(1/165)
ولا على جواز طلب الحاجات من الأموات والغائبين والجن وغيرهم .
وأما التوسل بهم ، أي بجاههم ، وبمحبتهم فهذا فيه تفصيل ؛ أما الجاه فلا يجوز التوسل به ، فلا يقال : أسألك يا الله بجاه فلان أو بحق فلان ، هذا غير مشروع بل بدعة .
أما التوسل بحبهم ، أي بحب أهل الإيمان ، فهذا طاعة لله ، فحبهم حق ، فإذا قال المؤمن أو المؤمنة : اللهم إني أسألك بحبي لأوليائك ولرسلك وإيماني بهم ، فهذا لا بأس به .
وأما دعاؤهم فلا يجوز ، فلو قالت : يا سيدي يا رسول الله أغثني ، أو يا أبا بكر أغثني ، أو يا عمر أغثني ، أو اشفني ، فصادف أنه شفي من مرضه ، فليس هذا من أجل هذا الدعاء ، بل هذا وافق القدر الذي قدره الله أن يشفى ، فقد يظن هذا المريض -أو هذه المريضة- أنه بأسباب دعائه ، وهذا ليس بسبب ذلك ، لكن صادف القدر وكان ابتلاء وامتحانا .
فالواجب الانتباه ، وأن ينتبه المؤمن والمسلم لهذا الأمر ، ولا يظن أن الولي هو الذي شفاه ، بل الله الذي يشفيه سبحانه وتعالى ، كما قال عن الخليل إبراهيم : ** وإذا مرضت فهو يشفين ** (1) [الشعراء : 80] ، فهو الذي يشفي جل وعلا ، وهو الذي يقضي الحاجات للعباد ، بأن يكتب لهم الشفاء ، ويهب لهم العلم ، إلى غير ذلك .
أما المخلوق الحي الحاضر القادر إذا طلبت منه حاجة يقدر عليها فهذا لا بأس به ، وليس من الشرك . كأن تقول لأخيك أو لصديقك : أعني على كذا بكذا وكذا ، أو أقرضني كذا وكذا ، أو ساعدني على تعمير بيتي ، أو إصلاح سيارتي ، فهذا لا بأس به؛ لأن الله سبحانه ذكر عن كليمه
__________
(1) سورة الشعراء الآية 80
(1/166)
موسى عليه الصلاة والسلام في سورة القصص ما يدل على ذلك حيث قال سبحانه : ** فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه فوكزه موسى فقضى عليه ** (1) [ القصص : 15 ] لأن موسى حي حاضر يستطيع إغاثة من استغاث به في مثل هذا الأمر ، ولقول الله سبحانه : ** وتعاونوا على البر والتقوى ** (2) ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه » (3) أخرجه مسلم في صحيحه ، وهذا أمر مجمع عليه بين أهل العلم ، وهو جواز استعانة الإنسان بغيره من الأحياء القادرين الحاضرين ، أو الغائبين بالمكاتبة والمكالمة الهاتفية . أما دعاء الأموات ، والاستغاثة بهم ، والنذر لهم ، أو للأصنام ، أو للكواكب أو ما أشبه هذا ، فهذا هو الشرك الأكبر ، فالأولياء يحبون في الله ، لكن لا يدعون مع الله .
وهذا هو الواجب على أهل الإسلام ، أن يحبوهم في الله ، ويعرفوا لهم قدرهم ، لكن لا يدعونهم مع الله ، ولا يستغيثون بهم ، ولا ينذرون لهم ، ولا يتقربون لهم بالذبائح ، فهذا هو الشرك الأكبر ؛ سواء مع الأولياء من الرسل ، أو من المؤمنين ، أو مع غيرهم من الطواغيت ؛ فلا يدعون مع الله ولا يستغاث بهم .
فالواجب التنبه لهذا الأمر ، وأن تحذري هذا الشرك ، وأن تعبدي الله وحده بدعائك ، واستغاثتك ، ونذرك ، وغير هذا . والواجب أن تجعلي ذلك كله لله سبحانه وتعالى .
__________
(1) سورة القصص الآية 15
(2) سورة المائدة الآية 2
(3) صحيح مسلم الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار (2699),سنن الترمذي القراءات (2945),سنن أبو داود الأدب (4946),سنن ابن ماجه المقدمة (225),مسند أحمد بن حنبل (2/252),سنن الدارمي المقدمة (344).
