمؤسسات الإسلامية أن تتبع هذا الأسلوب الغربي في تشجيع العملاء أو الزبائن عن طريق الجوائز التي جن بها كثير من التجار في عصرنا، لأنَّ هذه المبالغ التي تدفع لبعض المشترين تحسب في النهاية من تكاليف السلعة، ويتحملها المستهلك، فكأن المشتري المحظوظ بالجائزة يأخذ قيمتها عند التحليل النهائي من عامة المستهلكين، فهذا يجعل في الأمر بعض الشبهة في نظري، وقد يبرر ذلك بعض التجار بأنه يقتطع ذلك من الربح، وهذا يحتاج إلى نقاش "[32].

من خلال النقلين السابقين نستطيع أن نُبرِز أهم النقاط التي أشكلت على الشيخين ابن باز والقرضاوي في الذهاب إلى تحريم جوائز المحلات التجارية - كما هو رأي ابن باز - أو عدم التشجيع عليها - كما هو رأي القرضاوي -:

أولاً: أنها نوع من القمار:

الجواب: أنَّ جوائز المحلات التجارية كثيرة ومتعددة ولها صور مختلفة عن بعضها البعض، فكثير منها لا تدخل في صورة القمار كما سنرى أمثلة على ذلك.
فالتعميم أنها من القمار ليس بصحيح، بل ينبغي النظر في صورة الجائزة المعروضة وكيفية تقديمها ثم يحكم عليها بالجواز أو الحرمة.

ثم إنه لا يجوز اعتبار كل شيء دخله الحظ أنه من القمار، لأنَّ القمار له حقيقة في الفقه الإسلامي وهي التردد بين الغنم والغرم، فإذا انطبقت هذه الحقيقة على صورة الحصول على الجائزة فحينئذٍ تُعد من القمار، ويحكم عليها بالحرمة.

ثانياً: أنَّ فيها تقليداً للغرب:

الجواب: أنَّ الاستفادة من الغرب فيما توصلوا إليه من أمور المعاملات وغيرها لا بأس به، فإذا كانت فكرة جوائز المحلات التجارية فكرة غربية ولا يوجد فيها ما يعارض أحكام شريعتنا فلا يظهر بأس بالأخذ بها.

ثالثاً: أنها تؤدي إلى ترويج سلعة تاجرٍ على آخر، فبالتالي يؤدي ذلك إلى كساد سِلَع الآخرين:

الجواب: أنَّ التجارة تتطلب خبرةً وفناً ونشاطاً، فلو استطاع تاجرٌ أن يُروِّج لبضاعته بطريقة مباحة فلا حرج عليه ولو تسبب ذلك في كساد بضاعة غيره، فلو فُرِضَ أنَّ تاجراً قام بإنفاق مبالغ كبيرة من أجل تحسين واجهة محله التجاري، والمحل الذي بجواره تقاعس عن تطوير محله ولم ينفق عليه درهماً واحداً، ثم أصبح الناس يفضِّلون ذاك المحل على هذا الذي لم ينفق، فهل يحق لأحد أن ينكر على التاجر الأول بأنه تسبب في كساد بضاعة جاره؟

الجواب: بالطبع لا، فالجوائز الترويجية للمحلات التجارية من هذا القبيل- والله أعلم -.

رابعاً: أنها تدفع الناس إلى شراء ما لا حاجة لهم فيه طمعاً في الحصول على إحدى هذه الجوائز:

الجواب: أنَّ هذا الأمر يرجع إلى نيات الناس ولا يمكن التحكم فيه، فلو فرض أنَّ هناك من يشتري ما لا حاجة له فيه طمعاً في الجائزة فإنه حينئذٍ يقع في القمار، أما من يشتري حاجاته الأساسية ثم يحالفه الحظ ويفوز بجائزة معينة فما المانع من ذلك.

