قوله تعالى : ** ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ** . قد أطلنا النفس في هذه الآية في كتاب المشكلين وشرح الصحيح بما يقف بكم فيها على المعرفة ، فأما الآن فخذوا نبذة تشرف بكم على الغرض : ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق ** ابن مسعود وغيره قال بينا أنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث وهو متكئ على عسيب إذ مر اليهود فقال بعضهم لبعض : سلوه عن الروح . فقال : ما رابكم إليه ؟ لا يستقبلنكم بشيء تكرهونه . قالوا : سلوه ، فسألوه عن [ ص: 215 ] الروح ، فأمسك النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليهم شيئا فعلمت أنه يوحى إليه ، فقمت مقامي ، فلما نزل الوحي قال : يسألونك عن " الروح " الآية ** .
قال ابن وهب عن مالك : لم يأته في ذلك جواب ، وقد قال بكر بن مضر في رواية ابن وهب عنه : إن اليهود قالوا : سلوه عن الروح ، فإن أخبركم فليس بنبي ، وإن لم يخبركم فهو نبي ، فسألوه فنزلت الآية .
ومعنى هذا أن الأنبياء لا يتكلمون مع الخلق في المتشابهات ، ولا يفيضون معهم في المشكلات ، وإنما يأخذون في البين من الأمور المعقولات ، والروح خلق من خلق الله تعالى جعله الله في الأجسام ، فأحياها به ، وعلمها وأقدرها ، وبنى عليها الصفات الشريفة ، والأخلاق الكريمة ، وقابلها بأضدادها لنقصان الآدمية ، فإذا أراد العبد إنكارها لم يقدر لظهور آثارها ، وإذا أراد معرفتها وهي بين جنبيه لم يستطع ؟ ; لأنه قصر عنها وقصر به دونها . وقال أكثر العلماء : إنه سبحانه ركب ذلك فيه عبرة ، كما قال : ** وفي أنفسكم أفلا تبصرون ** ليرى أن البارئ تعالى لا يقدر على جحده لظهور آياته في أفعاله :
ففي كل شيء آية تدل على أنه واحد
ولا يحيط به لكبريائه وعظمته ، فإذا وقف متفكرا في هذا ناداه الاعتبار : لا ترتب ، ففيك من ذلك آثار ، انظر إلى موجود في إهابك لا تقدر على إنكاره لظهور آثاره ، ولا تحيط بمقداره ، لقصورك عنه فيأخذه الدليل ، وتقوم لله الحجة البالغة عليه .
http://www.islamweb.net/newlibrary/d..._no=46&ID=1599