(1/167)
حلم بعض النساء بالذبح للخضر وغيره
س78: كثيرا ما تحلم بعض النساء أنه جاءها رجل وقال لها : اذبحوا لله وللخضر ذبائح ، وإلا يقبل عليكم مرض ، ويقولون أيضا : إن الذي لا يذبح تنقص عائلته بالموت . أفيدونا عن هذا أفادكم الله .
الجواب : هذا الحلم وما أشبهه من الشيطان ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : « الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يكره فلينفث عن يساره ثلاث مرات وليتعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى ثلاث مرات ثم ينقلب على جنبه الآخر فإنها لا تضره ولا يخبر بها أحدا » (1) فهذه الرؤيا من الشيطان .
فإذا رأت المرأة أو الرجل مثل هذا الحلم ، كأن يرى أنه يضرب ، أو يهدد بقتل ، أو في محل مخوف ، فكل هذا من الشيطان ، فعليه أن ينفث عن يساره ؛ بأن يتفل عن يساره ثلاث مرات بريق خفيف ، ويقول : أعوذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأيت ؛ ثلاث مرات ، ثم ينقلب على جنبه الآخر ، فإنها لا تضره ، ولا يخبر بها أحدا .
والذبح لله عبادة في أي وقت ، فإذا ذبح لله وتصدق بها فلا بأس . أما الذبح للخضر أو لغيره من الأموات والغائبين للتقرب إليهم وطلب شفاعتهم أو نحو ذلك فهذا من الشرك الأكبر وهو من عمل كفار قريش وأشباههم كما قال الله سبحانه : ** ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ** (2) الآية [يونس : 18] ، فالذبح لغير الله لا يجوز ، بل هو من الشرك كما قال الله سبحانه : ** قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ** (3) ** لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين ** (4) [الأنعام : 162 ، 163]
__________
(1) صحيح البخاري بدء الخلق (3118),صحيح مسلم الرؤيا (2261),سنن الترمذي الرؤيا (2277),سنن أبو داود الأدب (5021),سنن ابن ماجه تعبير الرؤيا (3909),مسند أحمد بن حنبل (5/303),موطأ مالك الجامع (1784),سنن الدارمي الرؤيا (2142).
(2) سورة يونس الآية 18
(3) سورة الأنعام الآية 162
(4) سورة الأنعام الآية 163
(1/168)
ونسكي : يعني ذبحي ، ويقول الله سبحانه : ** إنا أعطيناك الكوثر ** (1) ** فصل لربك وانحر ** (2) [الكوثر : 1 ، 2] ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : « لعن الله من ذبح لغير الله » (3) خرجه مسلم في صحيحه من حديث علي رضي الله عنه .
فلا يجوز الذبح للخضر ، ولا للبدوي ، ولا للحسين ، ولا لغيرهم من الناس ، ولا للأصنام ، ولا للجن ، بل الذبح يكون لله وحده ، والتقرب بالذبح يكون لله وحده سبحانه ، كالضحايا والهدايا . أما الخضر ، أو البدوي ، أو الحسين ، أو المرسي ، أو ابن عربي ، أو الشيخ عبد القادر ، أو فلان ، فكل هؤلاء لا يجوز الذبح لهم أصلا . والتقرب إليهم بالذبائح ليشفعوا لك ، أو ليشفوا ولدك . . كل هذا من الشرك الأكبر والعياذ بالله ، مثل الذبح للأصنام والجن والكواكب فكله شرك أكبر . فيجب الحذر من هذا وأشباهه ، ويجب التواصي بترك ذلك ، والتناصح ؛ فالذبح يكون لله وحده سبحانه وتعالى . وهكذا الدعاء والاستغاثة ؛ لا يستغاث بالخضر ، ولا بالبدوي ، ولا بالحسين ، ولا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، ولا بغيرهم ، بل الاستغاثة بالله وحده .
ولا يستغاث بالأموات ، ولا بالجن ، ولا بالملائكة ، ولا بالأصنام ، ولا بالكواكب ، إنما يدعى الله وحده ، ويستغاث به وحده سبحانه . ولا يطلب المدد من الأموات كالبدوي وغيره ، ولا من الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا من غيرهم ، بل المدد يطلب من الله عز وجل ؛ لأنه هو الذي يملك كل شيء سبحانه ، ولا بأس به من الحي القادر . تقول : يا أخي
__________
(1) سورة الكوثر الآية 1
(2) سورة الكوثر الآية 2
(3) صحيح مسلم الأضاحي (1978),سنن النسائي الضحايا (4422),مسند أحمد بن حنبل (1/118).
