(1/176)
بالمصحف ، يطؤه برجله ، أو يجلس عليه إهانة له ، أو يلطخه بالنجاسة ؛ كفر إجماعا بعمله مع المصحف ؛ لأن هذا يدل على استخفافه بكلام الله ، وسبه لله بإهانة كلامه ؛ فيكون كافرا عند جميع العلماء ، ولو قال : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، ولو صلى ، ولو زكى ، ولو صام ، ولو حج .
فينبغي للمسلم التنبه لهذه الأمور ، وأن الإسلام إنما يبقى مع السلامة من نواقض الإسلام ، ومع البعد عما ينقض الإسلام ، نسأل الله للجميع الهداية والعافية .
(1/177)
الإحسان إلى من مات وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم
ليس ببشر ويعلم الغيب وغير ذلك
س80: يقول السائل في رسالته : إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر ، وأنه يعلم الغيب ، وأن التوسل بالأولياء الأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل فهل يدخل النار أو يعتبر مشركا ؟ وإذا كان لا يعلم غير هذا الاعتقاد ، وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك . فما حكمه ؟ وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته ؟
الجواب : من مات على هذا الاعتقاد ، وهو أن يعتقد أن محمدا صلى الله عليه وسلم ليس ببشر ، وليس من بني آدم ، أو يعتقد أنه يعلم الغيب ، فهذا اعتقاد كفري ، فيعتبر كافرا ، وهكذا إذا كان يتوسل به بمعنى يدعوه ، ويستغيث به ، وينذر له ؛ لأن التوسل فيه تفصيل ، فبعض الناس يطلق التوسل على
(1/177)
دعاء الميت وطلب المدد والاستغاثة به ، وهذا من الكفر بالله ، فإذا مات على ذلك الحال مات على حالة كفرية ، لا يتصدق عنه ، ولا يصلى عليه ، ولا يغسل في هذه الحال ، ولا يدعى له ، ثم بعد ذلك أمره إلى الله في الآخرة ، إن كان عن جهالة وعدم بصيرة وليس عنده من يعلمه فهذا حكمه حكم أهل الفترة يوم القيامة ، يمتحنون ويؤمرون ، فإن أجابوا وأطاعوا نجوا ودخلوا الجنة ، وإن عصوا دخلوا النار .
أما إن كان يعلم ، ولكنه تساهل ، ولم يبال ، فهذا حكمه حكم الكفرة ؛ لأنه مكذب لله عز وجل ، والله عز وجل بين أن محمدا صلى الله عليه وسلم بشر ، وبين أنه لا يعلم الغيب إلا الله ، وأنه مستحق للعبادة ، فالذي يعتقد أن محمدا ليس ببشر ، وأنه يعلم الغيب ، فقد كذب الله عز وجل ، ويكون كافرا ،نسأل الله العافية .
أما إذا كان جاهلا فأمره إلى الله في الآخرة ، أما في الدنيا فحكمه حكم الكفرة ؛ لا يصلى عليه ، ولا يدعى له . . . . إلى آخره .
أما التوسل بمعنى التوسل بجاه فلان ، يعني أن يقول : أسأل الله بجاه فلان ، أسألك يا الله بجاه محمد صلى الله عليه وسلم ، أو بجاه الأنبياء ، أو بحق الأنبياء ؛ فهذا فيه خلاف بين العلماء ، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه وليس بشرك ، من أجازه رأى أنه وسيلة لا بأس بها ، ومن منعه يرى أنه بدعة وليس بشرك ؛ لأن الوسائل لا بد أن يأتي فيها النص ، ولا بد أن تعرف بالنصوص ، ولم يأت في النص ما يدل على أن التوسل بجاه فلان ، أو حق فلان ، أنه جائز وأنه شرعي ، بل جاءت النصوص على أن هذا ليس بجائز وليس بشرعي بل هو بدعة ؛ لأن الله سبحانه وتعالى
(1/178)
يقول : ** ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها ** (1) [الأعراف : 180] ؛ هذه وسيلة ، تسأل ربك بأسمائه : يا ربي ، يا رحمن ، يا رحيم ، اهدني ، أنجني من النار ، يا سميع الدعاء ، يا حي يا قيوم ، إلى غير ذلك ، تسأله بأسمائه وصفاته سبحانه وتعالى .
