وحتى ترغبوا فيهم.
فالواجب عليكم ألا تستقدموا إلا الطيبين من المسلمين; وإذا رأيتم مسلمين غير مستقيمين فانصحوهم ووجهوهم فإن استقاموا وإلا فردوهم إلى بلادهم واستقدموا غيرهم ، وطالبوا الوكيل الذي يختار لكم أن يختار الناس الطيبين المعروفين بالأمانة ، المعروفين بالصلاة ، المعروفين بالاستقامة; لا يستقدم من هب ودب ، وكثير من الناس يدعي الإسلام وهو كافر ليس بمسلم كالمنافقين. ولكن أنتم أرباب الأعمال عليكم أن تستقدموا الناس الطيبين ، وألا تغتروا بهؤلاء الكفرة الذين يتصنعون عندكم ويظهرون عندكم ما يرغبكم فيهم ، من أمانة وصدق ونحو ذلك ، فهذا لا ينبغي منكم بل إخوانكم المسلمون أولى بأموالكم وأولى بخدمتكم ، وإذا حصل منهم نقص فوجهوهم وعلموهم ولاحظوهم حتى يستقيموا.
وهذا لا شك أنه من خداع الشيطان ، أن يقول لكم: إن هؤلاء الكفار أحسن من المسلمين ، أو أكثر أمانة ، أو كذا أو كذا; كله لما يعلمه عدو الله وجنوده من الشر العظيم في استقدام الكفرة واستخدامهم بدل المسلمين; فلهذا يرغب فيهم ويزين لكم استقدامهم حتى تدعوا المسلمين ، وحتى تستقدموا أعداء الله ، إيثارا للدنيا على الآخرة ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وقد بلغني عن بعضهم أنه يقول: إن المسلمين يصلون ويعطلون الأعمال بالصلاة ، والكفار لا يصلون حتى يأتوا بأعمال أكثر. وهذا أيضا من جنس ما قبله ، ومن البلاء العظيم; أن يعيب المسلمين بالصلاة
(1/379)
ويستقدم الكفار لأنهم لا يصلون ، فأين الإيمان؟ وأين التقوى؟ وأين خوف الله؟ أن تعيب إخوانك المسلمين بالصلاة! نسأل الله السلامة والعافية.
(1/380)
دخول غير المسلمين المساجد
س175: يقول السائل: بالنسبة لدخول غير المسلمين من المشركين والشيوعيين المساجد هناك من يقول: يجوز لهم دخول المساجد لعل الله أن يهديهم. وهناك من يقول: لا يجوز لهم. فنرجو إفادتنا بالصواب أفادكم الله؟
الجواب: أما المسجد الحرام فلا يجوز دخوله لجميع الكفرة; اليهود ، والنصارى وعباد الأوثان والشيوعيين ، فجميع الكفرة لا يجوز لهم دخول المسجد الحرام لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ** يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا ** (1) [التوبة: 28] فمنع سبحانه من دخولهم المسجد الحرام .
والمشركون يدخل فيهم اليهود والنصارى عند الإطلاق ، فلا يجوز دخول أي مشرك المسجد الحرام ، لا يهودي ، ولا نصراني ، ولا غيرهما ، بل هذا خاص بالمسلمين.
وأما بقية المساجد فلا بأس من دخولهم للحاجة والمصلحة ، ومن ذلك المدينة وإن كانت المدينة لها خصوصية ، لكنها في هذه المسألة كغيرها من المساجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ربط فيها الكافر في مسجد النبي
__________
(1) سورة التوبة الآية 28
(1/380)
صلى الله عليه وسلم وأقر وفد ثقيف حين دخلوا المسجد قبل أن يسلموا وهكذا وفد النصارى دخلوا مسجده عليه الصلاة والسلام ، فدل ذلك على أنه يجوز دخول المسجد النبوي للمشرك. وهكذا بقية المساجد من باب أولى إذا كان لحاجة ، إما لسؤال ، أو لحاجة أخرى ، أو لسماع درس ليستفيد ، أو ليسلم ويعلن إسلامه ، أو ما أشبه ذلك.