(1/169)
ساعدني على كذا وهو يسمعك ، أو بالكتابة ، أو بالبرقية ، أو بالهاتف ، فتقول له : ساعدني على كذا وهو قادر ، أقرضني كذا ، فهذا لا بأس به ، وهذه أمور عادية ، وأسباب حسية لا حرج فيها . لكن كونك تأتي الميت وتقول : يا سيدي البدوي اشف مريضي ، أو رد غائبي ، أو مدد المدد ، أو يا سيدي الحسين ، أو يا سيدي يا رسول الله ، أو يا سيدي ابن عربي ، أو يا شيخ عبد القادر ، أو ما أشبه ذلك ، فهذا من الشرك الأكبر . ويجب على كل مسلم أن يتنبه لهذا الأمر ، ويجب على العلماء - وفقهم الله - أن ينصحوا الناس ، وأن يعلموهم ، يقول الله سبحانه : ** فلا تدعوا مع الله أحدا ** (1) [الجن : 18] ، ويقول عز وجل : ** ذلكم الله ربكم له الملك والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ** (2) ** إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ولا ينبئك مثل خبير ** (3) [فاطر : 13 ، 14] ، سبحانه وتعالى ، فسمى دعاءهم شركا .
وهكذا يقول سبحانه : ** ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه لا يفلح الكافرون ** (4) [المؤمنون : 117] ، فسمى دعاء غير الله كفرا وشركا ، فيجب التنبه لهذا الأمر الذي وقع فيه كثير من العامة والجهلة ، ويجب على أهل العلم وعلى طلبة العلم أن ينصحوا لله ولعباده ، ويعلموا هؤلاء الجهال حتى لا يستهينوا بدعوة القبور وأهلها ، وحتى يدعوا الله وحده ، ويستغيثوا به في حاجاتهم .
أما الحي الحاضر القادر فلا بأس ، كأن يكون أخاك أو قريبك
__________
(1) سورة الجن الآية 18
(2) سورة فاطر الآية 13
(3) سورة فاطر الآية 14
(4) سورة المؤمنون الآية 117
(1/170)
أو صديقك فتقول له : أقرضني كذا ، أو عاوني بكذا فلا بأس ؛ فهو حي يسمع كلامك ، أو بالهاتف ( التليفون) ، أو بالبرقية ، أو بالتلكس ، أو بالمكاتبة ، فتطلب منه شيئا وهو قادر فلا بأس ، فهذا ليس من العبادات ، بل هذه أمور عادية حسية .
وكان الصحابة يطلبون من النبي في حياته صلى الله عليه وسلم ؛ يطلبون منه أن يشفع لهم أو يعينهم على كذا ، فلا بأس بهذا في حياته صلى الله عليه وسلم ، لكن بعد الوفاة لا يسأل هو ولا غيره بعد الوفاة .
وهكذا يوم القيامة حين يبعثه الله يسأله الناس يوم القيامة ليشفع لهم ، فلا بأس لأنه حي حاضر بين أيديهم ، أما بعدما توفاه الله وقبل يوم القيامة فإنه لا يدعى ، ولا يستغاث به ، ولا يذبح له ، ولا ينذر له ، بل هذا من الشرك .
وهكذا غيره كالخضر ، أو نوح ، أو موسى ، أو عيسى ، لا يدعون مع الله ، ولا يستغاث بهم ، ولا ينذر لهم ، ولا يذبح لهم ، وهكذا البدوي ، وهكذا الحسين ، وهكذا زينب ، ونفيسة ، وغيرهم ممن يعبدهم الجهلة ، وهكذا الشيخ عبد القادر ، وهكذا أبو حنيفة ، وهكذا غيرهم كل هؤلاء وغيرهم ليس لأحد أن يدعوهم من دون الله ، وليس له أن يستغيث بهم ، كما أنه لا يجوز أن تدعى الأصنام التي يعبدها الجهلة ، أو الجن ، أو الكواكب ، أو الأشجار ، أو الأحجار ، فكل هذا لا يجوز .
فالعبادة حق الله وحده ، يقول سبحانه : ** وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ** (1) [الإسراء : 23] ، ويقول سبحانه : ** إياك نعبد وإياك نستعين ** (2) [الفاتحة : 5] ، وقال تعالى : ** وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا ** (3) [الجن : 18] ،
__________
(1) سورة الإسراء الآية 23
(2) سورة الفاتحة الآية 5
(3) سورة الجن الآية 18