وهكذا التوسل بالتوحيد والإيمان تقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت ، بأني أؤمن بك وبأنبيائك ورسلك ، فهذه وسيلة شرعية لا بأس بها ، أو تسأله بأعمالك الصالحة ، تقول : اللهم إني أسألك ببري والدي ، وطاعتي لك ولرسولك أن تغفر لي ، أن تهب لي كذا وكذا ، فلا بأس ، كما ثبت في الحديث الصحيح في قصة أهل الغار وهم ثلاثة ، آواهم المبيت والمطر إلى الغار ، فلما دخلوا فيه انحدرت عليهم صخرة من أعلى الجبل فسدت الغار عليهم ، ولم يستطيعوا الخروج ، ولم يستطيعوا دفعها ، فقالوا فيما بينهم : إنه لن ينجيكم من هذا إلا أن تسألوا الله بصالح أعمالكم ، فتوجهوا إلى الله فاسألوه ببعض أعمالهم الطيبة .
فقال أحدهم : اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا ، يعني لا أسقي الغبوق وهو اللبن في الليل قبلهما أهلا ولا مالا ، وإنه نأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما ، فحلبت لهما غبوقهما وجعلته على يدي ووقفت أنتظرهما حتى طلع الفجر ، واستيقظا فسقيتهما ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة بعض الشيء ولكن لا يستطيعون الخروج .
__________
(1) سورة الأعراف الآية 180
(1/179)
والثاني : توسل بعفته عن الزنا ، فكان له ابنة عم يحبها كثيرا ، وأرادها عن نفسها فأبت عليه ، ثم إنها ألمت بها حاجة أي شدة فجاءت تطلب منه حاجة فأبى عليها إلا أن تمكنه من نفسها ، فوافقت على هذا من أجل الحاجة ، فأعطاها مائة دينار وعشرين دينارا ، فلما جلس بين رجليها ، قالت له : يا عبد الله ، اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه ، فخاف من الله حينئذ ، وقام عنها وترك لها الذهب خوفا من الله عز وجل ، فقال : اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة أكثر لكن لا يستطيعون الخروج .
ثم قال الثالث : اللهم إني استأجرت أجراء فأعطيت كل واحد أجره إلا واحدا ترك أجره فنميته له ، حتى اشتريت منه إبلا وبقرا وغنما ورقيقا ، فجاء يطلب أجره ، فقلت له : كل هذا من أجرك ، يعني الإبل والبقر والغنم والرقيق ، فقال : يا عبد الله ، اتق الله ولا تستهزئ بي ، فقلت : إني لا أستهزئ بك إنه كله مالك ، فاستاقه كله ، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك ففرج عنا ما نحن فيه ، فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون .
وهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الطيبة الصالحة أمر مشروع ، وأن الله عز وجل يسبب به الفرج .
أما التوسل بجاه فلان ، أو حق فلان ، أو بذات فلان ، فهذا غير مشروع ، وهذا هو الصواب .
(1/180)
من يعيش في قرية تنتشر فيها البدع والخرافات العقدية
س81: يقول السائل : إذا كنت أعيش في منطقة أهلها لا يعرفون التوحيد ، ويحبون البدع والخرافات ، ومن اعتقاداتهم التوسل بالأولياء والعكوف عند الأضرحة ، والذبح عندها ، والنساء يخرجن متبرجات ، وكثير من أهل هذه البلدة على هذه الحال . فهل يجوز لي أن أصلي خلفهم ؟ علما بأنه لا يوجد مسجد آخر غير هذا المسجد الذي هم قائمون عليه . أفيدونا أفادكم الله .
الجواب : ما دام أهل هذه القرية بهذه الصفة فالواجب عليك أن تهاجر منها ، وأن تنتقل إلى قرية صالحة ، يعبد أهلها الله سبحانه وتعالى ، فالهجرة واجبة من البلاد الشركية إلى البلاد الإسلامية ، أما إن كنت تستطيع توجيههم وإرشادهم ، أو عندك من أهل العلم والبصيرة من يرشدهم حتى يتعلموا ، فاستعينوا بالله وأرشدوهم ؛ لأن دعاء الأموات والاستغاثة بالأموات شرك أكبر والعياذ بالله فالعبادة حق الله وحده ، قال سجانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (1) وقال تعالى : ** وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ** (2) [البينة : 5] ، وقال سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (3) [الإسراء : 23] ، والآيات كثيرة في ذلك .
فالواجب إخلاص العبادة لله وحده ، فلا يدعى إلا هو سبحانه وتعالى ، ولا يستغاث إلا به ، ولا يصلى إلا له ، ولا يسجد إلا له ، فمن يطلب من الأموات المدد ويستغيث بهم فقد أشرك بالله سبحانه وتعالى ، وهكذا إذا صلى لهم ، وسجد لهم ، وذبح لهم ، ونذر لهم ، كل هذا عبادة
__________
(1) سورة الفاتحة الآية 5
(2) سورة البينة الآية 5
(3) سورة الإسراء الآية 23