خامساً: أنَّ قيمة هذه الجوائز تكون في النهاية من تكاليف السلعة والتي يتحملها المستهلك، مما يجعل في هذا الأمر شبهة قمار:

الجواب: أنَّ السلع وأرباحها إنما هي ملك للتاجر ومن حقه، فلو أراد التبرع بجوائز من ماله الخاص لم يُمنع من ذلك، وليس في هذا الأمر شبهة قمار، لأنه من طرف واحد، والمستهلك إنما دفع المال مقابل السلعة لا لأجل الجائزة.

لكن إذا عُلِم أنَّ التاجر يزيد في سعر بضائعه في مقابل تلك الجوائز، ففي هذا الحال يمكن القول بأنَّ عملية الحصول على الجائزة فيها قمار، فتحرم الجائزة أخذاً وعطاءً.

الترجيح:

من خلال ما سبق من مناقشة استشكالات المانعين لجوائز المحلات التجارية يتضح لدى الباحث أنَّ القول بتحريم جوائز المحلات التجارية مطلقاً فيه نظر، وذلك لأنَّ ما ذكر من أدلة لا يكفي للقول بالتحريم، فتبقى هذه الجوائز على الإباحة والحل حتى يقوم دليلٌ يمنع منها أو من بعض صورها.

وفيما يلي أهم الصور لتلك الجوائز مع بيان أحكامها الشرعية:

الصورة الأولى: جوائز لكل مشترٍ:

حيث إنَّ كل من يشتري من هذا المحل التجاري سيحصل على جائزة معينة، وهذه الجوائز قد تأخذ صوراً متعددة، فهي إما أن تكون معلومة أو مجهولة وإما أن تكون مربوطة بالسلعة أو منفصلة عنها.

فأما إن كانت الجائزة معلومة، كأن يُعطى للمشتري سلعة إضافية أو طقماً من حاجيات المنزل أو أي شيء آخر، فهذا لا حرج فيه حتى لو زيد في ثمن السلعة، وحتى لو كان المشتري قاصداً لهذه الجائزة بالإضافة إلى السلعة، لأنَّ السلعة وما يتبعها من جوائز معلومة لدى المشتري.

وأما إن كانت الجائزة مجهولة، كأن يخبأ في بعض السلع بعض الجوائز بحيث تكون غير معلومة، وقد تكون جوائز ذا قيمة أو جوائز رمزية، ففي هذه الصورة إن كان ثمن السلعة لا زيادة فيه، وكان قصد المشتري السلعة لا الجائزة، فلا مانع من أخذ هذه الجائزة لأنها تعتبر هبة وتبرعاً من البائع، والتبرعات مبناها على التسامح، ولا حرج من كون الجائزة مجهولة.

وقد ذهبت لجنة الإفتاء المصرية إلى جواز هذه الجوائز لأنها تبرع، ولا يشترط العلم بالهدية، وذلك إذا لم يقم البائع بزيادة ثمن السلعة[33].

وأما كون الجائزة مربوطة بالسلعة أو منفصلة عنها فلا يؤثر ذلك في الحكم، إنما يرجع ذلك إلى التنويع في طريقة توزيع تلك الجوائز وتقديمها.

الصورة الثانية: جوائز لمن يشتري بمبلغ معين:

تختلف هذه الصورة عن سابقتها في اشتراط الشراء بمبلغ معين، فمثلاً: يقول البائع: من يشتري سلعاً بمبلغ عشرة دنانير فله جائزة.

فهذه الصورة اختلف الفقهاءُ المعاصرون في حكمها على ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن هذه الجوائز محرَّمة، لكون الطريقة التي تم الحصولُ عليها من الميسِر المحرَّم شرعاً، وهذا هو رأي الشيخ عبد العزيز بن باز وغيره[34].

