(1/276)
في حسبك اغفر لي، هذا كله لا يجوز بل هو من الشرك الأكبر لأن هذه الأمور من خصائص الله سبحانه وتعالى، لا يقال للميت ولا للجماد كالصنم والشجر ولا للجن ولا للملائكة، بل هذا يطلب من الله سبحانه وتعالى، والذي يتعاطى هذا مع أصحاب القبور قد فعل الشرك الأكبر الذي حذر الله منه عباده، وأنزل الكتب في حقه، وأرسل الرسل لأجل ذلك، قال سبحانه وتعالى: ** كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ** (1) ** ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير ** (2) هود: [1 ، 2] وقال سبحانه: ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (3) [الجن: 18] وقال عز وجل: ** ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ** (4) [النحل: 36] .
فالعبادة حق الله سبحانه وتعالى، فليس للعبد أن يطلب شفاء المرض أو رد الغائب، أو التخليص من الكرب من الأموات، أو من الأصنام، أو من الكواكب أو من الأشجار والأحجار، أو من الجن أو من الملائكة، كل هذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر.
وإنما الزيارة الشرعية مثل ما تقدم أن يزور القبور ويسلم عليهم ويقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية يغفر الله لنا ولكم يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وما أشبه ذلك، من الدعاء لهم والترحم عليهم. وأما تقبيل القبر أو تقبيل الشباك أو التمسح بالقبر، فكل هذا لا يجوز، والذي يقف عند القبر يسلم فقط. ويدعو للميت ويترحم عليه
__________
(1) سورة هود الآية 1
(2) سورة هود الآية 2
(3) سورة الجن الآية 18
(4) سورة النحل الآية 36
(1/277)
كما تقدم. ولا يجوز البناء على القبور، ولا اتخاذ المساجد عليها ولا القباب، كل هذا مما أحدثه الناس.
والرسول صلى الله عليه وسلم قال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (1) وقال: « ألا إن من كان قبلكم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (2) وقال جابر رضي الله عنه: « نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تجصيص القبور والقعود عليها والبناء عليها » (3) وتجصيص القبور، والبناء عليها، أو اتخاذها مساجد ، كله منكر لا يجوز، ومن أسباب الغلو فيها وعبادتها من دون الله، والواجب على الزائر أن يتقيد بالأمر الشرعي، وأن يبتعد عما حرم الله عليه، فيزورها كما زارها النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون من الدعاء للميت والترحم عليه والاستغفار له.
وأما دعاء الميت نفسه والاستغاثة به والنذر له أو الالتجاء إليه أو التعوذ به من كذا وكذا فهذا كله لا يجوز، وكله من الشرك.
وهكذا الجلوس عند القبر يدعو الله أو يصلي عند القبر هذا لا يجوز أيضا، بل يجب الحذر من ذلك؛ لأنه من وسائل الشرك، ولأن دعاء الميت شرك أكبر والاستغاثة به والاستشفاع به ونحو ذلك من الشرك الأكبر، والجلوس عنده للدعاء، أو الصلاة من البدع ومن وسائل الشرك. وهكذا البناء على القبور، واتخاذ القباب عليها من البدع، وكله من وسائل الشرك والذرائع.
__________
(1) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).
(2) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(3) صحيح مسلم الجنائز (970),سنن الترمذي الجنائز (1052),سنن النسائي الجنائز (2028),سنن أبو داود الجنائز (3225),مسند أحمد بن حنبل (3/339).
(1/278)
فالواجب على المسلمين أن يحذروا من ذلك، وأن يعيدوا القبور على حالها الأولى، ويزيلوا ما عليها من مساجد ومن قباب، وعليهم أن يتركوها كما كانت في عهد النبي وعهد أصحابه ظاهرة، تحت الشمس، ليس عليها قبة ولا مسجد، ولا غير ذلك، هذا هو المشروع، وهذا هو الواجب، نسأل الله لنا ولجميع المسلمين العافية والسلامة.
(1/279)
زيارة قبور الأولياء
س127: تسأل السائلة عن قبور الأولياء وتقول: يوجد عندنا في العراق بدع، وهي أن بعض الناس يقصدون قبور أولياء الله والصالحين من مكان بعيد، وعند زيارة القبر يخلعون أحذيتهم، وهذه القبور مبني عليها ما يشبه المساجد وعند دخولهم يصلون ركعتين، وهي صلاة الزيارة ويقال إنها سنة. فهل هذا جائز أم لا؟ أفيدونا وفقكم الله لما فيه الخير وجزاكم الله عنا خيرا ؟
الجواب: هذا سؤال مهم وله شأن عظيم، وهو تعظيم القبور بالزيارة البدعية، والبناء على القبور، واتخاذ المساجد عليها، هذه مسائل ذات أهمية، فينبغي أن يعلم أن الزيارة للقبور سنة ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) ولكن ليس المقصود بالزيارة أن يدعى الميت، أو يستغاث به، أو يطلب منه المدد، أو يتمسح بالقبر، أو ما أشبه ذلك، بل المقصود من الزيارة ذكر الآخرة، وذكر الموت، والدعاء للميت والترحم عليه إن كان مسلما، هذا هو المقصود من الزيارة، ولهذا قال عليه الصلاة
__________
(1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441).
(1/279)
والسلام: « زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة » (1) وفي لفظ آخر: « تذكركم الموت » (2) .
فالسنة للزائر إذا زار أن يسلم على المقبورين، ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: « السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون نسأل الله لنا ولكم العافية » (3) وفي لفظ آخر: « يرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين » (4)
وكان يقول إذا زار البقيع : « اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد » (5) فالسنة إذا زار القبور هكذا، أن يسلم عليهم ويدعو لهم بالمغفرة والرحمة والعافية، فهذا هو المشروع، أما أن يزورهم ليدعوهم من دون الله، أو ليطلب منهم المدد، أو ليستغيث بهم، أو لينذر لهم، فهذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله، وهذا من عمل الجاهلية; كأبي جهل وأصحابه عند القبور، فهذا لا يجوز، بل هو من الشرك الأكبر.
وهكذا الصلاة عند القبور لا تجوز، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك » (6) وقال: « لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » (7)
فلا تجوز الصلاة عند القبور، ولا العكوف عندها، ولا سؤال أهلها، ولا الاستغاثة بهم، ولا النذر لهم كما تقدم، ولما رأت أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما كنيسة في الحبشة ، وما فيها من الصور، أخبرتا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: « أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره
__________
(1) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1569),مسند أحمد بن حنبل (2/441).
(2) صحيح مسلم الجنائز (976),سنن النسائي الجنائز (2034),سنن أبو داود الجنائز (3234),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1572),مسند أحمد بن حنبل (2/441).
(3) صحيح مسلم الجنائز (975),سنن النسائي الجنائز (2040),سنن ابن ماجه ما جاء في الجنائز (1547),مسند أحمد بن حنبل (5/353).
(4) سنن النسائي الجنائز (2037),مسند أحمد بن حنبل (6/221).
(5) صحيح مسلم الجنائز (974),سنن النسائي الجنائز (2039).
(6) صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (532).
(7) صحيح البخاري الجنائز (1324),صحيح مسلم المساجد ومواضع الصلاة (531),سنن النسائي المساجد (703),مسند أحمد بن حنبل (6/121),سنن الدارمي الصلاة (1403).