متى يبدأ جواز النظر؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
رخَّص النبي -صلى الله عليه وسلَّم- بالنظر إلى المخطوبة منذ أن يلقى في قلب الرجل خطبتها كما في حديث ابن أبي حثمة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلَّم-: ((إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها)) ([1]) . وجرى على ذلك عمل الصحابة كمحمد بن مسلمة -رضي الله عنه-؛ قال سهل بن أبي حثمة: ((رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردًا شديدًا، فقلت: أتفعل هذا وأنت من أصحاب -رسول الله صلى الله عليه وسلم-؟! فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها))([2]) .
قَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ فِي "أَحْكَامِ النَّظَرِ": " فَإِنْ عَلِمَ الْخَاطِبُ أَنَّهَا لَا تُجِيبُهُ هِيَ، أَوْ وَلِيُّهَا لَمْ يَجُزْ لَهُ النَّظَرُ وَإِنْ كَانَ قَدْ خَطَبَ" ([3])اهـ .
هل يكون النظر بعلم المخطوبة أو بدون علمها؟
الأصل المتبادر للذهن أنَّ النظر إلى المخطوبة يكون بعلمها، كما في حديث المغيرة بن شعبة أنَّه خطب امرأة فقال الرسول -صلى الله عليه وسلَّم-: ((انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما))([4]) قال المغيرة -رضي الله عنه-: ((فأتيتها وعندها أبواها، و هي في خدرها، قال: فقلت:
إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرني أن أنظر إليها، قال: فسكتا، قال: فرفعت الجارية جانب الخدر، فقالت: أُحرِّج عليك، إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرك أن تنظر لما نظرت، و إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرك أن تنظر، فلا تنظر. قال: فنظرت إليها، ثم تزوجتها، فما وقعت عندي امرأة بمنزلتها))[5]
لذلك أكَّد النبي –صلى الله عليه وسلَّم- على أنَّ النظر يجوز حتى بدون علم المخطوبة حين قال: ((وإن كانت لا تعلم)) .
وهو حديث أبي حميد الساعدي، قال -صلى الله عليه وسلَّم-: ((إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، وإن كانت لا تعلم))[6] .
ويعزز ذلك فهم الصحابة، وعملهم في التخبأ للنظر، فهذا محمد بن مسلمة يطارد مخطوبته ببصره بدون علمها، وهذا جابر –رضي الله عنه- يقول: ((فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها))([7]) .
فالحاصل أنَّ النظر يجوز بعلم المخطوبة أو بغير علمها؛ وقال بعض أهل العلم: إنّ عدم علمها أولى لأنّها قد تتزيّن له بما يغرّه([8])؛ وفضل الآخرون عكس ذلك فقالوا أن النظر بعلمها أولى([9]) لئلاّ يتطرّق الفسّاق للنّظر للنّساء ويقولون: نحن خطّاب .
وقالوا: إن نظر بغير علمها؛ فبإذن وليِّها([10]) وإلاّ كان عندهم مكروهاً .
قال الإمام الألباني -رحمه الله-: " و يجوز النظر إليها و لو لم تعلم أو تشعر به، لقوله -صلى الله عليه وسلم- : ((إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبته، و إن كانت لا تعلم)) .
([1]) السلسلة الصحيحة الحديث رقم 98 .
([2]) انظر تخريج الإمام الألباني للحديث في الصحيحة برقم 97 .
([3]) نقله الحطَّاب في مواهب الجليل .
([4]) أخرجه سعيد بن منصور في "سننه" (515-51 وكذا النسائي (2/73) والترمذي (1/202) والدارمي (2/134) وابن ماجه (1866) والطحاوي (2/ وابن الجارود في "المنتقى" (ص 313) والدارقطني (ص 395) والبيهقي (7/84) وأحمد (4/144 - 245/246) و ابن عساكر (17/44/2) عن بكر بن عبد الله المزني عن المغيرة بن شعبة من الصحيحة الحديث 96 .
([5]) انظر الصحيحة لتخريج الأثر الحديث 96.
([6]) رواه أحمد، ارجع إلى التخريج في الصحيحة الحديث 97 .
([7]) كذا في الصحيحة 99 .
([8]) واختاره العلامة الفوزان كما في الملخص الفقهي .
([9]) وهم المالكية .
([10]) ولم ترد في أي رواية من روايات الحديث هذا القيد، وإنَّما جنح من جنح من العلماء إلى هذا إعمالاً لقاعدة سدِّ الذريعة، وما حرِّم لسد الذريعة فإنَّه يجوز للحاجة والله أعلم