القول الثاني: لا بأس في الحصول على هذه الجوائز إذا كانت السلع تباع بقيمة المثل في الأسواق، واختار هذا القول الشيخ محمد الصالح العثيمين، حيث قال: "إذا كانت السلع التي يبيعها هذا التاجر الذي جعل جائزة لمن تجاوزت قيمة مشترياته كذا وكذا تباع بقيمة المثل في الأسواق، فإن هذا لا بأس به"[35]، ورجّح هذا القول كذلك الدكتور محمد عثمان شبير[36].
وحجة هذا القول أنَّ الأصل في المعاملات الحل والإباحة ما لم يقم دليل على التحريم، ولا دليل هنا يعتمد عليه في منع هذه الصورة[37].

القول الثالث: التفريق بين الجوائز البسيطة والجوائز ذات القيمة الكبيرة،

فالجوائز البسيطة مباحة لأنها من عادة التجار وعُرْفهم،

أما ذات القيمة الكبيرة فتُمنع لأنها ذريعة إلى المقامرة،

وذهب إلى هذا التفريق الشيخ مصطفى الزرقا-رحمه الله-، وأنقل نصَّ كلامه للوقوف على أدلته، حيث قال: " إنَّ رأيي في هذه المسألة هو التمييز بين الهدايا البسيطة التي هي من عادة التجار وعرفهم (أنَّ من يشتري كمية كبيرة من البضائع عندهم يقدِّمون إليه هدية بسيطة تقديرية وترغيبية له، كسيارة لعبة أولاد أو قطعة أو قطعتين زيادة عما اشتراه)،

وبين الهدايا ذات القيمة الكبيرة التي يجري عليها سحب بطريقة السحب على اليانصيب بالأرقام، فيفوز بها أحد حاملي هذه البطاقات (الكوبونات) من الزبائن.

فتلك الهدايا البسيطة المعتادة بين جميع التجار لمن يشتري كمية كبيرة أو مجموعة من الأصناف هي حلال، لأنها تقدمة تعبيرية عن تقديرات التاجر لذلك الزبون.

أما هذا النوع من الهدايا ذات القيمة الكبيرة كالسيارة والثلاجة، مما يجري عليه سحب بحسب أرقام القسائم التي يعطونها لمن يشتري ما لا يقل عن مُعين من المشتريات، ثم يسحب دورياً على القسائم لاستحقاق تلك الثمينة، والتي أصبح المشترون يشترون من عند هذا التاجر لأخذ هذه القسائم، فلا أراها إلا من قبيل اليانصيب التجاري الذي هو اليوم في نظر علماء الشريعة ضربٌ من المقامرة محرَّم يأثم فيه الطرفان التاجر والزبون، ولا يكون ما يستحقه بهذه الطريقة حلالاً، ولا سيما أنه يضر اقتصادياً بصغار التجار الذين لا يملكون مثل هذه الوسائل القمارية المغرية، فيصرف عنهم الناس ويخرجه من السوق، وهذا ضررٌ اقتصادي كبير، والله سبحانه أعلم "[38].

وقد عقَّب الدكتور القرضاوي على كلام الشيخ الزرقا قائلاً: " أنا أؤيد هذا النظر الفقهي العميق، وأرى - إضافةً إلى ذلك - أنَّ هذا الأسلوب هو في النهاية إغلاء لقيمة السلعة على حساب عموم المستهلكين، وهو يعبِّر عن النمط الغربي الذي يغري الناس بكثرة الاستهلاك للسلع، وإن لم يكن بهم حاجة إليها، على خلاف المنهج الإسلامي الذي يحث على الاعتدال أبداً "[39].

ولعل بعد ذكر هذه الأقوال الثلاثة يتضح جلياً أنَّ الحكم في هذه المسألة يرجع إلى وجهات نظر مختلفة، فمنهم من اقتصر في نظرته على طريقة تقديم الجوائز ومن ثمَّ أصدر حكماً عليها، ومنهم من نظر نظرة شمولية بعيدة المدى أو بعبارة أدق نظر إلى مآل هذا الفعل وما يترتب عليه ثم حَكَمَ عليه بما توصل إليه.