والحاصل أنه يجوز دخوله إذا كان هناك مصلحة ، أما إذا لم يكن هناك مصلحة فلا حاجة إلى دخوله المسجد ، أو أن يخشى من دخوله العبث في أثاث المسجد ، أو النجاسة فيمنع.
(1/381)
(24)
المناهي اللفظية
(1/383)
السؤال ببركة فلان -أحد الصالحين-
س176: يقول السائل: فضيلة الشيخ: لنا إمام مسجد يقول: إنه يجوز للإنسان أن يسأل الله ببركة فلان ، كأن يقول: اغفر لي يا رب ببركة فلان -أي أحد الصالحين مثلا- فهل هذا نوع من الشرك؟ علما بأنه في نفس الوقت لا يصرح بها شفهيا إلا إذا سألناه ، كما أن هذا الإمام يكتب الحجاب والبخورات للناس كطرق علاج فهل نصلي خلفه أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله؟
الجواب: هذا ليس من الشرك ، ولكنه من وسائل الشرك وهو التوسل ببركة فلان ، أو بحق فلان ، أو جاه فلان ، أو ذات فلان ، هذا من وسائل الشرك ، وليس من الشرك بل هو بدعة عند جمهور أهل العلم؛ لأن التوسل عبادة لا بد لها من توقيف ، ولا بد لها من بيان من الله عز وجل أو من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والله سبحانه بين لنا وهكذا الرسول صلى الله عليه وسلم بين لنا وسائل العبادة ، وأن المشروع أن نتوسل إلى الله في دعائنا إياه بأسمائه ، كما قال سبحانه: ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف: 180] ، وهكذا صفاته سبحانه وتعالى ، وهكذا التوسل بالتوحيد: اللهم إني أسألك بأنني أشهد أن لا إله إلا أنت ، كما جاء في الحديث.
وهكذا التوسل بالأعمال الصالحات ، فيتوسل المؤمن بإيمانه بالله ورسله ، وبمحبته لله ورسله ، وببره لوالديه ، وبأدائه الأمانة ، وبعفته عن الفواحش ، وبمحافظته على الصلوات ، إلى غير ذلك.
وفي هذا الباب قصة أهل الغار ، الثابتة في الحديث الذي رواه
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(1/384)
الشيخان البخاري ومسلم في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ، « أن ثلاثة من الناس فيمن كان قبلنا ، آواهم المبيت ، وفي رواية المطر ، إلى غار فدخلوا فيه ، فانحدرت عليهم صخرة سدت عليهم الغار ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: فقالوا: لا ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم ، فقام أحدهم فسأل ربه ببره لوالديه فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثاني وسأل الله بعفته عن الفاحشة عن الزنا فانفرجت الصخرة بعض الشيء ، وقام الثالث وتوسل إلى الله بأدائه الأمانة فانفرجت الصخرة وخرجوا » (1) وهذا دليل على أن التوسل بالأعمال الصالحات وسيلة شرعية.
وهكذا التوسل بأسماء الله وصفاته كما تقدم وهكذا التوسل بتوحيده والإخلاص له ، أما التوسل بجاه فلان ، أو ببركة فلان ، أو بحق فلان ، فهذا لا أصل له ، ولا يجوز، بل هو من البدع ولكن ليس من الشرك.
والصلاة خلف الإمام الذي يقول هذا : صحيحة. لكن ينبغي أن يعلم ويوجه إلى الخير ، فإن عرف الحق وامتثل وتاب إلى الله من ذلك وإلا فالواجب أن يبدل بغيره ، والواجب على المسئولين أن يلتمسوا إماما أصلح منه للمسجد حتى لا يغر الناس ، وهكذا إذا كان يتعاطى كتابة الحجب وهي التمائم فهذا أيضا منكر ، والرسول صلى الله عليه وسلم أمر بقطع التمائم وقال: « من تعلق تميمة فلا أتم الله له ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له » (2) وأخبر أنها شرك فلا يجوز كتابة التمائم لا من العظام ، ولا من الخرز ، ولا من الطلاسم ، ولا من غير ذلك.
واختلف العلماء فيما إذا كانت التمائم من القرآن على قولين:
__________
(1) صحيح البخاري الإجارة (2152),صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2743),مسند أحمد بن حنبل (2/116).
(2) مسند أحمد بن حنبل (4/154).