وفي رأي الباحث بعد التأمل والنظر أنَّ القول الثالث له وجهة نظرٍ قوية، وذلك لأنَّ الجوائز اليسيرة لا تُغري الناس كثيراً بحيث يشترون ما لا حاجة لهم فيه من أجلها، وأما إن كانت الجوائز ذات قيمة كبيرة فلا يُستبعد أن يسعى الناس في الحصول عليها وذلك بشراء سلع فوق حاجاتهم حتى يصلوا إلى المبلغ الذي يؤهلهم للحصول على الجائزة.

ولا يخفى أنه إذا قَصَدَ المشتري بشرائه للسلع الحصول على الجائزة، فإنَّ ذلك يدخله في دائرة القمار أو شبهته.

فحتى يتم التخلص من إشكالية شراء الناس فوق حاجاتهم والإسراف في ذلك من أجل الحصول على الجوائز الأمر الذي يوقعهم في القمار المحرَّم، ينبغي التفريق بين الجوائز اليسيرة والجوائز ذات القيمة الكبيرة، فالجوائز اليسيرة مباحة ولا بأس بها، والجوائز ذات القيمة الكبيرة ذريعة إلى القمار ينبغي تجنبها، والله أعلم.

الصورة الثالثة: جوائز معلقة بشرط مستقبلي:

وهذه الصورة شبيهة بالصورة السابقة، إلا أنها تفارقها في أنَّ هذه الصورة فيها إغراء أكبر للمشتري.

وصورتها الواقعة كالتالي: توزع رسائل عبر الإنترنت من خلال البريد الإلكتروني أو بالرسائل النصية على الجوالات أو حتى على المنازل على أناس معينين، ومكتوب في هذه الرسالة: مبروك[40] لقد كسبت جائزة قيِّمة بمبلغ كذا وكذا، وحتى تستلم هذه الجائزة لا بد من أن تشتري من المحل أي شيء يبلغ قيمة كذا، فيذهب صاحبُ الرسالة بسبب الإغراء في هذه الطريقة ويشتري أي شيء مما لا يحتاجه لكي يستلم الجائزة.

وهذه الصورة لا شك في حرمتها، وتُعتبر حيلة إلى القمار[41].

الصورة الرابعة: جوائز عن طريق السحب لمن يشتري بمبلغ معين:

وهذه هي عين الصورة الثانية، ولكن توزيع الجوائز يكون بالسحب عن طريق إجراء القرعة.

وصورتها أن يشتري المشتري بمبلغ معين يخوله الدخول في السحب عن طريق كوبونات تُعطَى له.

وحكم هذه الصورة لا يختلف عن حكم الصورة الثانية إلا في ما يتعلق في مسألة السحب على الجوائز عن طريق القرعة.

والصحيح أنَّ القرعة وسيلة ترجيح مشروعة لمعرفة الفائز، ولها أصل في الشريعة، فقد روى البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد سَفَراً أقرع بين نسائه، فأيَّتهن خرج سهمها خرج بها معه[42].

قال ابن حجر في شرحه للحديث: " فيه مشروعية القرعة والرد على من منع منها "[43].

وقد ذهب بعض المعاصرين كالشيخ الزرقا والدكتور القرضاوي إلى جواز استعمال القرعة في تحديد الفائز في جوائز المحلات التجارية[44].

فإجراء القرعة من أجل معرفة الفائز بالجائزة جائزٌ ولا يُعَدُّ من القمار، لأنَّ القمار هو أنَّ يتعرض الداخل فيه للربح أو الخسارة، وفي صورة مسألتنا من لم تصبه القرعة لم يخسر في حقيقة الأمر، لأنَّ المال الذي دفعه إنما هو في مقابل البضائع التي اشتراها، إلا إذا كان قصده بالشراء الدخول في القرعة أو زاد التاجر في أسعار بضائعه من أجل الجوائز، ففي هذا الحال تصبح صورة المسألة محرَّمة لاشتمالها على القمار.

التعديل الأخير تم بواسطة لقاء ; 01-09-2009 الساعة 03:42 PM.
    رد مع اقتباس مشاركة محذوفة